استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

تكريس «الرئاسة الإمبراطورية» في أمريكا

الأربعاء 27 فبراير 2019 07:02 ص

تكريس «الرئاسة الإمبراطورية» في أمريكا

إعلان ترامب حالة الطوارئ يُخِل بـ"توازنات" الدستور وينشئ سابقة تنذر بانهيار "الضوابط".

فضيحة ووترغيت كانت نتيجة توسع نيكسون لصلاحياته الدستورية بدرجة غير مسبوقة وغير قانونية.

إعلان ترامب حالة الطوارئ ينتهك أهم صلاحيات الكونغرس الدستورية وهي إقرار الميزانية والتمويل دون الرئيس.

هل ستبحث المحكمة العليا قرار ترامب وفق موجبات الطوارئ أم حقه الالتفاف حول صلاحيات الكونغرس الخاصة بالتمويل؟

قيد الكونغرس «الرئاسة الامبراطورية» بقوانين لا تعيق صلاحيات الرئيس الدستورية لكن وضعتها تحت رقابة المؤسسة التشريعية الصارمة.

*     *     *

إعلان الرئيس ترامب الطوارئ لأجل بناء الجدار مع المكسيك لا يمثل إلا واحدة من حلقات أزمة سياسية تواجهها الولايات المتحدة منذ بداية الألفية، وتتعلق بالتعبير الشهير الذي يفخر الأمريكيون بوصف نظامهم السياسي به، أي «الضوابط والتوازنات».

فإعلان ترامب يحدث اختلالاً واضحاً في "التوازنات" المقصودة، وينشئ سابقة تنذر بانهيار "الضوابط".

والحقيقة أن ترامب ليس أول رئيس أمريكى يعلن الطوارئ. فمنذ أصدر الكونغرس ما يعرف «بقانون الطوارئ العامة» في عام 1976، استخدمه الرؤساء الأمريكيون، بدءاً برونالد ريغان وحتى باراك أوباما، أكثر من خمسين مرة.

الجديد هذه المرة هو أن ترامب يستخدمه للالتفاف حول إحدى أهم صلاحيات المؤسسة التشريعية الأمريكية، أي الميزانية، وفى موضوع رفضت الأخيرة فيه تلبية مطلب الرئيس.

ففي السبعينات، كانت الولايات المتحدة قد خرجت لتوها من أجواء فضيحة ووترغيت التي دفعت بالرئيس نيكسون للاستقالة. ووترغيت كانت فضيحة لأن نيكسون توسع في صلاحياته الدستورية بدرجة غير مسبوقة وغير قانونية في الوقت ذاته.

من هنا، سعى الكونغرس بعدها لتكبيل ما صار يعرف بـ«الرئاسة الامبراطورية»، أي التوسع غير المسبوق في سلطات الرئيس، عبر سلسلة من القوانين التي لم تحرم الرئيس من ممارسة صلاحياته الدستورية لكنها أنشأت ضمانات وضعت صلاحياته دوماً تحت الرقابة الصارمة من المؤسسة التشريعية.

ولم يكن قانون «الطوارئ العامة» استثناء من تلك القاعدة. فالرئيس هو المسؤول الأول، وفق الدستور، عن أمن الولايات المتحدة وحماية الأمريكيين، وهو ما يتطلب أحياناً التحرك الفوري لمواجهة الأخطار المفاجئة. لذلك أصدر الكونغرس ذلك القانون الذي يمنح الرئيس صلاحية إعلان الطوارئ العامة.

إلا أن القانون جعل تلك الصلاحية مقيدة بموافقة الكونغرس. فإذا ما لم يجد الكونغرس فيما اعتبره الرئيس ما يوجب إعلان الطوارئ، فبإمكانه إلغاء إعلان الرئيس بموجب قرار مشترك يصدر من مجلسيه.

ولأن القرار المشترك يصبح نافذاً بمجرد صدوره، ولا يحتاج لموافقة الرئيس عليه، لم يهتم الكونغرس كثيراً بتعريف الحالات التي توجب إعلان الطوارئ. وقد استخدم الكونغرس ذلك القيد نفسه، أي القرار المشترك، في أكثر من قانون أصدره في تلك الفترة من السبعينات.

غير أن أحد تلك القوانين، لا قانون الطوارئ العامة نفسه، أثار جدلاً شديداً وقتها ووصل للمحاكم الفيدرالية حتى وصل للمحكمة العليا، التي أصدرت حكماً شهيراً في عام 1983، اعتبر مثل ذلك القرار المشترك غير دستوري. لأنه يمثل «فيتو تشريعىاً».

وقالت المحكمة إن الرئيس دستورياً له حق الفيتو على مشروعات القوانين بينما لا يحق للكونغرس أن يفرض فيتو تشريعياً على قرارات الرئيس، وأن على المؤسسة التشريعية، بدلاً من ذلك، أن تصدر قانوناً إذا أرادت فيخضع للفيتو الرئاسى.

بعبارة أخرى، بينما كان الغرض من صدور قانون الطوارئ العامة هو فرض قيد على الرئيس، فإن قرار المحكمة العليا عندما ألغى إمكانية صدور قرار مشترك، جعل للرئيس، بموجب القانون، صلاحيات هائلة غير مقيدة.

أما المؤسسة التشريعية فلم يعد أمامها سوى اللجوء للقضاء. ولذلك، مثلما قامت 16 ولاية أمريكية برفع إعلان ترامب للطوارئ للقضاء، أكد الديمقراطيون أيضا نيتهم في رفع الأمر للقضاء.

ورغم أن ترامب ليس أول رئيس يستخدم قانون الطوارئ العامة فلعل إعلانه هو الحالة الأولى، في حدود علمي، التي يستخدم فيها القانون من قبل أحد الرؤساء لتمويل برنامج رفض الكونغرس صراحة تمويله.

وهنا تكمن، في تقديري، خطورة قرار ترامب، لأن التمويل من أهم الصلاحيات التي منحها الدستور الأمريكي صراحة للمؤسسة التشريعية دون الرئيس.

لذلك، فإن قرار ترامب يكرّس في ظني الخلل المتمثل بصلاحيات هائلة للرئيس على حساب مؤسستي الكونغرس الأخريين. فـ«الرئاسة الامبراطورية» عادت للصعود بقوة بعد أحداث 11 سبتمبر عبر التوسع في صلاحيات الرئيس المتعلقة بحروب أمريكا، رغم أن سلطة إعلان الحرب يملكها الكونغرس وحده.

وهي صارت أكثر اتساعاً اليوم بإعلان ترامب حالة الطوارئ الذي التف حول صلاحية أخرى جوهرية هي سلطة التمويل. وهو الإعلان الذي يمثل سابقة مهمة قد تغري رؤساء مستقبليين باستخدامها لتدبير الأموال اللازمة لمشروعات يرفضها الكونغرس.

لذلك يعول الكثيرون بأمريكا اليوم على المحاكم التي تم رفع الأمر لها، خصوصاً بعد أن قال ترامب بنفسه إنه لم يكن هناك «حاجة» لإعلان الطوارئ، أي نافياً بنفسه وجود ما يوجب إعلانها.

لكن المحاكم الفيدرالية الأمريكية، وعلى رأسها المحكمة العليا، طالما نأت بنفسها عن تحدي صلاحيات الرئيس إذا ما تعلق الأمر بالأمن القومي أو حماية الأمريكيين.

من هنا فإن السؤال الأهم هو ما إذا كانت المحكمة ستبحث قرار ترامب وفق ما إذا كان هناك ما يوجب الطوارئ، أم أنها ستبحثه وفق ما إذا كان من حق الرئيس الالتفاف حول صلاحيات الكونغرس الخاصة بالتمويل؟.

* د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية المساعد، مختصة بالنظام السياسي الأمريكي.

  كلمات مفتاحية