دعوة السعودية لإيران: مؤشر ضعف أم دليل قوة؟

الاثنين 14 يوليو 2014 03:07 ص

 منصور المرزوقي البقمي، مركز الجزيرة للدراسات، 11/7/2014

ملخص

اختارت المملكة العربية السعودية منصة منتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان -التي تستضيفها-  للكشف عن الدعوة التي وجهتها إلى وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف لزيارة الرياض. إنَّ اختيار السعودية هذا المنبر للإعلان عن دعوة المسؤول الإيراني يعطي الحدث قيمة رمزية.

يناقش الباحث في هذا التقرير سياق هذا التغير المفاجئ في الموقف السعودي، من خلال سعيه الكشف عن دلالات هذا التحول المفاجئ في الموقف السعودي من عدم الترحيب سابقًا بأي مسؤول إيراني -بالرغم من سعي طهران الحثيث لذلك- إلى الترحيب بزيارة ظريف للرياض؟

كما يبحث في التحول الاستراتيجي "الثاني" الذي يمس الجيوبوليتيك الخاص بالمملكة العربية السعودية، بافتراض أن التحول "الأوَّل" تمثل في الصفقة التي عقدتها السعودية مع الولايات المتحدة الأميركية في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود في عام 1945، والمعروفة بـ"الأمن مقابل النفط".

ثلاثة عناصر تشكِّل سياق الإعلان عن دعوة وزير الخارجية الإيراني لزيارة الرياض، الأوَّل: إجراء أكبر مناورات عسكرية سعودية في إبريل/نيسان 2014، والثاني: تأمين المصالح السعودية في مصر، والثالث: الاستفادة من تداعيات الأزمة الأوكرانية.

ويخلص الباحث إلى أنه قد يُفهم تجاهل السعودية الرغبة الإيرانية المتكررة من قِبل الرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف - اللذان عبّرا بشكل رسمي عن رغبة طهران في الالتقاء بمسؤولين سعوديين - على أنه تعبير عن عدم استقرار ما يمكن الاصطلاح عليه بـ "الجبهة المناهضة لإيران"، والمكوَّنة من الإمارات والأردن ومصر والمغرب. وعليه، فقد يؤدِّي نجاح المملكة العربية السعودية في تعزيز مكانتها الإقليمية إلى جعل التوقيت مؤاتيًا لجلوسها على طاولة المفاوضات مع منافسها الرئيس في المنطقة "إيران".

مقدمة

في حين أن إيران حاولت على نطاق واسع الاجتماع مع مسؤولين من السعودية، من خلال وساطة بعض دول خليجية كسلطنة عُمان والكويت، أو بعض دول عربية كالجزائر، أو دول إقليمية كباكستان، لكن السعودية لم تكن حريصة على استقبال أي مسؤول إيراني رفيع المستوى، سواء كان الرئيس حسن روحاني أو وزير خارجيته محمد جواد ظريف، على الرغم من تعبير هذين الأخيرين عن رغبتهما في زيارة الرياض مرارًا وتكرارًا.

رغم ذلك، في 13 مايو/أيار 2014، كشف وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، عن دعوة سابقة لوزير الخارجية الإيراني لزيارة الرياض. اختارت السعودية منصة منتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان، للكشف عن هذه الدعوة. إنَّ اختيار السعودية التي تستضيف الدورة الأولى للمنتدى لهذا المنبر، يعطي الإعلان عن الدعوة قيمة رمزية.

فلإيران نافذتان أساسيتان على العالم؛ الأولى هي نافذة "اقتصادية" وتتمثل بالنفط والغاز؛ لكن بحكم العقوبات المفروضة عليها من جهة، والتخلف التقني الذي تعانيه من جهة أخرى، لم تستطع إيران استغلال كامل قدراتها في سوق الطاقة. أمَّا نافذة إيران الأخرى على العالم فهي "سياسية"، وتتمثل بعلاقاتها المميزة مع بعض دول أو شعوب المنطقة؛ فمن خلال استثمار رأس مالها الدبلوماسي في دول مثل العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، استطاعت إيران ضمان مقعد على طاولة التأثير الإقليمي والدولي.

لا تستطيع إيران التوسع إلا غربًا (في اتجاه العالم العربي)، وليس شرقًا أو جنوبًا أو شمالاً؛ وذلك لثلاثة أسباب؛ أولًا: لأنها محاطة بدول قوية عسكريًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، ومستقرة داخليًّا، هي الصين والهند وروسيا. وثانيًا: لأن عناصر قوة إيران تتمثل في التمدد وفقًا لعقيدتها، وبحكم الاختلاف الثقافي الكبير بينها وبين تلك الدول، فإنها لا تمتلك القدرة على الحركة؛ إذ لا معنى لمفهوم "المظلوميَّة" التي تروِّج له إيران في كل من الصين البوذية أو الهند ذات الأغلبية الهندوسية أو روسيا ذات الإرث الشيوعي. وثالثًا: يأتي ضعف وتشظي العالم العربي بحكم الغزو الخارجي والتنافس الإقليمي وفشل الأنظمة الحاكمة في بناء دولة المواطنة؛ ليتيح ذلك المجال أمام إيران فرصة للتمدد. وفي المحصلة، بَنَتْ إيران خلال العقود القليلة الماضية نفوذًا بارزًا في بعض دول العالم العربي.

إن تحرك العالم العربي -وعلى رأسه السعودية في اتجاه وسط آسيا، الحديقة الخلفية لإيران- كان بمثابة القيمة الرمزية للإعلان عن الدعوة السعودية التي وُجِّهت لإيران.

لكن، ماذا يعني هذا التحول المفاجئ في موقف السعودية من عدم الترحيب سابقًا بأي مسؤول إيراني -بالرغم من سعي طهران الحثيث لذلك- إلى الترحيب بزيارة ظريف للرياض؟

سيناقش الباحث في هذا التقرير سياق هذا التغيير المفاجئ، وسيبحث في التحول الاستراتيجي "الثاني" الذي يمس الجيوبوليتيك السعودي، بافتراض أن التحول "الأوَّل" تمثل في الصفقة التي عقدتها السعودية مع الولايات المتحدة في عام 1945، والمعروفة بـ"الأمن مقابل النفط".

ثلاثة عناصر تشكِّل سياق هذا الإعلان، الأوَّل: إجراء أكبر مناورات عسكرية سعودية في إبريل/نيسان 2014، والثاني: تأمين المصالح السعودية في مصر، والثالث: الاستفادة من تداعيات الأزمة الأوكرانية.

المناورات العسكرية السعودية

في شهر إبريل/نيسان 2014، أجرت السعودية أكبر مناورة عسكرية في تاريخها. فقد قامت بتحريك أكثر من 130 ألف جندي في ثلاث مناطق مختلفة التضاريس والبيئة القتالية؛ هي المناطق الشرقية والشمالية والجنوبية، وتمت إدارة العمليات القتالية من قِبل مركز عمليات موحَّد في الرياض، وكان التمرين بمشاركة من قوات الحرس الوطني، وكذلك قوات وزارة الداخلية.

إضافة إلى وضع القوات السعودية في أجواء الحرب، فقد حملت هذه المناورات إشارات مهمَّة؛ حيث استعرضت السعودية -ولأول مرة في تاريخها- الصواريخ البالستية CSS-2 صينيَّة الصنع. هذه الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية، هي السلاح الرئيس للفرع الخامس للقوات المسلحة السعودية "قوة الصواريخ الاستراتيجية" الملكيَّة السعودية.

لقد عملت السعودية على تطوير هذه القوة وبناء عدة قواعد للصواريخ الاستراتيجية في الشمال والغرب والشرق؛ خصوصًا بعد عام 2009. حيث أعلنت السعودية في ذلك العام أنها قد تتبنى خيار تطوير سلاح نووي، فبدأت بتهيئة البنية التحتية لبرنامج نووي، بما في ذلك تطوير قوة الصواريخ الاستراتيجية. واستعراض هذا السلاح تم مؤخرًا أمام صف مميز من الضيوف، تضمَّن رئيس جيش قوة نووية وحليفًا مقرَّبًا من السعودية "باكستان"؛ علمًا أن السعوديين هم من قاموا بتمويل البرنامج النووي الباكستاني، وكانوا أوَّل من زار منشآتها في أواخر تسعينات القرن الماضي.

المناورات العسكرية التي استمرت لأقل من شهر بعد زيارة الرئيس الأميركي أوباما إلى السعودية في شهر مارس/آذار 2014، تؤكد -من خلال استعراض الأسلحة الاستراتيجية- أن السعودية تعمل على أن تصبح هي خط الدفاع الأول عن أمنها، وليس الولايات المتحدة، كما كان الحال خلال العقود الست الماضية.

تقليديًّا، كانت الولايات المتحدة هي خط الدفاع الأول عن أمن السعودية، ولكن ذلك في طريقه للتغيير، ويستتبع ذلك أن تكون السعودية أقل ارتباطًا بالنفوذ والسياسات الأميركية؛ وما ظهور خلاف الدولتين "السعودية والولايات المتحدة" للعلن، وتعارض سياسات البلدين في كلٍّ من البحرين ومصر، إلا مؤشر قوي على تراجع قدرة الولايات المتحدة في التأثير على حليفتها "السعودية"، وهذا يوفِّر للسعودية بيئة تفضي إلى استقلال كبير نسبيًّا، عن حليفها الغربي، ومع ذلك فإنَّ حدود هذا الاستقلال -وكذلك إلى أي مدى يمكن أن يذهب- لا تزال غير واضحة.

لقد تبنت السعودية سياسات بشكل مستقل عن الولايات المتحدة؛ خصوصًا بعد الإطاحة بالرئيس المصري محمد حسني مبارك. فباتت السعودية تشك في قدرتها على الاعتماد على الولايات المتحدة؛ لذلك فقد تصرفت السعودية باعتبارها خط الدفاع الأول عن أمنها، وعملت بشكل مكثف مع حلفائها في مصر لتأمين مكانتها كقوَّة إقليمية.

الاستقرار في مصر

في تناقض مباشر مع السياسات الأميركية في مصر، دعمت السعودية وبشدة الإطاحة بالرئيس المدعوم من قِبل جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي. وفي الإطار نفسه -وكرسالة رمزية للولايات المتحدة الأميركية- شجعت السعودية مصر على تعزيز علاقاتها مع روسيا؛ وهذا -على الأرجح- كان يهدف إلى الضغط على الولايات المتحدة من أجل تغيير موقفها من الترتيبات الجديدة في مصر، ويبدو أن هذا الجهد قد آتى أُكُله.

هاتان الخطوتان، الإطاحة بمرسي وتعزيز العلاقات المصرية-الروسية، تعكسان المساحة المتزايدة لاستقلال السياسة الخارجية السعودية، وإضافة إلى ذلك؛ فإنَّ نجاح السعودية في مساعيها لإحداث التغيير في القيادة السياسة في مصر، عزَّز من مكانتها كقوة إقليمية.

الأزمة الأوكرانية

لقد كشفت الأزمة المستمرة في شرق أوكرانيا النقاب عن نقطتين على قدر عالٍ من الأهمية؛ تكمن الأولى في عدم مقدرة القوى الإقليمية في المنطقة -"إيران والسعودية" بشكل خاص- على الوثوق في الضمانات الغربية على توفير مظلة أمنية يمكن الاعتماد عليها؛ وهذا يعني أن ينصبَّ اهتمام تلك القوى على تطوير قدراتها الذاتية للدفاع عن نفسها.

لقد قدَّمت الولايات المتحدة وروسيا -ومن ورائهما المجتمع الدولي- ضمانات لأوكرانيا بحماية أمنها، في مقابل أن تسلِّم الأخيرة ترسانتها النووية، وقد كان هذا في 1997، وأعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأكيد التزام بلاده بأمن أوكرانيا في عام 2009؛ لكن الأحداث الجارية في شرق أوكرانيا، لاسيما ضم إقليم القرم إلى روسيا، تؤكد جميعها فشل المجتمع الدولي في تنفيذ وعوده بحماية أمن هذا البلد الذي سلَّم سلاحه النووي كثمنٍ للحماية، وقد تعلَّم السعوديون والإيرانيون درسًا من الأزمة الأوكرانية مفاده: "لا بديل عن القدرة الذاتية لحماية الأمن القومي".

أما النقطة الثانية، فقد كشفت هذه الأزمة عن قدرة الروس على استغلال تراجع النفوذ الأميركي، والذي جاء كمحصلة للاستراتيجية الأميركية الجديدة، التي يمكن أن ندعوها بـ"اقتسام المغنم والمغرم"؛ حيث نجح الرئيس الروسي بوتين في أن يضع ضغوطًا متزايدة على الدول الغربية التي لديها عدد محدود من الخيارات؛ نظرًا إلى اعتمادها الكبير على مصادر الطاقة الروسية "النفط والغاز".

ومع ذلك، فإن الأزمة الأوكرانية قد أفادت اثنتين من القوى الإقليمية بشكل خاص "تركيا والسعودية"؛ حيث ارتفعت القيمة الاستراتيجية لهذين البلدين بشكل عالٍ جدًّا؛ تركيا هي بوَّابة روسيا إلى البحر الأبيض المتوسط، وأيّ جهد غربي لاحتواء روسيا يجب أن يتضمن التعاون مع الأتراك؛ أما بالنسبة إلى السعودية، فيتعيَّن على الغرب الاستعانة بالوزن الهائل الذي تتمتع به في سوق الطاقة العالمية؛ بهدف الحد من استخدام روسيا لورقة الطاقة لتضغط بها على الغرب. إضافة إلى ذلك، يتعين على الغرب أن يحدّ من النفوذ الروسي في الشرق الأوسط؛ خشية أن يتم استخدام ذلك كورقة ضغط ضده في الأزمة الأوكرانية. والسعودية قد تكون مفيدة جدًّا في هذا الصدد؛ ولكن تعاون السعودية -التي باتت تتمتع باستقلال نسبي- مع الغرب لن يكون بلا ثمن، فهي تسعى -دون أدنى شك- لإشراكها في المفاوضات الحاصلة بين الدول الكبرى وإيران.

منذ فترة ليست بالقصيرة، دأبت السعودية على دعوة الغرب لإشراكها في المفاوضات مع إيران، ولكن دون جدوى؛ ولكن يبدو جليًّا الآن أنه في مصلحة الغرب إشراك السعودية في أي اتفاق مع إيران. هذا -جنبًا إلى جنب- مع نجاح مساعيها في إحداث التغيير في مصر، الذي مكّن نفوذها الإقليمي وأعطاها ميزة على منافسها الرئيسي "إيران".

تحول الجيوبوليتيك السعودي

يمكن فهم الدعوة السعودية لإيران من خلال التحول في الجيوبوليتيك السعودي. ففي معرض إعلانه عن الدعوة لنظيره الإيراني، قال الأمير سعود الفيصل: "إن الأزمات في المنطقة أعطت القوى العظمى فرصة للتدخل في شؤوننا […]، إيران دولة جارة، ونأمل في إنهاء أي نزاع معها". وبعبارة أخرى، ترغب السعودية في التعاون مع إيران؛ من أجل حل الأزمات الإقليمية، بعيدًا عن أي تدخل من طرف "القوى العظمى".

في الواقع، تضمَّن تقدُّم السعودية إلى خط الدفاع الأول عن أمنها، تحقيق مكاسب عديدة، ليس أقلها أن تتمتع باستقلال نسبي عن حلفائها من "الدول العظمى"، وبذلك تصبح أقل ارتباطًا على المستوى الاستراتيجي بتحالفاتها مع الغرب.

غير أنَّ التحالفات بين السعودية والغرب لا تزال في حقيقة الأمر حيويَّة وقائمة، إلا أن هذا الإعلان عن الدعوة السابقة يمثل نهاية معطيات صفقة "النفط مقابل الأمن مع الولايات المتحدة" التي أبرمها الملك عبد العزيز آل سعود مع الولايات المتحدة في عام 1945؛ وبذلك ينتقل التحالف إلى مستوى آخر يتضمن عمليات تعاون قصيرة المدى مبنيَّة على تبادل آنيّ للمنافع.

وعلى عكس ما تذهب إليه معظم التحليلات، فإنَّ الاتفاق المؤقت بين إيران والغرب ليس ثابتًا ولا مستقرًّا. وقد تطول المرحلة الانتقالية لعدة سنوات، حيث لم ينبنِ التقارب بين الطرفين على اكتشاف الغرب لأهمية وقدرات إيران؛ بل على حاجة هذه الأخيرة لإيجاد مخرج لأزمة اقتصادها المتفاقمة؛ فأساس التقارب إذن هو تنازل الإيرانيين، مما يعكس ضعف موقفهم.

فإذا كان التقارب مبنيًّا على رغبة الإيرانيين في تحسين اقتصادها الداخلي، فإنَّ تعاونها مع جيرانها العرب يصبح إحدى الطرق لتحقيق ذلك. فالاتفاق مع الغرب لا يعوض هذا التعاون؛ مما يعني أن دول الخليج العربية تمتلك القدرة على التأثير في الاقتصاد الإيراني. وتشكِّل الدعوة السعودية لوزير خارجية إيران مؤشرًا على رغبة السعودية في استخدام أوراق ضغطها على إيران، كقدرتها على التأثير في سوق الطاقة العالمي أو في أُطر التبادل التجاري الخليجي-الإيراني، أو نجاحها في تعزيز جبهة مناهضة لإيران تم تتويجها بوصول المشير عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر، في إطار تفاوضي مباشر منفصل عن تفاوض الغرب معها؛ ولذلك فإن هذا الانفتاح على إيران يمكن فهمه في إطار تحول تحالف السعودية مع الغرب، وبالأخص مع الولايات المتحدة، وانتقال هذا التحالف إلى مستوى آخر.

 دول الخليج العربية وإيران

لا يمكن النظر في علاقات دول الخليج العربي الست مع إيران من منظور الاتفاق المؤقت بين الدول الغربية وإيران فقط، أو من منظور منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ككتلة واحدة من جهة، وإيران من جهة أخرى. وإنما لابدَّ من تناول تلك العلاقات من منظور ثنائي-تاريخي.

فهنالك علاقات إيرانية-عُمانية سابقة للاتفاق، وتحمل بُعدًا استراتيجيًّا واقتصاديًّا مهمًّا، ليس أقله توقيع البلدين اتفاقية مبدئية لمد أنابيب تصدير الغاز من جنوب إيران إلى صحار في شمال عُمان.

وفيما يتعلق بقطر، يأتي ما يُسمى "باعتدال" موقف الدوحة من إيران في إطار رغبة دولة قطر في موازنة علاقاتها مع جارتها الكبرى "السعودية". أضف إلى ذلك أنَّ قطر وإيران تشتركان في حقل غاز الشمال في الخليج العربي، وهذا يحتِّم ارتباط مصالحهما، ولو بشكل جزئي. وتعاون قطر وإيران يمتد إلى منتدى الدول المنتجة للغاز، الذي بدأ في عام 2001، وهذا يسبق الاتفاق الإيراني مع الغرب.

وفيما يخص الإمارات العربية المتحدة، فإنَّ علاقاتها بإيران مرتبطة بملفين رئيسين؛ هما: الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران منذ العام 1971، والعلاقات السعودية-الإماراتية. وهذان الموضوعان سابقان للاتفاق الغربي الإيراني. وبذلك، فإن مصالح الإمارات استراتيجيًّا مرتبطة مع السعودية، لا مع إيران. وهذا هو السبب الرئيس -حسبما نرى- وراء إنشاء لجنة عليا مشتركة بين أبو ظبي والرياض للإشراف على تنفيذ الاستراتيجية السعودية-الإماراتية لمواجهة التحديات في المنطقة؛ ولذلك فإنه لا مجال للحديث عن تقارب إماراتي-إيراني خارج إطار العلاقات السعودية-الإماراتية.

أما الكويت فكانت سياستها -ولا تزال- هي تجنُّب الاصطدام مع النظام في طهران، وكذلك مع جارتها الكبرى "السعودية". وعليه، لا يمكن أخذ زيارة أمير الكويت لإيران في مطلع شهر يونيو/حزيران، في غير إطارها المعلن عنه "سعي الرئيس حسن روحاني الحثيث للانفتاح على جيرانه العرب". فلا يوجد تنافس بين البلدين على مستوى المصالح الاستراتيجية، ولا يوجد نزاع يُذكر بينهما. وبناء على ذلك، يمكن تناول العلاقات الكويتية-الإيرانية من خلال منظور نأي الكويت بنفسها عن التنافس الإقليمي من جهة، وسعي الرئيس روحاني في تحسين علاقات بلاده مع الجارة "الكويت".

وفي المحصلة، لا يوجد مبررات كافية للحديث عن "انفتاح خليجي" على إيران؛ بل هنالك منظور ثنائي-تاريخي له أسباب كثيرة وأهداف متعددة، يمكن من خلاله فهم الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الخليجيين ونظرائهم الإيرانيين.

خاتمة

يمكن أن يُفهم تجاهل السعودية للتصريحات الإيرانية المتكررة من قِبل الرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف -اللذان عبّرا بشكل رسمي عن رغبة طهران في الالتقاء بمسؤولين سعوديين- على أنه تعبير عن عدم استقرار ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح "الجبهة المناهضة لإيران"، والمكوَّنة من الإمارات والأردن ومصر والمغرب. وعليه، فقد يؤدِّي نجاح السعودية في تعزيز مكانتها الإقليمية إلى جعل التوقيت مؤاتيًا لجلوسها على طاولة المفاوضات مع منافسها الرئيس في المنطقة "إيران".

يبدو أن السعودية قد بدأت باستعادة قوتها مؤخرًا من كونها تسعى لأن تكون -هي نفسها- خط الدفاع الأول عن أمنها؛ مما يمنحها قدرة أكبر على استقلال سياستها الخارجية.

ومع ذلك، وبينما التقارب بين الرياض وطهران سيكون له تأثير كبير على منطقة الشرق الأوسط برمتها، ويبدو أنَّ أفق المصالحة غير واضح المعالم بعدُ.

  كلمات مفتاحية