استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

المحبة في مواجهة الاستبداد

الخميس 28 فبراير 2019 04:02 ص

سألني أحدهم قبل أيام عن سرّ هذا الفشل في مقاومة الاستبداد، وقدرة المستبدين الرهيبة على الصمود بمواجهة ربيع عربي كاسح، قدّم من الضحايا والقرابين الأرقام المذهلة، ولكن مع هذا لا يزال الاستبداد يُمسك ظاهرياً بتلابيب السلطة!

وهو تساؤل مشروع كنت ومنذ بداية الربيع العربي يستحوذ على تفكيري ووقتي، ولا أجد سبباً وسراً لهذا السر سوى الكراهية والبغضاء والحسد والتمزق الاجتماعي والتفتت المجتمعي الذي نخر كل بنياننا بفعل الاستبداد الذي كان أشد حرصًا على تفكيك شبكات النسيج الاجتماعي.

وعلى رأس هذا التفكيك زرع البغضاء والكراهية بين بعضنا البعض، وعشنا في سوريا وفي غيرها مراحل تاريخية لا يثق الأب بابنه ولا الزوج بزوجته، ويخشى الأخ أخاه، وهذا ليس ضرباً من المبالغة وإنما حقيقة واقعة عاشها ويتحدث عنها من ابتلي بعصابات الأسد الأب والابن.

التمزق المجتمعي الذي ابتليب به مجتمعات الاستبداد العربي انعكس بشكل مباشر على العمل المجتمعي، فقلما تجد عائلة أو قبيلة موحدة لها رأس أو رأسان، وإنما لها رؤوس متعددة، وهذه الرؤوس بالغالب تدين بالولاء للاستبداد العربي الذي نجح في تهجينها، أو الضغط عليها.

وبالتالي افتقرت المجتمعات العربية عشائرية كانت أو مجتمعات مدنية إلى شخصيات اعتبارية لها كلمتها وتمويلها الذاتي، وبالتالي قادرة على التلفظ بـ"لا" للاستبداد العربي، فدفعت الشعوب والمجتمعات أثماناً باهظة لهذا الصمت في ظل تحطيم الرموز وتحطيم الشخصيات الجامعة المانعة، أو العاصمة والقاصمة.

وبالتالي افتقدت هذه المجتمعات من يجمعها على شخص واحد ورمز موحد، ولذلك حرص الاستبداد أشد ما حرص على ضرب الرموز ونزع ثقة الأهالي من بعضها بعضاً، عبر إشاعة الكراهية ونزع المحبة فيما بينها، فضمن كراهيتهم لبعضهم، وضمن معها عدم اتحادهم أو تضامنهم مع بعضهم ضده وضد سياساته وجرائمه.

لذلك نقرأ في قرآننا وسيرة نبينا عليه الصلاة والسلام الحرص على المحبة للجميع، لأنها أسّ الوحدة والتضامن، الذي سينعكس موقفاً اجتماعياً وسياسياً يخشاه الطاغية المستبد.

فنقرأ حديث نبينا عليه السلام، حين قال لمن معه يطلع عليكم شخص من أهل الجنة ليلحقه بعد انفضاض المجلس عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- ويبيت عنه ليالي، فيبلغه الصحابي الذي عناه النبي -عليه السلام- أن سر ذلك كله يكمن في أنه لا يبيت وفي قلبه غلٌ على مسلم.

لذلك نقرأ في الأحاديث النبوية المتعددة والكثيرة عن حب الجار وحب الأخ لأخيه، فهي ليست محبة شخصية بين شخصين، وإنما محبة مجتمعية تنعكس إيجاباً على بناء المجتمعات وتماسكها.

ولذلك بنظرة سريعة على الثورات التي اجتاحت المجتمعات غير المستبدة نجد سرعة نجاح هذه الثورات فيها، كون الاستبداد أقل تجذراً وأضعف عوداً، يقابله تماسك مجتمعي إلى حد كبير، من خلال مؤسسات مجتمع مدني، وعجز الدولة عن التغول على مؤسسات المجتمع.

بينما نرى في المجتمعات العربية، وقد تجذر الاستبداد والطغيان على مدى عقود ساعده في ذلك ضعف محبتنا لبعضنا، وبعدنا عن العمل الجماعي المشترك، وتحطيم رموزنا المجتمعية.

لكن ما هو أخطر من ذلك كله هو أنه بظهور الربيع العربي رأينا القيادات المجتمعية ورموزها خرجت وفرت من البلاد وتركتها للاستبداد، ولمهب الريح، فظهر بأحسن الحالات شخصيات ضعيفة هزيلة، قد تكون مفرقة لا جامع لها، وربما في أحسن الأحوال تسعى ما وسعها الأمر إلى تدارك الخطر.

لكن لضعف مكانتها الاجتماعية وحداثة سنها وقلة تجربتها تقع في المهالك، في حين ظل الاستبداد وقاداته بخبراتهم الطويلة وبسطوتهم المالية وحبل الخارج الممدود إليهم في الميدان.

والأنكى من ذلك كله نرى من بني جلدتنا من يتحدث عن الأخطاء التي يقع فيها من يقاوم الاستبداد، وهو يدرك تماماً أن هذا حصل بسبب نكوصه وهروبه من الميدان، والحل في محبتنا لبعضنا البعض وكرهنا للاستبداد والطغيان، فالأزمة اجتماعية أخلاقية تربوية أًساً وأساساً.

- د. أحمد موفق زيدان، كاتب صحفي وإعلامي سوري.

المصدر | العرب القطرية

  كلمات مفتاحية

صمود الاستبداد الربيع العربي التمزق المجتمعي تفكيك النسيج الاجتماعي الكراهية خروج قيادات المجتمع المحبة