ناشيونال إنترست: التنافس السعودي الإيراني يشتعل في العراق

الأربعاء 17 أبريل 2019 04:04 ص

على المتشككين - الذين تساءلوا ما إذا كانت المبادرات السعودية الواضحة خلال العام ونصف العام الماضي لتحسين العلاقات الثنائية مع العراق سوف تؤتي ثمارها، بعد 25 عاما من القطيعة - إعادة النظر في شكوكهم الآن.

وتنخرط المملكة العربية السعودية والعراق في سلسلة من الأنشطة التي تثبت أن كلا من الجانبين يبذل جهودا كافية لإقامة علاقات أقوى.

وقد افتتحت المملكة قنصلية في بغداد في 4 أبريل/نيسان.

ولعل الهدية الأكثر أهمية من الناحية الجيوسياسية حتى الآن من قبل السعوديين هي الوعد بتوصيل العراق بالشبكة الكهربائية السعودية، كجزء من مشروع استثماري سعودي.

ووصل رئيس الوزراء العراق "عادل عبدالمهدي" إلى المملكة اليوم 17 أبريل/نيسان.

وتتنقل الوفود التجارية ذهابا وإيابا بين البلدين.

ولدى الحكومة العراقية، التي يهيمن عليها الشيعة، الكثير لتكسبه عبر تطوير علاقات أفضل مع المملكة التي يحكمها السنة.

وعلى الرغم من المعارضة الداخلية المتزايدة للتدخل الإيراني، فقد لا تتمكن بغداد من تقليص القوة العسكرية لطهران داخل العراق، ومع ذلك، قد تساعد السعودية وحلفاؤها العرب في تقليل اعتماد العراق الاقتصادي على إيران.

وبالنسبة للشرق الأوسط، الذي غمرته أخيرا الحروب الطائفية في سوريا والعراق بين الشيعة والسنة، يعد التقارب الناشئ علامة مهمة بشكل خاص على أن العوامل الجيوسياسية تتفوق في أهميتها على العوامل الطائفية.

وتدرك المملكة العربية السعودية أن الاستراتيجية الأكثر حكمة للتنافس مع إيران في العراق هي من خلال الاعتماد على العلاقات الاقتصادية، وليس العسكرية أو السياسية.

وقال "ضياء الأسدي"، وهو سياسي وأكاديمي عراقي، في مقابلة: "أظهر الجانب السعودي مؤخرا مرونة وفهما كبيرين للتحولات السياسية التي تحدث في العراق والمنطقة".

وعلى افتراض تنفيذ التعهد السعودي بتوفير الكهرباء، وكذلك الغاز الطبيعي، قريبا، فسوف يكون العراقيون قادرين على تجنب عدد من الأزمات.

وتنتشر أزمة انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد، لكنها شديدة بشكل خاص في الجنوب وفي مدينة "البصرة" ذات الأغلبية الشيعية القريبة من الحدود السعودية.

ويعد نقص الكهرباء مصدرا رئيسيا لاستياء العراقيين من حكومتهم، حيث يحملون الفساد وسوء الإدارة مسؤولية الانقطاع المتكرر للكهرباء.

وقد استمرت المظاهرات في "البصرة" منذ النقص في الكهرباء في الصيف الماضي، عندما قامت إيران، وهي المورد الرئيسي في المدينة وعبر العراق، بقطع الكهرباء بشكل غير متوقع.

ويستعد المسؤولون العراقيون لصيف حار آخر من الاحتجاجات التي من المحتمل أن تكون أسوأ من العام الماضي، لأن بعض الناشطين في البصرة أصبحوا أكثر تشددا من الماضي.

حبل دقيق

وتسير الحكومة الجديدة في بغداد على حبل دقيق بين استرضاء إيران، وسيط القوة المسيطر في العراق، والاستفادة من الفرص الجديدة من دول الخليج العربي، مثل السعودية.

ويفتخر الرئيس الإيراني "حسن روحاني" بأن الصادرات الإيرانية إلى العراق قد تزيد من 12 إلى 20 مليار دولار في عام 2019.

لكن هناك دعما عراقيا متزايدا للمساعدة السعودية كقوة موازنة اقتصادية أمام إيران، وتتفق حتى تلك النخب السياسية العراقية التي لا تعارض بشدة بصمة إيران العميقة في بلادهم، على أن طهران أصبحت مهيمنة للغاية منذ أن تمت إعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وهذا لأن اعتماد إيران الاقتصادي على العراق يزداد مع التعثر في الأسواق الأوروبية وغيرها من الأسواق العالمية.

وبالنسبة للسعودية، فإن معالجة غيابها السابق على الساحة العراقية له أهمية حيوية، ليس فقط بسبب سيطرة إيران المتزايدة على دولة مجاورة، ولكن أيضا بسبب المشاركة السعودية في الجهود المبذولة لمنع عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" من جديد.

وبالنسبة للمملكة، لا يعتبر تنظيم "الدولة" تهديدا أمنيا بحد ذاته فحسب، بل هو ذريعة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، والتي تعمل خارج كل من سيطرة القوات المسلحة العراقية وحكومة بغداد، التي تسعى للحفاظ على استقلاليتها، وتشارك في الأنشطة العسكرية بالطريقة التي تراها. مناسبة.

وتحقيقا لهذه الغاية، يعمل السعوديون بنشاط على إشراك العرب السنة المحرومين في العراق، والذين استمد منهم تنظيم "الدولة" الكثير من دعمه في الماضي، ويشمل هذا القبائل في محافظة الأنبار العراقية، التي كانت نقطة الانطلاق للتمرد السني أثناء الاحتلال الأمريكي، وأيضا موطن "صحوة الأنبار"، التي أثبتت في النهاية أنها حيوية لهزيمة الولايات المتحدة لـ"القاعدة".

منافسة نشطة

ومع ذلك، على الرغم من الانتماءات القبلية التي تمتد عبر الحدود، تواجه قدرة الرياض على التأثير على المجتمع السني في العراق منافسة نشطة، ولكن من قبل دولة قطر الخليجية المنافسة لها.

لكن للسعودية فرصة أفضل للتأثير على النتائج السياسية بين الأغلبية الشيعية في العراق.

وأكد مسؤول سعودي بارز يعمل في العراق أن "هناك ثمارا للجهود السعودية في العراق، بما في ذلك العديد من الشيعة الذين أصبحوا غير راضين بشكل متزايد عن الواقع السياسي المدعوم من إيران".

وقد تشمل قائمة المستائين، الضباط الشيعة في الجيش العراقي، الذين سئموا من رعاية إيران للميليشيات التي تقوض سلطتهم.

وحتى بين هذه الميليشيات، هناك فرص للسعودية، بالنظر إلى الطبيعة الهشة لسياسات بغداد، وبسبب بعض الصعوبات التي تواجهها إيران في إدارة السياسيين العراقيين.

على سبيل المثال، لا يزال رجل الدين المعارض "مقتدى الصدر"، الذي يمتلك قوة شبه عسكرية، يصر على النأي بنفسه عن إيران، وقد قام بزيارة تاريخية للمملكة العربية السعودية في يوليو/تموز 2017. ولدى "الصدر" القدرة على لعب دور صانع الملوك أو صانع الثوار.

وعلى الرغم من أنه متقلب ولا يمكن التنبؤ به، ترى الرياض الآن أنه عقبة مفيدة أمام الهيمنة الإيرانية.

وكان "الصدر" قد دعا لمغادرة جميع "المتطفلين الأجانب"، وتحديدا إيران والولايات المتحدة، للعراق، لكن مصادر عراقية تقول إن "الصدر"، المتقلب أحيانا، لا يجب الوثوق به، وأن على السعوديين أن يجدوا حلفاء شيعة آخرين أكثر موثوقية.

ويعد الخيار الأكثر منطقية هنا هو "آية الله علي السيستاني"، المعارض القوي للتدخل الإيراني في العراق.

وفي الواقع، عندما زار الرئيس الإيراني "حسن روحاني" العراق في شهر مارس/آذار، كان النقد العلني الوحيد الذي تلقاه هو من "السيستاني"، الذي أصدر بيانا أكد فيه أنه أخبر "روحاني" أن إيران يجب أن تحترم السيادة العراقية.

ومع ذلك، تكمن معضلة "السيستاني"، الذي يعتبر أقوى شخصية عراقية مقاومة لطهران، في حقيقة أن أي لفتات مباشرة يقوم بها تجاه السعوديين، حتى على انفراد، محفوفة بالمخاطر السياسية بالنسبة له، فمع وجود الملايين من أتباعه من الشيعة، لا يمكن لـ "السيستاني" تبني علاقة مع بلد يروج رجال الدين الرسميين فيه لحملات مناهضة للشيعة.

لكن المملكة تتبنى اليوم مقاربة أكثر براغماتية، حيث يتوق كبار المسؤولين لمساعدة "السيستاني"، والزعماء الشيعة الآخرين، للتمتع بهامش استقلال عن إيران.

وعلى الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح كيف يمكن تعزيز هذه العلاقة في ضوء الحساسيات القائمة، إلا أنه من الآمن القول إن كلا الجانبين يدركان الآن مصالحهما المشتركة ولديهما رغبة في التعاون.

وفي حين أن المملكة من الناحية الواقعية لا يمكنها عكس الهيمنة الإيرانية بالكامل على العراق في أي وقت قريب، فقد وضعت زيارة "عبدالمهدي" إلى المملكة والاستثمارات والمساعدات السعودية المرتقبة العلاقة بين البلدين على قدم المساواة مع العلاقة بطهران.

إضافة إلى ذلك، سوف تمكن مشاريع التنمية الاقتصادية في العراق، والمساعدات المالية، من جعل العراق أقوى وأكثر استقرارا وأكثر استقلالية، وهو أمر يعارضه الإيرانيون.

وبالنسبة لإيران، التي تريد عراقا لا يكون ضعيفا جدا لدرجة الانهيار، لكن ليس قويا جدا لدرجة تمكنه من تحدي إيران، فإن غزوات المملكة العربية السعودية في الاقتصاد العراقي تشكل عائقا خطيرا.

ومع ذلك، كما أشارت المصادر العراقية، سوف يستغرق الغزو السعودي بعض الوقت ليأتي بثماره.

وقد قال "الأسدي"، السياسي العراقي: "ما زال الطريق طويلا حتى تنجح المملكة العربية السعودية في تغيير الصورة النمطية، وأن تصبح فعالة ومؤثرة في بيئتها الإقليمية".

المصدر | ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية