إعدامات السيسي «أخلاق» وضحايا القطار «إخوان»!

الجمعة 1 مارس 2019 05:03 ص

إعدامات السيسي «أخلاق» وضحايا القطار «إخوان»!

في حريق قطار الصعيد كان عقل النظام منفصلا عما حوله، أما في الكارثة الأخيرة فلم يكن هناك عقل أصلا!

يتبنى السيسي «ثقافة الثأر» ويجعل الرئيس زعيم قبيلة كلّفه أهلها بالثأر لمقتل أحدهم وقتل شخص من القبيلة الأخرى ولو لم يكن القاتل!

مطالبة السيسي بتعديل القانون تعني عودة «ثقافة» القتل الثأري كما في حالة الشبان التسعة الذين اعتبرهم النظام من «القبيلة الأخرى».

*     *     *

في ردّه على انتقادات الدول الأوروبية ومنظمات حقوق الإنسان للإعدامات التي تسبقها إجراءات قضائية صورية وانتزاع للاعترافات بالتعذيب فرق الرئيس المصري بين نوعين من الأخلاق والقيم و«الإنسانية»، واعتبر أن أخلاق وقيم وإنسانية الشرع الأوروبية قابلة للتطبيق في بلدانها فحسب، مطالبا تلك الدول بعدم فرض قيمها وأخلاقها على نظامه.

وفي دفاعه عن عقوبة الإعدام قال السيسي إن «الاُسَر حينما يقتل إنسان في عمل إرهابي تأتي وتطلب مني حق أبنائها ودمائهم» وأن هذه «ثقافة موجودة في المنطقة» وأن هذا الحقّ (أي دماء الذين قتلوا بعمل إرهابي) «يجب أن يؤخذ بالقانون».

يتبنى هذا الخطاب إذن «ثقافة الثأر» ويجعل الرئيس أشبه بزعيم قبيلة كلّفه أهاليها، ثأرا لمقتل واحد منهم، بمطاردة شخص من القبيلة الأخرى وقتله حتى لو لم يكن هو القاتل!

وهذا الخطاب يتراكب فعلاً مع حالة الغضب التي عبّر عنها السيسي في جنازة النائب العام السابق القتيل هشام بركات، لكنّ المفارقة حينها أنه اعتبر أن «يد العدالة مغلولة بالقانون»!

وكانت مطالبته حينها بتعديله تعني العودة لـ«ثقافة» القتل الثأري، وهو ما حصل فعلاً في حالة الشبان التسعة الذين اعتبرهم النظام من «القبيلة الأخرى»، ولا يهمّ بالتالي، في تبرير قتلهم، أن يكونوا هم فعلا القتلة، وعلى أوروبا، أن تتفهم هذه الأمور وأن تحترم «ثقافتنا» و«أخلاقنا» و«إنسانيتنا»!

يتناغم هذا التصريح مع خبر طلب نيابة شمال القاهرة الكلية «تحريات الأمن الوطني حول السائق المتسبب في حادث محطة مصر»، وكذلك بعض التصريحات التي ترد على ألسنة المقربين من نظام السيسي فيما يخص الحادث، بدءاً من الترويج لكون السائق المتسبب بالقطار «إخوانيّا»، أو أن الإخوان وراء الحادث (أو أي حادث!).

لكنّ أبشع «التواءات» هذا الخطاب جاء من كاتبة تدعى دينا أنور التي رفضت الترحّم على ضحايا القطار لأنهم فقراء، وبالتالي فإن «أغلبهم متعاطفون مع الإخوان»، وأن «الأغنياء الوطنيين الشرفاء أكثر شرفا من الفقراء الذين يكرهون الوطن ويتعاونون مع الإرهاب».

فكما استخدم السيسي مصطلحات «الأخلاق» و«القيم» و«الثقافة» قامت الفنانة المذكورة باستخدام مصطلحي «الشرف» و«الوطنية» وربطتهما بالأغنياء، نازعة الشرف عن الفقراء ومحرّمة التعاطف معهم.

ووسعت بذلك منظور الأخلاق والإنسانية الذي اقترحه السيسي ضمن مفهوم الثأر القبليّ إلى صراع حادّ بين «أغنياء وطنيين» و«فقراء متعاطفين مع الإرهاب»، بحيث جعلت الفقر سبباً لكراهية «الوطن» يستجلب الموت من دون رحمة، كما اعتبر السيسي الإرهاب سبباً للموت الذي يجب أن يجري خارج «القوانين التي تقيد العدالة».

استذكر أحد النقاد المصريين حريقا حصل في قطار الصعيد قبل سنوات من ثورة 25 يناير المصرية وقتل فيه مئات الركاب وكان السبب أن سائق القطار ظل يمشي بقطاره المشتعل طويلا لأنه لم ينتبه للكارثة التي تحدث خلفه!

واعتبر مثقفون مصريون هذا الأمر استعارة لنظام يمشي من دون أن ينتبه لكون المجتمع يحترق خلفه، أما في كارثة القطار الأخيرة فلم يكن السائق في القطار بحيث اندفع بقوة ليدهس ويحرق كل ما هو أمامه.

وكان استنتاج الناقد أنه في الحالة الأولى كان عقل النظام منفصلا عما يحدث حوله، أما في هذه المرة فلم يكن هناك عقل أصلا.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

مصر السيسي فقراء مصر القتل الثأري مثقفون مصريون النائب العام حقوق الإنسان عقوبة الإعدام عمل إرهابي الغضب الشرف الوطنية