استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الديمقراطية.. بين التراجع واستعادة المبادرة

الخميس 17 يناير 2019 06:01 ص

لقد تراجعت الديمقراطية في دول كثيرة في العالم وذلك بفضل عودة التسلطية والديكتاتورية بالاضافة لصعود الصين وروسيا. لكن الفكرة الديمقراطية ليست قائمة على فرضية التقدم والانحسار الديمقراطي بقدر إرتباطها بتحولات أعمق تسبر غور النفس البشرية.

فلولا بحث الانسان الدائم عن الكرامة والعدالة والمساواة، كما وعن الحرية والمشاركة ومحاسبة قادته ونقدهم لما تطورت الديمقراطية بالأساس. لقد كان نشوء الديمقراطية في البداية فعلا إبداعيا في مواجهة الاستبداد والتسلط، ولازال هذا الخيال قائما بين شعوب العالم لأنه مرتبط باحتياجات اساسية للإنسان.

لهذا يخطئ من يعتقد من النخب المسيطرة خاصة في العالم العربي أن الفكرة الديمقراطية في طريقها للانهيار، بل في افق الزمن القادم هي في طريقها لتجميع قوتها ولبناء موجة جديدة ستشمل مجتمعات ودولا شتى.

ليست هذه هي المرة الاولى التي تبدو الديمقراطية وكأنها في طريقها للانكماش والانهيار. فبعد الحرب العالمية الأولى ساد الاقتناع بنهاية الديمقرطية التي كانت قد شملت بضع دول في العالم الغربي.

ففي البداية تحولت روسيا للاتحاد السوفياتي الشيوعي. فالشيوعية السوفياتية كانت بطبيعتها صاحبة رسالة عالمية معادية للديمقراطية. لكن مع صعود النازية والفاشية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، بدا وكأن عصر الديمقراطية قد انتهى لصالح ديكتاتوريات جديدة في المانيا وايطاليا.

لكن انتصار الديمقراطية عقب الحرب العالمية الثانية واجه تحديات كبرى من خلال انتشار الشيوعية بنفس الوقت، وهذا جوهر الحرب الباردة.

لقد نافست الشيوعية النظام الديمقراطي الرأسمالي وهددته في أسس بنيانه الفكري وأوشكت على إسقاطه في مواقع كثيرة في العالم. حتى النمسا كانت على وشك أن تتحول للشيوعية. لكن الشيوعية لم تصمد امام الديمقراطية.

ففي أواخر ثمانينيات القرن العشرين انتهت المنافسة بين الديمقراطية والايديولوجية السوفياتية الشيوعية لصالح الديمقراطية. لكن انتصار الديمقراطية في بداية تسعينيات القرن العشرين لم ينه المنافسة.

فقد صمدت الديكتاتورية وصعدت معها (وفي عقر دار الدول الديمقراطية الغربية) في السنوات القليلة الماضية الأيديولوجيات القومية والشعبوية والعنصرية.

الديمقراطية فكرة قابلة للتأقلم، وهذا جانب أساسي في قوتها. لقد تغيرت الديمقراطية القديمة التي عرفها القرن الثامن عشر والتاسع عشر. فقد نجحت مثلا الديمقراطية في استيعاب احتجاجات الريف البريطاني في اواخر القرن التاسع عشر.

ونجحت فيما بعد في ادخال الضمان الاجتماعي وقوانين العمل والتقاعد بفضل احتجاجات عمالية كبرى (تلك سياسات اخذتها الديمقراطية من الفكر الشيوعي). لهذا نجحت الديمقراطية في مواجهة المد الشيوعي من خلال تطوير مبادئها لتشمل الإعتناء بحقوق الطبقات الدنيا.

الموجه القادمة والرابعة للديمقراطية ستكون ايضا ذات إنتشار عالمي، إذ ستركز على مواجهة الشعبوية وقيم التعصب والتفرقة والعنصرية والحريات بكل اشكالها، ستواجه هذه الديمقراطية الظلم الذي تتعرض له الطبقات الشعبية في معظم دول العالم بما في ذلك في الولايات المتحدة ودول الغرب (الاحتجاجات في فرنسا ومواجهة ترامب في الولايات المتحدة).

في الموجة الجديدة للديمقراطية لن يكون مقبولا تمركز الثروات بيد 5٪ من أصحاب النفوذ. في أجواء كهذه من الطبيعي ان نرى صعود للفكر اليساري والفكر النقدي المتصالح مع الديمقراطية.

إن أهم حليف للديمقراطية مرتبط بتطلعات الشعوب نحو الحرية ومساءلة حكوماتهم وقادتهم. ومن حلفاء الديمقراطية الرأي العام العالمي، فهو ذات الرأي العام الذي تبنى قضية جمال خاشقجي، وهو ذاته الذي يتبنى موقفا من سياسات الرئيس ترامب الشعبوية.

بل هو نفسه الذي يبرز أصوات تتحدى الصهيونية بسبب احتلالها واضطهادها للشعب العربي الفلسطيني. الرأي العام قوة هائلة ومخزون قادم للديمقراطية وحقوق الانسان.

لو دققنا أكثر في المشهد الملتبس كونيا سنجد أن دولة كبرى كروسيا لا تمتلك فكرا قابلا للانتشار في العالم، فنظامها يقوم بالأساس على فكرة الدولة السلطوية، وهي دولة ينخرها الفساد، ويتحكم فيها مجموعة من كبار المتنفذين والمسيطرين على النفط والغاز.

هذا النموذج لا يمكن حمله على أجنحة العالمية وهو لا يصدر قيم الحرية لاحد.

الرئيس بوتين معلم للمستبدين في العالم، لكنه ليس مفيدا لحراكات الشعوب والقوى التحررية التي تريد نظاما مسائلا ومختلفا عن النظام الذي يقوده بوتين. بوتين ظاهرة روسية، على أهميتها لروسيا، لا تحمل رسالة عالمية.

بنفس الوقت لم تعد الصين وهي الدولة الكبرى الثانية، صاحبة رسالة عالمية كما كان الامر في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. لا تمتلك الصين ما تصدره فكريا أمام الأيديولوجية الديمقراطية والحقوقية.

كل الذي تستطيع عمله أن تستمر الصين في صعودها الاقتصادي والذي يصاحبه انغلاق سياسي إلى أن تواجه معوقات سياسية واجتماعية، فهي حينها ستقف عاجزة عن مواجهة التحولات الاجتماعية العميقة التي ستقرع ابوابها.

النموذج الصيني عاجز عن مواجهة فرضية مغرية عالميا كفرضية «الشعب مصدر السلطات». لهذا تنطلق التجربة الصينية من أن الحزب هو مصدر السلطات، وهذا نموذج يصعب تصديره إلا من خلال الانقلابات الديكتاتورية التي لم تعد الشعوب تتقبلها.

إن فكرة الحرية والظلم والعدالة الاجتماعية وانشاء نظام مساءل وتغير حكومة بواسطة صناديق الاقتراع، وحرية الصحافة وحرية التعبير هي من محركات القرن الواحد والعشرين وهي ليست معزولة عن بناء نظام اقتصادي عادل ونظام اقتصادي حيوي.

هذه المنظومة الفكرية ستزداد قيمة بفضل تركيز الحراكات الديمقراطية على العدالة الاجتماعية وحقوق الطبقات المهشمة ومن لا صوت لهم. الديمقراطية قادمة في إطار موجة رابعة.

بل إن المواجهة القائمة في الولايات المتحدة حول سياسات الرئيس ترامب الشعبوية ستكون احد مكونات استعادة الديمقراطية بل وتعميقها في العالم.

من السودان للقاهرة ومن الولايات المتحدة لليمن وفلسطين ومن الدول العربية من الخليج للمحيط يبحث الانسان عن حق التعبير وعن تقرير مصيره وعن واقع يحترم الانسان ويمنع القمع والانتهاك.

- د. شفيق ناظم الغبرا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت.

  كلمات مفتاحية

احتجاجات شعبية الموجة الرابعة للديمقراطية الظلم الاجتماعي الشعبوية والعنصرية حرية التعبير حرية الصحافة حقوق الانسان شفيق ناظم الغبرا السلطوية الديكتاتورية