«واشنطن بوست»: كيف ترسم الطائفية ملامح الحرب في اليمن؟

الخميس 16 أبريل 2015 11:04 ص

صعدت المملكة العربية السعودية ومصر من عملياتهما العسكرية في الحرب الأهلية الجارية في اليمن، وقد كان كلا البلدين في نفس الموقف في العقد السادس من القرن الماضي عام 1960، حيث تدخلا في الحرب بين شمال وجنوب اليمن، إلا أنهما قبل 50 عاما كانوا على طرفي نقيض من النزاع لكنهما الآن على نفس الجانب.

تختلف الأقاويل كثيرا عن السياسة الراهنة في الشرق الأوسط وكيف ينبغي لنا أن نفهم سياسة التحالف عموما، فيرى بعض المحللين أن العنف في اليمن ليس طائفيا وهذا صحيح إلى حد ما، لكن إذا نظرنا إلى واقع اليمن نجد أن المتمردين الحوثيين جماعة شيعية، ولكنهم  سبق وقاتلوا جنبا إلى جنب مع السنة ضد الحكومة الملكية، وينظر للأمر محليا على أنه في الأغلب تنافس سياسي على السلطة، لكن إذا وسعنا منظورنا ليشمل الشرق الأوسط لنرى كيف يمكن للحكومات الأجنبية الاصطفاف والتدخل فإنه من المستحيل أن نتجاهل عاملا مثل الانقسام الطائفي.

ففي حين أن الحكومات السنية مثل مصر والسعودية تدعم الرئيس «عبدربه منصور هادي» وهو سني، نجد أن الحكومات الشيعية مثل إيران والعراق إضافة إلى الجماعات غير الحكومية مثل حزب الله تدعم المتمردين الشيعة بشكل كبير.

إن الطبيعة الطائفية للتنافس اليوم في الشرق الأوسط تتناقض بشكل حاد مع آخر مرة تدخلت فيها مصر والسعودية في حرب أهلية يمنية، ففي الستينيات قاد الرئيس المصري «جمال عبد الناصر» حركة قومية عربية شاملة والتي هددت شرعية الأنظمة الملكية مثل المملكة العربية السعودية، وفى حين قامت مصر والعراق والجمهوريات العربية الأخرى بدعم شمال اليمن، ساعدت السعودية والممالك الأخرى بما في ذلك إيران (التي كانت ملكية في ذلك الوقت) الموالين للملك في جنوب اليمن، وفى ذاك اليوم كانت معركة اليمن جزءا من التنافس السياسي الكبير في الشرق الأوسط، لكن الآن تحول موضوع الخلاف من النظام الحكومي إلى الهوية الطائفية.

لماذا أصبحت الطائفية عاملا فعالا بشكل جعل لها ثقلا لم يكن موجودا من قبل؟ تمثل الحروب الأخيرة في العراق وسوريا جزءا من الجواب على هذا السؤال، فعلى سبيل المثال، فإن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، لم يقلب موازين القوى الداخلية بين السنة والشيعة في العراق فقط ولكنه أيضا أطلق العنان لأعمال التمرد التي عمقت الانقسام الطائفي في مختلف انحاء المنطقة، وقد عملت «الدولة الإسلامية» وشاركت في هذا الانقسام.

 وفى سوريا يحارب عدد كبير من الجماعات المتمردة الرئيس «بشار الأسد» للحصول على التمويل والدعم من الجهات الأجنبية المانحة بما في ذلك حزب الله، كما عمق العقد الماضي الانقسام الطائفي الذي كان فاعلا في التنافس بين ممثلين لنظامي حكم مختلفين قبل ذلك بكثير، ففي عقد 1960 وعقد 1970 أرادت الحكومة السعودية أن تستخدم عموم الإسلاميين لمواجهة عروبة «عبد الناصر»، وعندما زادت عائدات النفط بعد عام 1973 تدفقت أموال دول الخليج الملكية في المساجد والمنظمات مثل رابطة العالم الإسلامي وجاء تدفق أموال النفط في اللحظة الخاطئة المرتبطة بتسييس الإسلام، وفى وقت لاحق أعرب السعوديون عن أسفهم تجاه هذه الاستراتيجية بعد أن أخذت الثورة الإيرانية الوحدة الإسلامية في مكافحة الاتجاه الملكي من جديد، ومن المفارقات أن هذا التحول قد قاد السعوديين لتلميع أوراق الاعتماد الإسلامية الخاصة بهم، وبوضوح أكثر، حتى انتهوا إلى تلقيب ملكهم باسم «خادم الحرمين الشريفين»، قبل أن يحتدم التنافس بين إيران والسعودية ويرز الشقاق العميق بين السنة والشيعة.

إن العلاقة الكبيرة للطائفية الدينية تعلمنا طريقتان شائعتان للنظر في سياسات الشرق الأوسط، فمن ناحية يحتاج العديد من المحللين وصناعي القرار السياسي إلى التقليل من الأهمية التي ينسبونها إلى الدين، ويرى بعض المحللين أن الطائفية الراهنة تعكس «أحقاد قديمة» مما يعنى أنهم مستمرون وغير قابلين للتغيير. ومع ذلك يرفض معظم العلماء فكرة الأحقاد القديمة بحجة أن الطائفية هي عامل كامن من الممكن أن يصبح عاملا فاعلا سياسيا من قبل النخب أو الظروف، ويدل إعادة التنظيم السياسي الملحوظ داخل الأحزاب المتدخلة في اليمن مقارنة بالوضع منذ 50 عاما على أن الانقسامات الطائفية ليست السمة البارزة للسياسة، وفى الواقع فإن التغير الدرامي في المسارات يوضح المرونة السياسية للطائفية.

ومن ناحية أخرى ينبغي على علماء العلاقات الدولية أن يحسنوا من تقديرهم لأهمية الدين في التحالفات السياسية وأشياء أخرى كثيرة، كما تعلم جيل كامل من صانعي القرار السياسي والباحثين من كتاب «ستيفن والت» المحوري عن نشأة التحالفات، حيث زعم أن أشياء معينة تصنع الأهمية لتوازن التهديد، مثل الجغرافيا والقدرات الهجومية وتصورات التهديد، في حين أن الأسباب الأخرى مثل الأيديولوجية لا تأثير لها، ولم يتطرق هذا الكتاب لعامل الدين، وبالتأكيد فإن الدين فكري إن لم يكن عقائدي والذى من الممكن أن يوحى أن فهمنا للتحالفات يحتاج إلى إعادة النظر. وهذا لن يدهش المتخصصين في الدين والسياسة مثل «رون هاسنر» و«ستاسي غودارد» و«توماس هيجهامر» ولكن ربما يحتاج معظم العلماء إلى تحديث نموذجهم العقلي لتحسين التقارير بشأن العوامل الفكرية مثل الدين.

ولإيجاد أرضية مشتركة بين وجهتي النظر المتعلقتين بعلاقة الدين بالسياسة يلزمنا فهم كامل لأدق الفروقات، ففي الشرق الأوسط الحالي توثر الطائفية المتقدة على اكتساب التحالفات السياسية فيصير من السهل تكوينها بين الموالين لنفس الدين، ويساعدنا هذا على فهم موقف الدول ذات الغالبية السنية التي تصطف الآن ضد إيران والعراق وحزب الله بهدف الاستحواذ على اليمن. ورغم أهمية تلك النقطة إلا أن القضية تتعدى الخطاب الطائفي الظاهري إلى الاختلاف الأكبر المتجذر حول طبيعة نظام الحكم والذي عبر عنه أحد المعلقين بأنها معركة بين «الحكم الإسلامي الملكي والحكم الإسلامي الجمهوري»، فتجد بعض الجمهوريات السنية مثل باكستان تقاوم محاولات السعودية لاستخدام الطائفية كأساس لصنع التحالفات الإقليمية.

وهكذا فإن واضعي السياسات الأمريكية أمام رؤيتين متباينتين لتفسير عدم الاستقرار الحالي في اليمن. الأولى هي أنه لا يتعدى كونه ظهور مفاجئ وعنيف للكراهية الطائفية الكامنة، لكن الرؤية الأفضل هي فهم الطائفية على أنها أداة في صراع طويل الأمد في منافسة إقليمية بين متنافسين يمثل كل منهما نظاما مختلفا للحكم، وهذا الفهم من شأنه أن يشكل ردود الفعل الأجنبية للأحداث الإقليمية، وقد تدعو الحاجة إلى تدخل عسكري من الولايات المتحدة في حوادث منفردة تهدد أمنها، ولكن الموقف يحتاج إلى منهجية مختلفة في التعامل على المدى الطويل، فحل مشكلة التنافس على طبيعة نظام الحكم لن يقوم به إلا الأطراف المحليون، ولن يزيد التدخل الغير مدروس من جانب الولايات المتحدة الأمر إلا سوءًا.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران اليمن الحوثيين الصراع السني الشيعي

اللعبة الطائفية في اليمن

الطائفية والانفصالية والقاعدة والفقر.. مخاطر تؤرق اليمن

اللعبة الإيرانية في اليمن

السعودية تحارب الطائفية لكنها قد تحتاج مدة حياة «جيل كامل» لإحداث التغيير!

السعودية وإيران و«اللعبة الكبرى» في اليمن

اللعبة الإقليمية الكبيرة الجديدة: السعودية وإيران

«واشنطن بوست»: الكويت يهددها الاستبداد والسلطوية .. ولا خوف من التوترات الطائفية

هل تشتبك السعودية وإيران في لبنان؟

كيف تؤثر اتفاقية الإطار النووي الإيرانية على التوترات بين السنة والشيعة في منطقة الخليج؟

حرب الشرق الأوسط ليست طائفية

الأزمة اليمنية وانتقام التاريخ

الأمة قادرة على دحر المشروع المذهبي

مواجهة الخطاب المذهبي

«فورين بوليسي»: من مصلحة حكومات الخليج معالجة الكراهية والتحريض الديني داخل مجتمعاتهم

لماذا انفجرت الطائفية؟

الطـائفيـة والإرهــاب ... «داعـش» و «حـزب الله»