كيف يمكن للعرب وإيران فهم عقيدة الرئيس الأمريكي في التعامل مع الشرق الأوسط؟

الأحد 26 أبريل 2015 06:04 ص

ثمة حاجةٌ ماسة، على مدى الأسابيع القادمة، لفهم طريقة تفكير الرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، خاصةً فيما يتعلق برؤيته لمحددات وثوابت علاقة الولايات المتحدة مع كلٍ من إيران والعرب.

لاتهدف مثل هذه العملية الحساسة لـ«التأقلم» مع ما يريده الرجل، كما يعتقد البعض بسطحيةٍ تتلبس مسوح الواقعية. على العكس من ذلك، تبدو المرحلة الحالية بامتياز، أمريكيا ودوليا وإقليميا، المرحلة التي يمكن فيها للعرب التعامل بدرجةٍ من الندية مع أمريكا لم تحدث من قبل.

هناك شيءٌ يتبلور يمكن تسميته «عقيدة أوباما»، بمعنى الرؤية الاستراتيجية التي تحكم طريقة صناعة السياسة لديه وفي أوساط إدارته، وفهمُ هذه العقيدة بشمولٍ ودقة هو الذي سيمُكِّنُ العرب من التعامل معها ومع صاحبها بما يحقق مصالحهم.

شاعت الانتقائية في التعامل مع لقاء «أوباما» الشهير مع «توماس فريدمان»، وهو يُعتبر بحق مادةً ثريةً تحتاج إلى الكثير من التحليل في هذا المجال. ولتجنب التشويه وتلك الانتقائية ننقل فيما يلي ترجمةً حرفية لإجابةٍ على سؤال يتعلق بإيران تحديداً، يجب الاطلاع عليه كاملاً لمن يحاول الفهم. حيث قال «أوباما»:

«إيران لاتحتاج إلى قدرات نووية لتُصبح قوة كبرى في المنطقة.. وأقول للشعب الإيراني: إيران لاتحتاج إلى أن تكون ضد السامية أو ضد إسرائيل أو ضد السنة لتصبح قوةً مُعتبرة. إيران لديها المقومات والكمون لو أنها كانت لاعباً دولياً مسؤولاً، ولو أنها لم تدخل في حالة من الخطاب العدائي ضد جيرانها، ولو أنها لم تعبر عن معانٍ معادية للسامية واليهودية، ولو أنها حافظت على قوةٍ عسكرية لتحمي نفسها، لا لتدخل في حروب بالوكالة في المنطقة. فقط بمقاييس بحجمها ومصادرها وشعبها، ستكون قوة إقليمية كبيرة جداً. وأملي هو أن يدرك الشعب الإيراني هذه الحقائق».

وأضاف قائلًا: «من الواضح أن جزءاً من السيكولوجية السائدة في إيران متجذرٌ في التجارب الماضية. في الشعور بأن بلدهم كان يُنظر إليه دونياً، وأن الولايات المتحدة والغرب تورطوا، أولاً في ديمقراطيتهم [في إشارة لتجربة مصدق]، ثم في دعم الشاه، ثم في دعم العراق وصدام خلال تلك الحرب الوحشية. وهكذا، تحاورت مع فريقي بأن علينا أن نفرق بين إيران الهجومية بمنطلقات أيديولوجية، وبين إيران الدفاعية التي تشعر بدرجة من الضعف والامتهان، وهم يتصرفون بهذه الطريقة لأنهم يحسبون أنها الوحيدة التي يمكن معها تجنب تكرار ماحدث في الماضي».

ثم استطرد بقوله:«إذا استطعنا المضي قدماً في هذا الاتفاق، وأريد التأكيد هنا بأننا لم ننتهِ من الموضوع، فهناك الكثير من التفاصيل، والكثير من التراجعات، والكثير من المنزلقات والصعوبات السياسية في إيران وهنا في أمريكا. ولكن، إذا تمكنا من الاتفاق، فإن مايمكن أن يحدث، وأنا لا أعتمد على ذلك، هو أن هناك قوىً في إيران ستقول: إننا لانحتاج لأن نرى أنفسنا كلياً من خلال منظور آلتنا الحربية. فلنتقدم في حقول العلوم والتكنولوجيا وخلق فرص العمل وتنمية أبناء شعبنا. وفي حال الاتفاق فإن من يفكر بهذه الطريقة سيصبحون أكثر قوة. لكنني أقول هذا مع التأكيد بأن الاتفاق الذي نعمل عليه ليس قائماً على فكرة تغيير النظام. إنه اتفاقٌ جيد حتى لو لم تتغير إيران أبداً. حتى لو كنتَ مقتنعاً، مثل نتنياهو مثلاً، بأنه لا فرق بين هذا الفريق أو ذاك.. نحن أقوياء بشكلٍ كافٍ بحيث يمكننا الحكم على مثل هذه القضايا والتصرف حيالها دون أن نصل إلى مرحلة المخاطرة.. وحين نرى أنها لا تقود إلى مُخرجات أفضل فإن بإمكاننا على الدوام تعديل سياساتنا.. من يعلم، فقد تتغير إيران. ولكن إن لم يحصل هذا فقوتنا وإمكاناتنا العسكرية باقية ومعروفة».

يمكن أن نمارس هجاء السياسة الأمريكية إلى يوم الدين، لكن هذا لن ينفع في تغيير التوصيف (الطبيعي) الذي يراه «أوباما» لموقع إيران في المنطقة، ولمحددات السياسة المطلوبة منها لـ (يُفسحَ) لها المجال بحيث تحتله، وهي محدداتٌ واضحةٌ ومُفصَّلة. وفي الحقيقة، يمارس الرجل السياسة بطريقةٍ شمولية تتجاوز النظرات الجزئية السائدة أحياناً في المنطقة.

يستعمل «أوباما» كل الأوراق الموجودة بيده سوياً، دون أن يعتمد على واحدةٍ أو اثنتين منها فقط. يُغري الشعب بمنافع (التغيير) في عقلية السلطة وفكرها السياسي، لكنه يُطمئن هذه الأخيرة بأنه لايهدف لإسقاطها. يؤكد على (السياسة) ومكتسباتها ويُشير إلى (السلاح) وإمكاناته. يحاول ضبط الحاضر بإكراهاته العاجلة وعينهُ على المستقبل بكمون التغيير الوارد فيه.

كأن الرئيس الأمريكي يقول للإيرانيين شعباً وحكومة: «أنا فهمتكم». هذه مقولةٌ باتت مشهورةً في تاريخ العرب المعاصر، لكن الفارق الكبير يكمنُ فيمن يقولها.«أعرف حجمكم ووزنكم في المنطقة. أعرف تاريخنا معكم. تصرفوا بعقلٍ ولا داعي لخطابٍ متهور يؤثر سلبياً على وزنكم وعلى طريقة تعاملنا معكم».

هو نوعٌ من «توازن الرعب» ممزوجٌ بمحاولةٍ لـ (العَقلنة) يطرحهُ رئيس القوة الكبرى في العالم، خياراً مُختلفاً، على قوةٍ إقليمية تبدو (مُستعجلةً) لتحقيق طموحاتها السياسية المخلوطة بالأيديولوجيا. وقد تثبتُ الأيام أن إيران التي ينصحُ الرجلُ الإيرانيينَ بملامحها قد تكون أخطرَ، استراتيجياً، من إيران الحالية.

لكن مايهم العرب في الموضوع يتمثل في الثوابت التي ينطلق منها أوباما في رؤيته لإيران والإيرانيين وتعامله معهما.

في مقابلة الرئيس الأمريكي مع «توماس فريدمان»، المخصصة لإيصال رسائل خاصة للعرب والإيرانيين، قد تكون واقعية الرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، ومعها صراحتهُ خيراً على حاضر العرب ومستقبلهم، إذا عرف هؤلاء كيف يتعاملون مع تلك الحقيقة. وأكدنا أننا اليوم بإزاء رئيسٍ أمريكي يواجهنا كعرب، ربما لأول مرة، بحقيقة أفكاره تجاه المنطقة وأهلها.

والواضح أن كلام «أوباما» في المقابلة يؤكد هذا التوصيف إلى درجةٍ كبيرة. فحين يتحدث الرجل عن العرب، نَجدهُ يوجه حديثه لدول الخليج في لفتةٍ ذات دلالة.. وبعيداً عن منطق الحديث والذم، يبدو أن جزءاً من واقعية الرئيس الأمريكي في رؤيته للمنطقة تتمثل في أن هذه الدول هي التي بقيت، بشكلٍ أو بآخر، أبعد الدول العربية عن الفوضى التي عمَّت وتَعُمﱡ المنطقة. فالدول العربية الكبرى الأخرى، من العراق إلى مصر، مروراً بسوريا، غارقةٌ، كلٌ بطريقتها في مشاكل قزمت دورها الإقليمي. أما دول المغرب العربي الأكبر فتبدو في حالة ترقبٍ وانتظار، وهي أقرب لدور المُتابِع والمُشاهد، إرادياً، منها لدور الفاعل المؤثر.

من هنا، تُفهم الرمزية في أن يخص «أوباما» دول الخليج تحديداً في كلامه عن العرب. ونجدهُ يقولُ مايلي:

«الحوار الذي أريد القيام به مع الدول الخليجية يتضمن، أولاً وقبل كل شيء، الإجابة على سؤال كيف يمكن لهم بناء قدراتٍ دفاعية أفضل؟ أعتقد، عندما تنظر إلى ما يجري في سوريا، على سبيل المثال، كانت هناك دائماً رغبةٌ قوية في أن تقوم الولايات المتحدة بالدخول إلى هناك والقيام بشىءٍ ما. لكن السؤال هنا: ماذا يعني ألا نستطيع رؤية العرب يقاتلون ضد انتهاكات حقوق الإنسان الفظيعة التي تم ارتكابها؟ أو يقاتلون ضد مافعله الأسد؟ يمكنني أيضاً أن أرسل لهم رسالةً تتعلق بالتزام الولايات المتحدة بالعمل معهم والوصول إلى درجة اليقين بعدم إمكانية غزوهم من الخارج. وربما سيخفف هذا شيئاً من قلقهم ويسمح لهم بحوارٍ أكثر فاعليةً مع الإيرانيين».

ويضيف:«ما لا أستطيع أن أفعله، رغم هذا، هو الالتزام بالتعامل مع بعض القضايا الداخلية الموجودة لديهم، بدون أن يقوموا هم ببعض التغييرات التي تكون أكثر انسجاماً مع طلبات ورغبات شعوبهم. إحدى الطرق للتفكير في هذا تتمثل في أنه عندما يتعلق الأمر بالعدوان الخارجي، أعتقد أننا سنكون متواجدين لمساعدة أصدقائنا العرب، وأنا أرغب في رؤية كيفية الوصول لهذا التعاون بشكل رسميٍ أكثر مما هو الوضع عليه الآن. ويمكن أيضاً المساعدة في بناء إمكاناتهم بحيث يكونون أكثر ثقة بقدرتهم على حماية أنفسهم من العدوان الخارجي. لكن أكبر التهديدات التي يواجهونها قد لاتكون تلك الناتجة عن غزوٍ إيراني. وإنما سيكون ذلك التهديد ناتجاً عن الاستياء وعدم الرضا داخل بلادهم. ولكن، كيف يمكن فك الاشتباك بين هذا الأمر وبين تهديد النشاطات الإرهابية داخل بلدانهم؟ وكيف يكون لنا دورٌ في التعاون على مواجهة الإرهاب، وهو أمرٌ هام لأمننا، دون أن نُعطي المشروعية الأوتوماتيكية لأي ممارسات تعسفية قد يقومون بها؟ أعتقد أن هذا الحوارَ صعب، لكنه حوارٌ يجب أن يحصل».

نلحظ بوضوح في الكلام المترجم بدقة انتقال «أوباما» في الحديث عن (العرب) وعن (دول الخليج) بطريقة توحي بأنه يعتبر هذه الدول ممثلةً، في الواقع الحالي، للعرب بأسرهم بدرجةٍ معينة. وهو من البداية إلى النهاية يؤكد، بأكثر من طريقة، أن أي (غزوٍ خارجي) لتلك الدول هو خطٌ أحمر. وإذ يعرفُ الجميع أن هذا لايأتي كما يقول المثل لـ (سواد عيون أهلها)، وإنما انطلاقاً من المصالح المشتركة، فإن مدخل المصالح ذاته يجب أن يكون بوابة الخليجيين، ومعهم العرب، للتأكيد والتذكير، بأن مصالحهم لاتتحقق بمجرد حفظ حدودهم من العدوان الخارجي، وأن من السذاجة أو الاستغباء الإيحاء بأن هذا الأمر وحده يحمي بلادهم في غياب توازنٍ إقليمي حقيقي مع إيران.

لكن المفارقة أن جزءاً من مُقتضيات هذا الأمر مُتضمنٌ في كلام «أوباما» نفسه بوضوح، وذلك في معرض حديثه عن سوريا وعما يجري فيها على يد «الأسد». فالرجل يقول بكل صراحة:«إذا كان العرب يعتقدون أن التوسع الإيراني يُهدد أمنهم القومي، وإذا كانوا يعرفون أن الوضع السوري الراهن، بممارسات الأسد الذي يعرف الجميع سيطرة إيران الكاملة عليه، يمثل جزءاً رئيساً من هذا التهديد، فماذا ينتظرون؟»

قد يحسب البعض أن هذا يمثل نوعاً من (التوريط) للعرب. لكن هذا لايكون صحيحاً إلا إذا جاء التدخل العربي في سوريا فجاً وفوضوياً وغير مدروس من لحظة الدخول إلى «استراتيجية الخروج» Exit Strategy. أما إذا جاء التدخل مدروس الجوانب والأبعاد فإنه يدخل في إطار التقرير الذي صدر منذ أسبوعين عن «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» الأمريكي، والذي كتبه الباحث في الشؤون العربية «مايكل نايتس» في معرض تحليله لعملية «عاصفة الحزم»، حيث يقول أن «التعبئة العسكرية لتسع دول مســلمة، تشـــير إلى الهدف الاستراتيجي الأوسع للحملة، ما ينشئ نقطة حشد للعرب لمواجهة النشاط العسكري الإيراني المتزايد في المنطقة»، ثم يضيف قائلاً، وهنا النقطة الأهم: «تجد واشنطن نفسها الآن في موقفٍ غير معتاد، إذ أنها تدعم من دون ضجة ائتلافاً كبيراً متعدد الجنسيات يتألّف من دول إقليمية، وهذا هو على وجه التحديد نوع تقاسم الأعباء الذي لطالما حلمت الإدارات الأميركية المتعاقبة بتعزيزه»..

«تقاسمُ الأعباء» إذاً بعيداً عن الاعتماد الكامل. تلك هي (كلمة السر) التي لاينتظرها أوباما فقط، بل كانت بعض الإدارات الأمريكية الأخرى تترقبها، لكيلا نُبالغ في الحديث عن كل الإدارات باختلاف رؤيتها السياسية. ولو أتقن العرب فهم توازنات هذا القانون لكان الوضع العربي مختلفاً عما هو عليه الآن.

إضافةً إلى هذا العنصر الواضح في مايتعلق بالعرب من «عقيدة أوباما»، نجد الرجل يتحدث، مرةً أخرى بكل مباشرة ووضوح، عن مسؤولية العرب، والمقصود هنا الحكومات بطبيعة الحال، في رفع درجة الجاهزية والقوة والاستقرار لبلادهم. ولكن هذه المرة من مدخل الانسجام مع مطالب الشعوب العربية، من المشاركة إلى الشفافية، مروراً بالعدل في توزيع الثروة وترسيخ عمليات التنمية. هذه ليست معادلةً سحريةً نحتاج إلى سماعها من أحد، إلا أن اضطرار رئيس الولايات المتحدة بنفسه إلى لَفظها والحديث عنها يدل من ناحيةٍ على دورها الأساسي، ومن ناحيةٍ أخرى على حجم التقصير في القيام بها.

لا بديل عن فهم «عقيدة أوباما» والتعامل معها بعقلانية وفاعلية. هذا إذا كان ثمة نيةٌ حقيقية لتوظيف (نافذة الفرصة) التي فتحتها المتغيرات الراهنة في المنطقة بما فيه مصلحة العرب شعوباً وحكومات.

  كلمات مفتاحية

إيران دول الخليج السعودية الولايات المتحدة الاتفاق النووي سوريا أوباما

«أوباما»: عقوبات إيران ستخفف حتى لو رفضنا الاتفاق النووي

«ستراتفور»: نضوج ميزان القوى في الشرق الأوسط

«أوباما» وفوضى الشرق الأوسط

«أوباما» لا يستبعد فتح سفارة أمريكية في طهران حال الوصول لاتفاق بشأن البرنامج النووي

«كيري»: تحديد ترتيب أمني بين الخليج وأمريكا هو «أمر حاسم» لمكافحة الإرهاب

هل هذه مؤشرات على بداية مواجهة طويلة بين العرب وإيران؟

«عقيدة» أوباما أم عقيدة غولدبرغ؟

«عقيدة أوباما».. تعميمات استشراقية وفوقية ووصاية ثقافية