محمد بن سلمان والنهج اللاعقلاني للسياسة الخارجية السعودية

الاثنين 15 أبريل 2019 01:04 م

في اجتماع للوزراء قبل قمة جامعة الدول العربية في تونس، في 31 مارس/آذار، أكد وزير الخارجية السعودي "إبراهيم العساف"، بشكل متوقع، أن إيران هي المصدر الرئيسي للتهديد الذي يواجه العرب، بينما كانت الدول الأعضاء تكافح من أجل رد فعل منسق على اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان.

وقال "العساف" إن "أحد أخطر أشكال الإرهاب والتطرف هو ما تمارسه إيران عبر تدخلها الصارخ في الشؤون العربية، وممارسات ميليشياتها والحرس الثوري في سوريا والعراق ولبنان واليمن، الأمر الذي يتطلب منا التعاون لمواجهته".

وجاءت هذه الأزمة بعد أيام قليلة من الذكرى الرابعة للتدخل بقيادة السعودية في اليمن، والتي بدأت في 26 مارس/آذار 2015، لإعادة الرئيس المخلوع "عبدربه منصور هادي" إلى السلطة.

وكان هذا النوع من المواقف العدائية سلوكا مستمرا للسياسة الخارجية السعودية منذ يناير/كانون الثاني 2016، عندما تم إشعال النار في السفارة السعودية في طهران من قبل مجموعة من المتشددين الذين تدعمهم الدولة، ردا على إعدام رجل الدين الشيعي البارز "نمر النمر". وقد تم قطع العلاقات الثنائية منذ ذلك الحين.

ويبدو أن عملية صنع القرار في السياسة الخارجية لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" مدفوعة بما يسمى "اللاعقلانية العقلانية"، التي تعطي الأولوية لسعيه للحصول على اعتراف دولي كقائد قوي وذكي، على حساب المصالح الوطنية السعودية.

إيران

وفي حين أن خصوم إيران الإقليميين، بقيادة المملكة العربية السعودية، يرون أن نفوذها المتنامي مزعزع للاستقرار، إلا أنه كثيرا ما يتم تجاهل أن طهران قدمت مبادرات متكررة للتقارب مع الرياض، ولم يفعل القادة السعوديون شيئا سوى الرفض.

وبالنظر إلى وعد "بن سلمان"، في مقابلة تم إجراؤها معه في مايو/أيار 2017، بـ "نقل المعركة داخل إيران"، يُعتقد أيضا أن الرياض تقف وراء الأنشطة المسلحة لجماعات متطرفة أو انفصالية في جميع أنحاء إيران.

ومن هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في يونيو/حزيران 2017 في طهران، إلى هجوم "الأحواز" في سبتمبر/أيلول 2018، وصولا إلى الهجوم الانتحاري بسيارة مفخخة ضد قافلة من الحرس الثوري في فبراير/شباط 2019، أشارت السلطات الإيرانية دائما بإصبع الشك إلى السعوديين.

وحتى في أعقاب مقتل "جمال خاشقجي"، في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2018، ووسط الاحتجاج الدولي على تورط "بن سلمان"، ظلت الجمهورية الإسلامية صامتة بشأن الأمر، على أمل تخفيف الموقف السعودي المعادي في العلاقات الثنائية. لكن كان الرد بقيام السعودية والبحرين بوضع الحرس الثوري على قائمتهم لـ "المنظمات الإرهابية"، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ويعد هذا العداء المستمر غير عقلاني، لأنه يثير نزعة عكسية مماثلة، ويخلق دوامة من العداء تهدد المصالح الوطنية لكلا الجانبين.

وفي خطاب غير مسبوق تقريبا ضد الرياض، وصف المرشد الأعلى الإيراني "آية الله خامنئي" السعودية بأنها "أسوأ دولة في المنطقة وربما في العالم"، مهددا بأنه إذا قاموا ببناء قدرة نووية بمساعدة أمريكية، "فسوف تقابل بتصعيد كبير"، مما يشير إلى أن طهران لديها القدرة على المدى الطويل على تمكين متمردي الحوثي في ​​اليمن من أن يصبحوا قوة هجومية قد تأخذ القتال بالمثل إلى داخل الأراضي السعودية.

وهناك حالات أخرى من "اللاعقلانية العقلانية" في سلوك السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية في عهد "بن سلمان".

اليمن

لم يقتل التدخل العسكري المتواصل في اليمن من قبل السعودية وحلفائها فقط عشرات الآلاف من الناس، فضلا عن جعل أفقر دول العالم العربي على شفا المجاعة، بل إنه كبد الرياض أيضا تكاليف اقتصادية، ودمر سمعتها بشكل هائل. ومع ذلك، يعتقد معظم المراقبين أن التدخل قد فشل "في كل إجراء تقريبا"، واتضح في النهاية أنه "كارثي". علاوة على ذلك، لا توجد علامة واقعية على أن الاستمرار في الحملة العسكرية سيؤدي إلى نصر حاسم أو نسبي على المدى الطويل، ناهيك عن المستقبل القريب.

وتشير التقديرات إلى أن الحرب تكلف المملكة ما لا يقل عن 200 مليون دولار يوميا، أو ما بين 5 إلى 6 مليارات دولار شهريا، مما يجهد ميزانية الحكومة التي تعاني من ضائقة مالية في الوقت الذي يسعى فيه "بن سلمان" إلى وضع خطط طموحة للتنمية الاقتصادية والتنويع بموجب "رؤية 2030".

وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، "ديفيد بيسلي"، في سبتمبر/أيلول 2018: "إن اليمن بلا شك هي أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ وقت طويل".

ووفقا لمصادر الأمم المتحدة، يموت طفل يمني لم يبلغ 5 أعوام كل 10 دقائق، بسبب أمور مرتبطة بالحرب، والتي كان من الممكن الوقاية منها بالكامل، بينما يحتاج أكثر من 24 مليون يمني إلى المساعدة الإنسانية، وهناك أكثر من 14 مليون شخص معرضون لخطر المجاعة، أي بزيادة قدرها 27% منذ العام الماضي.

وفي حين لا ينبغي تجاهل التواطؤ الإيراني، المباشر أو غير المباشر، في الكارثة، فقد استهدف التحالف الذي تقوده السعودية بشكل عشوائي البنية التحتية المدنية والاقتصاد اليمني خلال الحرب، ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه الجاني الرئيسي.

ودفعت طهران المتمردين الحوثيين لإخلاء مدينة "الحديدة" الساحلية الغربية، بوابة معظم المساعدات الغذائية الدولية المرسلة إلى اليمن، كجزء من هدنة ترعاها الأمم المتحدة في "ستوكهولم"، في ديسمبر/كانون الأول، على أمل أن يمهد ذلك الطريق لتسوية سلمية أوسع.

وأثرت الحملة في اليمن، التي لا يمكن الدفاع عنها أخلاقيا، أيضا على التحالف السعودي الأمريكي، مما أدى إلى استفزاز مجلس الشيوخ بقيادة الجمهوريين، والآن مجلس النواب الذي يقوده الديمقراطيون، لإصدار قرار غير مسبوق باستخدام صلاحيات الحرب لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة لإنهاء الدعم الأمريكي للتدخل العسكري. ومن المتوقع أن يستخدم الرئيس "ترامب" حق النقض (الفيتو).

ويبدو أن ولي العهد "بن سلمان" يخشى أن يؤدي التراجع في الحرب إلى تشويه صورته وسلطته في الداخل، وبين الحلفاء، وأن يوصم بأنه قائد غير حكيم وغير كفء. ويتعارض هذا بالطبع مع جهوده لإظهار نفسه كمصلح بطولي وتاريخي للمملكة العربية السعودية.

قطر

وتمثل قطر مثالا آخر على "اللاعقلانية السياسية" لـ "بن سلمان" في صنع القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية، حيث يسعى حثيثا لسياسة مضللة ومضرة تأتي بنتائج عكسية في محاولة لخدمة أهدافه الشخصية التي تقوض المصالح الجماعية لبلاده.

وبدأ الحصار الشامل لقطر في يونيو/حزيران 2017، لمعاقبة الدوحة على دعمها المزعوم للإرهاب، وعلاقاتها الوثيقة مع إيران، وقد فشل ذلك في تغيير سلوك الدوحة، أو أن يجعلها تتماشى مع مواقف الكتلة السنية التي تقودها السعودية.

ولا تعد قطر حليفا أو صديقا حميما للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن من وجهة نظر عقلانية تماما، أدى الحصار الذي تقوده السعودية إلى تعقيد خطط إدارة "ترامب" لتشكيل تحالف إقليمي ضد إيران.

ومثل اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في إسطنبول، واختطاف رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" وإجباره على إعلان استقالته من الرياض، مثلا محاولتين فاشلتين من قبل "بن سلمان" لتعزيز سلطته وإبراز قبضته القوية على السلطة.

ويمكن ملاحظة أثر هذا السعي لاحتكار القرارات والجهود، في اعتقال ومحاكمة الناشطات في مجال حقوق المرأة، مثل "لجين الهذلول"، قبل فترة وجيزة من رفع "بن سلمان" الحظر المفروض على قيادة النساء في المملكة، وهي قضية كانت الناشطات المسجونات ينادين بها.

وفي أوائل مارس/آذار، ظهرت تقارير عن نوايا ولي العهد الشاب القيام يتحرك ضد والده الملك "سلمان"، بينما كان الأخير يقوم بزيارة رسمية لمصر في أواخر فبراير/شباط. وزعمت التقارير الملك جرد نجله من بعض السلطات في أعقاب فضيحة "خاشقجي".

ومن المرجح أن تستمر "لاعقلانية" ولي العهد السعودي في صنع القرارات المتعلقة بالسياسة الداخلية والخارجية محدودة ظاهريا حتى يشعر الأمير الشاب بالأمان كحاكم غير متنازع عليه للمملكة وسط التحديات أمام محاولته لخلافة العرش.

المصدر | ميسم بهرافيش - إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية