واشنطن والأزمة الخليجية.. هل من أفق للحل؟

الاثنين 31 ديسمبر 2018 12:12 م

كان عام 2018 صعبا بالنسبة للطموحات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد نقلت إدارة "ترامب" سفارة الولايات المتحدة في تل أبيب إلى القدس، ما أثار إدانة واسعة النطاق، في حين بقيت خطة "كوشنر" للسلام، أو ما يسمى بـ"صفقة القرن"، غير جاهزة وبعيدة المنال، كما كانت دائما.

وقد انسحب الرئيس "دونالد ترامب" من الاتفاقية النووية الإيرانية، وهي خطة العمل المشتركة الشاملة، لكنه أهمل استبدالها باستراتيجية متماسكة للحد من طموحات إيران النووية.

وقد فرض العقوبات على طهران، وصعد من الخطاب العدائي ضدها، ما أدى إلى تكهنات بأن أجندة واشنطن الحقيقية هي تغيير النظام هناك.

وبمساعدة روسيا وإيران، وصل نظام "الأسد" إلى حافة النصر في الحرب الأهلية الوحشية في سوريا.

وتحول النزاع في اليمن إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، واستمرت حقوق الإنسان، بما في ذلك الحريات المدنية والسياسية، في التدهور على مستوى المنطقة، وتحول مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى أزمة شاملة في العلاقات الأمريكية - السعودية.

لكن بعيدا عن هذه التطورات التي تستحوذ على العناوين الرئيسية، غالبا ما يتم تجاهل تطورات أخرى، فقد استمر الخلاف في مجلس التعاون الخليجي، واستمرت عزلة قطر التي قادتها المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى مصر.

ويبدو أن هذه المشكلة المستمرة قد تؤدي إلى تعقيد العديد من الأهداف الأمريكية الحاسمة في المنطقة، ومن بينها احتواء إيران، وقد تغير بشكل دائم ترتيب "باكس أمريكانا" المستقر نسبيا الذي ساد في الخليج لعقود.

(يطلق مصطلح "باكس أمريكانا" على المناطق المستقرة ذات النفوذ الأمريكي الثابت).

وقد ازداد عجز واشنطن، أو عدم رغبتها في إجبار الأطراف المختلفة على حل هذا النزاع، حدة؛ بسبب الضعف المتزايد في الموقف الدولي للولايات المتحدة، وهو اتجاه مزعج للغاية ازداد سوءا في 21 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما قرر الرئيس "ترامب" فجأة سحب جميع القوات الأمريكية من العراق وسوريا.

وقد أدى قراره إلى استقالة وزير الدفاع "جيمس ماتيس" احتجاجا على القرار، لكن إذا أرادت الولايات المتحدة المحافظة على قيادتها أو إعادة تأكيدها في منطقة الخليج، فعليها أن تتصدى بشكل فعال وقوي للأسباب الكامنة وراء بداية الأزمة واستمرارها إلى عامها الثاني.

ومن المؤكد أن قطر قد رفضت مرارا المطالب الـ13 الأصلية التي قدمها التحالف السعودي البحريني الإماراتي في بداية الأزمة، في يونيو/حزيران 2017، وأعربت الولايات المتحدة عن رضاها عن عمل الدوحة لمعالجة المخاوف الأمريكية.

وقد عملت قطر مع الولايات المتحدة في قضايا الإرهاب، وبدأت حوارا استراتيجيا معها، وقد وقعت معها، في يناير/كانون الثاني 2018، مذكرة تفاهم تهدف إلى "زيادة تبادل المعلومات، وتعطيل تدفق تمويل الإرهاب، وتكثيف أنشطة مكافحة الإرهاب".

وفي يونيو/حزيران 2017، عبر وزير الخارجية، آنذاك، "ريكس تيلرسون" عن تفاؤله بإمكانية حل النزاع الخليجي بسرعة، لكنه سرعان ما شعر بالإحباط بسبب التعنت الواضح للكتلة المناهضة لقطر.

وقد فشلت الجهود المبذولة لحل الأزمة من قبل اثنين من المبعوثين الأمريكيين، هما القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية "أنتوني زيني"، ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الخليج العربي "تيموثي لندركينج"، الذين تم إرسالهما إلى الخليج في أغسطس/آب 2017 للعمل على إيجاد حل.

الصدع يزداد سوءا

وتؤكد التطورات الأخيرة مدى صعوبة الصراع بين دول مجلس التعاون الخليجي، وقد أعلنت قطر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، انسحابها من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ما يمنحها وضعا مستقلا في سوق الطاقة الدولي.

وبصفتها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وكونها مجرد لاعب ثانوي في مجال النفط، فإن خطوة قطر كانت مفيدة من الناحية التجارية، لكنها سلطت الضوء أيضا على تصميم الدوحة على تحرير نفسها من منظمة "أوبك"، التي تهيمن عليها المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة، وتستخدمها من وقت لآخر للحد من قدرات صنع القرار القطري.

وقد يكون تحرك الدوحة لمغادرة منظمة أوبك قد ضمن أيضا أن تصبح إيران، التي تشترك معها قطر في حقل الشمال الذي يضم أكبر إحتياطي للغاز الطبيعي في العالم، تصبح شريكها الدولي الرئيسي في مسائل الطاقة، وهو تطور من المؤكد أن يغضب الرياض.

وفي علامة أخرى على الخلاف المتنامي، رفض حاكم الدولة، الأمير "تميم بن حمد آل ثاني"، حضور قمة خليجية استغرقت يوما واحدا في الرياض، في 9 ديسمبر/كانون الأول، وأرسل بدلا من ذلك وزير الدولة للشؤون الخارجية "سلطان بن سعد المريخي".

وقد تم تفسير رفض الحضور على المستوى الأعلى، على نطاق واسع، على أنها إشارة إلى الاستياء القطري من الهيمنة السعودية على مجلس التعاون الخليجي واستخدامه كأداة ضد الدوحة، فضلا عن كونه جاء ردا على رفض السعودية حضور قمة مجلس التعاون الخليجي لعام 2017 في الكويت، حيث كان الحاضران الوحيدان على مستوى رؤساء الدول هما الشيخ "تميم" والأمير الكويتي "صباح الأحمد الصباح".

ومن المفارقات أن القمة كانت تركز على وحدة الخليج في مواجهة التحدي الإيراني وتهديد الإرهاب، وبدلا من ذلك، استغلت البحرين والسعودية وقطر الفرصة لتوجيه الانتقادات اللاذعة لبعضهم البعض.

ومن جانبها، لم تظهر السعودية أي علامات على التراجع، وبدلا من ذلك، تنفذ مشروعا رئيسيا لعزل قطر عن بقية شبه الجزيرة العربية، فعليا وبالكامل بالمعنى الحرفي، عبر إنشاء قناة بطول 37.5 ميل على طول الحدود السعودية القطرية، حيث سيتم استخدام جزء منها كمكب للنفايات المشعة.

جهود الولايات المتحدة

وتستمر إدارة "ترامب" في تقدير وحدة الخليج، وتفهم أهميته لتحقيق أهداف الإدارة الرئيسية، وقالت "هيذر نويرت"، المتحدثة باسم وزارة الخارجية: "وحدة الخليج ضرورية لمصالحنا المشتركة لمواجهة النفوذ الإيراني الخبيث، ومكافحة الإرهاب، وضمان مستقبل مزدهر لكل شركائنا في الخليج".

وعلى وجه الخصوص، تضع الولايات المتحدة استعادة الوحدة الخليجية كشرط مسبق للمضي قدما في التحالف الأمني ​​المقترح في الشرق الأوسط، الذي سيجمع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن في إطار سياسي وأمني واقتصادي جديد، في شراكة تهدف إلى حد كبير لمواجهة إيران.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، نظم وزير الخارجية "مايك بومبيو" اجتماعا في نيويورك، على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي ضم جميع الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن، لمناقشة خطط التحالف الأمني، فضلا عن إنهاء الأزمة مع قطر، ومع ذلك، لم تظهر أي علامات إيجابية.

وقال وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني"، في أعقاب الاجتماع، إن الوضع في مجلس التعاون الخليجي لا يزال في حالة "جمود"، مشيرا إلى أن المنظمة "تعاني من نوع من الشلل التام".

وأضاف أنه لا طائل من وراء محاولة تعزيز خطط التحالف الأمني الأكبر ما لم يتم التغلب على الصدع في المجلس، كما فشلت الجهود الجارية من جانب الكويت للتوسط في الأزمة في إحراز تقدم، ويبدو أن قادة الدول المعنية توصلوا إلى نتيجة مفادها أن الإرادة السياسية ليست موجودة للتوصل إلى تسوية.

وعلى الرغم من ذلك، أصبحت إدارة "ترامب" مقتنعة مؤخرا بأن الوقت قد يكون مناسبا للتوصل إلى اتفاق، فمن ناحية، تحسب الإدارة أن دعمها لولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان"، بعد مقتل "خاشقجي"، يمكن ترجمته إلى نفوذ جديد على المملكة، في محاولة لوقف الضرر الذي لحق بسمعتها الدولية.

وبناء على هذه الفكرة، كثف المسؤولون الأمريكيون الاتصالات مع الرياض وأبوظبي في محاولة للدفع باتجاه حل، ولقد رأوا سببا للتفاؤل في البيان الصادر عن "بن سلمان" في مؤتمر استثماري في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث أشاد بقوة اقتصاد قطر، والذي تم تفسيره لفترة وجيزة على أنه غصن الزيتون الذي يقدمه للدوحة، لكن هذه القراءة المفعمة بالأمل تلاشت بعد ذلك بوقت قصير؛ حيث لم يتم تقديم أية علامات أخرى على التقارب.

الجمود المستمر

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لا يزال الصراع الداخلي بين دول مجلس التعاون الخليجي مستمرا، مع وجود القليل من المؤشرات على ظهور حل سياسي مقبول.

وتستمر حرب الكلمات على قدم وساق، وتستمر الدبلوماسية الأمريكية الهادئة في إثبات في تحقيق تقدم كبير، ويبدو أن الولايات المتحدة ربما تكون قد بالغت في تقدير نفوذها على "بن سلمان" في أعقاب قضية "خاشقجي".

بل في الواقع، يبدو أن نفوذها تراجع بشكل أكبر، ومن المحتمل أن يكون ولي العهد عازما على ألا يُنظر إليه على أنه تراجع في مواجهة الضغوط الخارجية، خشية أن يظهر بمظهر الضعيف، الأمر الذي قد يهدد سلطته داخليا.

وعلاوة على ذلك، ربما تكون جهود إدارة "ترامب" لحماية "بن سلمان" والعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، من أي تداعيات بسبب مقتل "خاشقجي"، مدفوعة على الأرجح بقناعة ثابتة بالحاجة إلى حماية المملكة كحليف سياسي وتجاري مهم. 

وبغض النظر، تحتاج الولايات المتحدة إلى الحفاظ على جهود حل الأزمة في قلب سياستها في المنطقة، وتعتمد العديد من القضايا الرئيسية على ذلك، بما في ذلك مستقبل التحالف الأمني الجديد في المنطقة، وهو الحصن الذي ترغب إدارة "ترامب" في تحقيقه في مواجهة إيران.

كما يعزز عدم التفاهم الخليجي البصمة الاستراتيجية لإيران في المنطقة الأوسع، ويوفر وسيلة نفوذ لروسيا، خاصة في أعقاب قرار الرئيس "ترامب"، المفاجئ، بشأن سوريا.

ومن الناحية الاقتصادية، تستمر قطر في تحقيق نتائج جيدة على الرغم من المقاطعة، لكن التأثيرات الاقتصادية طويلة المدى على منطقة الخليج قد تكون كبيرة، خاصة فيما يتعلق بتكاليف النقل والأضرار التي تلحق بالصناعة المصرفية. بل إن النزاع المستمر يضيف إلى الفوضى في ليبيا، حيث تقف قطر والإمارات على طرفي النقيض.

وقد تصدق الحكمة القائلة بأنه إذا كانت الإدارة جادة بشأن سياستها الأمنية الإقليمية، لكانت قد تصرفت بقوة أكبر في عام 2017 لدفع الأطراف للجلوس معا، والإصرار على توفير وسائل معقولة لإنهاء الأزمة، وضمان وحدة الهدف بين حلفائها في الخليج.

لكن هذا لم يحدث بعد، وهو مؤشر آخر على عدم الاستقرار الذي تعاني منه القيادة الأمريكية حاليا في الشرق الأوسط، ومع استقالة "ماتيس"، الذي كان أحد المسؤولين الرئيسيين في الإدارة الأمريكية الذين يضغطون لصالح قضية الوحدة الخليجية، ابتعد أي احتمال قصير الأمد لممارسة الولايات المتحدة لضغط دبلوماسي كافٍ على الأطراف لإنهاء النزاع.

وربما تشعر دول مجلس التعاون الخليجي قد شعرت بالصدمة بما يكفي من الانسحاب المفاجئ لواشنطن من سوريا، ومغادرة "ماتيس"، بما يدفعها لوضع خلافاتها جانبا، على الأقل في الوقت الراهن، لكن في الوقت الحالي، لا توجد العديد من المؤشرات التي قد تشير إلى احتمال حدوث ذلك.

  كلمات مفتاحية

مجلس التعاون الخليجي٫ منظمة أوبك٫ إدارة ترامب٫ قطر