دروس مستفادة من إيران: إعادة النظر في سياسة عقوبات أمريكا

الأحد 24 مايو 2015 04:05 ص

اعتاد صناع القرار في الولايات المتحدة على التعامل مع فكرة الوصول إلى السوق الأمريكية على أنها امتياز واثقين من أنه إذا طرح اختيار بين التعامل التجاري في الولايات المتحدة وأي مكان آخر في العالم فإن الشركات والبنوك ستختار أمريكا.

مثل هذه الطريقة في التفكير مكنت الولايات المتحدة من تحويل اقتصادها إلى سلاح بشكل كبير بما في ذلك ما يتعلق بإيران وروسيا في الآونة الأخيرة.

وربما تكون العقوبات التي فرضت على إيران في الفترة بين عامي 2010 و2013 هي العامل الأكبر في خلق آداة ضغط كافية استغلتها الولايات المتحدة في إقناع إيران بالحد من برنامجها النووي.

وربما لم تستطع العقوبات ضد روسيا أن تقنع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» أن ينسحب من شبه جزيرة القرم الأوكرانية لكن وتيرة تقدم موسكو المتستر داخل أوكرانيا ربما تكون تباطأت نتيجة لذلك ومن المؤكد أن الاقتصاد الروسي شعر بالضغط المطلوب.

وكان الشركاء الدوليون عنصرا أساسيا في مساعي العقوبات في الحالتين. لكن هذه الشراكات كانت إلى حد ما اختبارا لفكرة التعددية القسرية. فالحكومات والشركات امتثلت للعقوبات إلى حد بعيد بسبب تهديد الولايات المتحدة بأنها ستحد من تعاملهم مع السوق الأمريكية إذا كانوا طرفا في أي تعاملات أو أنشطة باتت محظورة الآن في إيران وروسيا.

بل إن الولايات المتحدة نفذت هذه التهديدات دون تمييز فيما يتعلق بجنسية الشركة أو قطاع العمل. وفي مرحلة أو أخرى وجدت شركات ألمانية وفرنسية وأسبانية وإيطالية وبريطانية وإماراتية وهندية وصينية بل وحتى شركات إسرائيلية نفسها تحت طائلة عقوبات أمريكية خلال حملة العقوبات ضد إيران.

وساعد الاعتناء البالغ في مساعي التطبيق على تخفيف بعض أشد التداعيات السلبية لتحركات الولايات المتحدة من أجل فرض عقوبات من جانب واحد.

لكن أحد أهم الدروس التي تم التغاضي عنها بشأن تجدد مساعي العقوبات الأمريكية من العقد الماضي هي أنه من الممكن الضغط على شركات وبنوك تتبع دولا صديقة أو حليفة مع الاحتفاظ بعلاقات تجارية جيدة في المجمل وتحمل عواقب دبلوماسية محدودة.

والسؤال الحقيقي هو إلى مدى يمكن أن تستمر هذه الاستراتيجية وتحافظ على فاعليتها دون أن يكون لها تداعيات سلبية على الولايات المتحدة نفسها.

وهناك خطر حقيقي في أن يؤدي الإفراط في استخدام الولايات المتحدة لسلطة العقوبات في رد فعل سلبي ضدها. وفي ورقة بحثية جديدة نشرها مركز سياسة الطاقة الدولي بجامعة كولومبيا أشارت إلى أنه بسبب التوجهات الاقتصادية العالمية فإن الاحباط من نفوذ الولايات المتحدة على الحكومات والأسواق الأجنبية والاستياء من استعراض واشنطن لقوتها في عدد من المجالات الاقتصادية الدولية قد يؤدي إلى تقويض قدرة الولايات المتحدة على إملاء شروطها من خلال إدارة الاقتصاد.

وعلاوة على ذلك قد تشجع فعالية العقوبات الأمريكية وتركيزها على شركات وبنوك منفردة دولا أخرى على بحث أساليب ضغط مشابهة على شركات وبنوك أمريكية في المستقبل. ولا تزال الأعمال الأمريكية في الخارج جزءا مهما من ميزان حسابنا الجاري. وهكذا يمكن أن يكون لتهديد أنشطتنا في الخارج تأثير على الاقتصاد الأمريكي بأسره وقد يضع شركاتنا التي تعمل في الخارج في ورطة حقيقية.

ولا تعني هذه الاعتبارات أنه ينبغي على الولايات المتحدة الكف عن إدارة الاقتصاد أو تطبيق العقوبات. إن العقوبات أداة مشروعة لها قيمة دبلوماسية حقيقية. لكن من المنطقي التفكير فيما إذا كانت العقوبات هي الأداة الأفضل في كل الظروف. يجب أن تبحث الولايات المتحدة عن سبل تجعل استخدام العقوبات أكثر شفافية ووضوحا للشركاء الأجانب والأعمال. وسيحسن هذا بدوره الفعالية الإجمالية لجهود العقوبات الأمريكية.

وإصلاح استخدام الولايات المتحدة للعقوبات سيتطلب عدة خطوات واعتبارات. يجب أن يبدأ بإدراك أن قوتنا الاقتصادية محدودة وأن تصرفاتنا فيما يتعلق بعدد من قضايا السياسة -من التجارة إلى العقوبات- يمكن أن تؤدي إلى تآكل وضعنا بمرور الوقت.

كما يجب أن تجري الولايات المتحدة التحليل الاقتصادي اللازم للتداعيات قصيرة وطويلة المدى للعقوبات الفردية بالإضافة إلى صافي تأثير كل برامج العقوبات الأمريكية. يجب أن يأخذ الإصلاح أيضا الحكومات الأخرى في عين الاعتبار: يجب أن نضمن عمل العقوبات بطريقة شفافة حتى يفهم اللاعبون الدوليون العقوبات ويتمكنوا من تنفيذها.

يجب أن تسعى الولايات المتحدة أيضا للتصدي لتصورات المحسوبية بإرساء الدقة في العملية وتكييف الأعمال الدولية مع الجهود الأمريكية. وسيكون من الحكمة أيضا بحث الأساليب الدولية للعقوبات على غرار الجهود الدولية للسيطرة على الأسلحة. ويجب أن تعمل الشركات الأمريكية التي تقوم بعمليات في الخارج الآن على تحديد نقاط ضعفها الحالية أمام مخاطر العقوبات في المستقبل أو التفكير في سبل حماية نفسها.

وبتعديل سياسات العقوبات فيها الآن قد يكون بمقدور الولايات المتحدة تغيير مسار ما يمكن أن يكون بيئة عمل دولية ضارة في المستقبل. وفي حين حققت العقوبات نتائج جيوسياسية مذهلة فإن ضبط النفس والإصلاح مهمان للحفاظ على قدرتنا على مواصلة استخدام العقوبات كأداة للسياسة الخارجية وتحسين فعاليتها.

 

* ريتشارد نفيو هو مدير برنامج إدارة الاقتصاد والعقوبات وأسواق الطاقة في مركز سياسة الطاقة الدولي. وقبل انضمامه إلى المركز في فبراير شباط 2015 كان نيفيو يشغل منصب النائب الأول لمنسق سياسة العقوبات في وزارة الخارجية الأمريكية منذ فبراير شباط 2013.

  كلمات مفتاحية

إيران روسيا الشركات البنوك السوق الأميركية العقوبات الاقتصادية الاتفاق النووي

«فاينانشيال تايمز»: دبي تستعد لتكون نقطة عبور للإيرانيين بعد رفع العقوبات

«أوباما»: عقوبات إيران ستخفف حتى لو رفضنا الاتفاق النووي

«روحاني»: لن نوقع اتفاقا نوويا نهائيا قبل رفع كامل العقوبات

التوصل لإطار اتفاق نووي يُنهي العقوبات على إيران مقابل تقييد أنشطة التخصيب

إيران تسعى لمضاعفة صادراتها النفطية في شهرين لدى رفع العقوبات

إيران تتراجع وتوافق علي تفتيش المواقع العسكرية «تحت إدارتها»

دول «5+1» تبحث سبل تطبيق العقوبات على إيران حال مخالفتها شروط الاتفاق النووي