توماس فريدمان: هكذا فشلت رهانات أمريكا على إيران والسعودية

الخميس 8 نوفمبر 2018 07:11 ص

مع كل يوم يمر، تصبح سياسية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران والسعودية، أكثر شبها بالفيلم الكلاسيكي "ثيلما ولويز" لعام 1991.

وبالنسبة لأولئك الصغار جدا لتذكر الفيلم، فإنه بطولة "سوزان ساراندون" و"جينيا ديفيز" صديقتين مقربتين، تتحول رحلة صيدهما "إلى أزمة بعد أن أطلقت شخصية ساراندون النار على متحرش، في النهاية تحاولان الهروب من الشرطة بقيادة سيارة بشكل درامي حتى تتوفيان".

ما علاقة ذلك بإيران والسعودية، والولايات المتحدة؟

حسنا، إذا نظرت إلى الوراء، فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، على مدى العقد الماضي، ماذا ترى؟

ترى فريق "أوباما" ينظر إلى إيران والسعودية قائلا: السعوديون مندفعون، ولن يقدموا على عمل سلام عربي إسرائيلي، أو أي إصلاح حقيقي فى الداخل، لذلك دعونا نراهن على إيران، لنراهن على أفضل طريقة لسحب المنطقة إلى مسار أفضل من خلال الترويج لنزع السلاح النووي والإصلاح في إيران، التي تعد حضارة حقيقية، مع تمكين النساء والطبقة الوسطى الموالية للغرب.

ومن أجل ذلك، قام فريق "أوباما" بصياغة الاتفاق النووي الإيراني، والذي حد من تطوير إيران للأسلحة النووية لمدة 15 عاما على الأقل، مقابل رفع العقوبات الأمريكية، فضلا عن النتيجة المأمولة بانفتاح إيران على العالم، وبالتالي تعزيز المعتدلين هناك ضد الحرس الثوري المتشدد.

وتم نزع أنياب إيران النووية، لكن الحرس الثوري استخدم رفع الضغوط والنقد والاستثمارات الجديدة القادمة من الغرب لمواصلة عرض قوتهم في العالم العربي السني، وتعزيز قبضة وكلاء إيران على 4 عواصم عربية؛ بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت.

والأسوأ من ذلك أن إيران وجيشها المرتزق الشيعي اللبناني، "حزب الله"، انضموا إلى النظام السوري المؤيد للشيعة في قمع أي فرصة لتقاسم السلطة مع الثوار السوريين، وساعدوا النظام في تنفيذ حملة تطهير عرقية ضد السنة في المناطق الرئيسية في سوريا.

وتغاضت إيران ومرتزقتها أيضا، عن استخدام النظام الإبادة الجماعية والغاز السام والبراميل المتفجرة التي ساهمت بشكل كبير  في وصول عدد القتلى في سوريا لنحو 500 ألف شخص، ونزوح 11 مليون آخرين.

ولم يتوقف الامتداد الإمبريالي المفرط لإيران، إلا من خلال سلاح الجو الإسرائيلي، الذي شن ضربات قوية على الوحدات الإيرانية في سوريا، عندما أرسلت إيران صواريخ هناك لمهاجمة (إسرائيل).

كنت اعتقدت أن صفقة إيران تستحق الرهان، لا داعي للندم، فلقد نجحت في كبح برنامج إيران النووي، وهو في حد ذاته صفقة عظيمة، ولكنها لم تفعل شيئا لتخفيف السلوك الإيراني الإقليمي الذي لم يكن أبدا جزءا من الاتفاقية النووية.

وفي الواقع ربما كان هذا السلوك ثمنا للاتفاق، حيث يبدو أن المرشد الأعلى في إيران، في مقابل إبرام صفقة مع "الشيطان الأمريكي" سمح للحرس الثوري بالتمتع بحرية أكبر في استعراض قوته.

ثم جاء الرئيس "ترامب".. مزق الاتفاق النووي، وأعاد فرض عقوبات على طهران، وتعهد بتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة من خلال بيع أسلحة بقيمة 110 مليارات دولار للسعودية، والمراهنة على ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" الذي أزال الشرطة الدينية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) من الشوارع (صفقة عظيمة)، ومنح النساء الحق في قيادة السيارات، وجلب السينما والحفلات الموسيقية على النمط الغربي إلى المملكة الصحراوية، في حين قضى على أي ملامح للمعارضة.

كان رهان "أوباما" على إيران منطقيا، لكنه تطلب من الولايات المتحدة وحلفائها أيضا، كبح التأثيرات الإيرانية الخبيثة الإقليمية من الخارج.

كما كان رهان "ترامب" على "بن سلمان" منطقيا أيضا، كان لدينا اهتمام كبير بالحد من تصدير الإسلام السلفي المتشدد، الذي ألهم النسخ المتطرفة من خاطفي طائرات 11 سبتمبر/أيلول، من "طالبان" وصولا لـ"داعش".

لكن للحصول على أفضل النتائج من اندفاع "بن سلمان"، كانت الولايات المتحدة في حاجة لكبح جماحه من الداخل، كنا بحاجة إلى سفير أمريكي قوي أو مبعوث خاص في الرياض، أو رئيس، لرسم الخطوط الحمراء لـ"بن سلمان"، ولم يفعل "ترامب" أيا من ذلك، وترك ولي العهد إلى حد كبير لصهره "غاريد كوشنر".

وعلى نفس المنوال مثل الإيرانيين، استخدم "بن سلمان" التفويض المطلق الذي حصل عليه من أمريكا، لإظهار القوة، والتمدد إلى ما هو أبعد من قدراته، وهو التدخل فى اليمن، ومحاصرة قطر، واختطاف رئيس وزراء لبنان، وقمع ناشطات قيادة السيارة، والسماح إذا لم يكن إصدار الأمر لفريقه بقتل السعودي الداعم للديمقراطية والاعتدال الصحفي "جمال خاشقجي".

وفي كلتا الحالتين كانت الولايات المتحدة تأمل في أن تؤدي الرهانات المحدودة على إيران والسعودية، إلى اعتدال سلوكياتهم الأكثر سُميّة، وربما يقود ذلك إلى نتائج أفضل في المنطقة، وللمصالح الأمريكية، ولكن بدلا من ذلك، استخدمت كلتا الدولتين ميزات مناورة إضافية، ومنحناهما القيادة مباشرة نحو الهاوية.

ولوضع ذلك فى إطار سينمائي فقد فعلت إيران والسعودية بالكامل ما قامت به "ثيلما" و"لويز"، ولكن هذا حدث في الشرق الأوسط، وفي سيارتين منفصلتين.

على سبيل المثال، اختطف "بن سلمان"، رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري"، لكن "حزب الله" المدعوم من إيران قتل والده رئيس الوزراء السابق "رفيق الحريري".

وفى غضون ذلك، اتهمت الدنمارك إيران بارسال عملاء استخبارات لاغتيال زعيم معارض عربي إيراني يعيش في المنفي في الدنمارك، وطردت فرنسا دبلوماسيا إيرانيا بعد محاولة فاشلة لتنفيذ هجوم بالقنابل على تجمع في باريس احتشد لمعارضة إيران.

وأؤكد أن هذا لا يصرف الانتباه عن قتل "خاشقجي"، فيجب معاقبة السعودية ، ومن شارك في ذلك، (لم تكن هذه عملية مارقة، حيث لم تكن هناك مثل هذه العملية المارقة في تاريخ المملكة).

ببساطة، المنطقة بأكملها تقع في قبضة دائرة قبلية ذاتية التدمير بشكل لا يصدق، جنون سياسي وطائفي، الفرس مقابل العرب، شيعة ضد سنة، الحكومة المصرية ضد ناشطي الديمقراطية، السعوديون مقابل القطريين، العلويون مقابل السنة، الإسلاميون ضد المسيحيين، الإسرائيليون مقابل الفلسطينين، الحوثيين اليمنيون مقابل السنة اليمنيون، الأتراك مقابل الأكراد، والقبائل الليبية مقابل نظيرتها..

الكثير من الكراهية، في العديد من الاتجاهات.

يقول "كريم سادجابور" الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة "كارنيغي": "يتحدث الناس كما لو كانت خيارات أمريكا في الشرق الأوسط بين حلفاء جيدين، مثل السعودية، وخصوم سيئين مثل إيران، لكن خياراتنا الفعلية هي بين حلفاء سيئين وخصوم سيئين".

لقد جادلت منذ ديسمبر/كانون الأول -مهدرا الجهد- أن "بن سلمان" يجب أن يكون منافسا للإيرانيين من خلال محاولة إخراج الإصلاح لهم، فعندما سمح "بن سلمان" للنساء السعوديات بحضور الفاعليات الرياضية، مع الرجال، لم يكن "آية الله" يسمح بذلك، وارتفع صوت النساء الإيرانيات بالشكوى بأن السعوديات أصبحن يتمتعن بأشياء لا يستطعن القيام بها.

آخر شيء كان يجب على السعوديين أن يحاولوا القيام به، هو التنافس مع إيران في إبراز القوة في المنطقة من خلال شبكات سرية.

فالإيرانيون لديهم 40 عاما من الخبرة في ممارسة الإكراه على الجيران، وقتل الأعداء من خلال وكلاء مثل "حزب الله"، لكن السعوديين على النقيض، لديهم خبرة 40 عاما في إصدار الشيكات؛ للحصول على تأييد الجيران والمعارضين، وكان هذا هو أقصى قدراتهم.

ما حدث تحت حكم "بن سلمان"، كان أنه يريد اللعب مثل الأولاد الكبار في الحي، أراد هو وبعض الشبان الصاخبين المليئين بالتستوستيرون من حوله، أن يظهروا قوة مثل إيران، ويخيفون رؤساء الوزراء مثل اللبنانيين، مثل الحرس الثوري، وأن يرسلوا فرقا للقضاء على المعارضين مثل الموساد الإسرائيلي.

لكن الأمر كان أبعد بكثير من قدرة سلاح الجو السعودي، والدبلوماسيين السعوديين، وأجهزة المخابرات السعودية، وانتهى الأمر كله إلى قتل خسيس، ودنيء، وغبي بشكل لا يصدق لـ"خاشقجي" داخل قنصلية السعودية بإسطنبول، مع إنكار غير قابل للتصديق من الجانب السعودي.

مهمة رئيس أمريكا هو أن يفهم أن جميع اللاعبين الرئيسيين في الخارج لديهم أجندات متعددة، بعض تلك الأجندات تصطف مع مصالحنا (هل نسينا ذلك؟ ساعدتنا إيران على إلحاق الهزيمة بطالبان بعد 11 سبتمر/أيلول)، لكن الكثير من تلك الأجندات متعارض.

نحتاج إلى استخلاص قدر الإمكان الأفضل، والحد من أسوأ اندفاعاتهم، والتخلص من النفط بأسرع ما يمكن لتقليل تعرضنا لمثل هذا الجنون.

المصدر | توماس فريدمان|نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة إيران السعودية توماس فريدمان جمال خاشقجي