العقوبات الأمريكية.. كيف ستؤثر على مستقبل علاقات الطاقة بين تركيا وإيران؟

الخميس 18 أبريل 2019 01:04 م

على الورق، يجب أن تكون تركيا وإيران شريكين طبيعيين عندما يتعلق الأمر بالطاقة. فمن ناحية، فإن تركيا لديها طلب متزايد على النفط والغاز وتفتقر إلى موارد محلية كبيرة، مما يجعلها تعتمد بدرجة كبيرة على الواردات ومن ناحية أخرى، تمتلك إيران احتياطيات هائلة من الهيدروكربونات - رابع أكبر احتياطي للنفط في العالم وثاني أكبر احتياطي للغاز - وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ولكن في الواقع، تبدو الأمور أكثر تعقيدا، حيث لا تخلو علاقات الطاقة بين البلدين من التحديات، وأهمها العقوبات الأمريكية على إيران والنزاعات حول التسعير، على الرغم من أن هناك أيضا فرصة قوية لمزيد من التعاون مع جهود تركيا كي تصبح مركزا إقليميا للطاقة.

في الوقت الحاضر، تعد إيران واحدة من أكبر موردي تركيا للنفط والغاز. وفقا لأرقام هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية (EMRA)، اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2019، كانت إيران ثالث أكبر مصدر للواردات النفطية لتركيا من حيث الحجم، حيث تمثل 12.35% من إجمالي الواردات، خلف العراق (23.5%) وروسيا (15%) كما كانت ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي في تركيا، بنسبة تزيد قليلا عن 14%، بعد روسيا (31.6%) وبفارق ضئيل عن أذربيجان (13.9%) والجزائر (12%).

العقوبات الامريكية

وشكل إعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران في أكتوبر/تشرين الأول 2018 عقبة فورية وواضحة لعلاقات الطاقة التركية الإيرانية. وفي أعقاب الخطوة الأمريكية، انخفضت مشتريات تركيا من النفط الخام الإيراني إلى الصفر، وفقا للتقارير الإخبارية، ومع ذلك، فقد عادت مرة أخرى حيث كانت تركيا واحدة من ثماني دول حصلت على استثناء مؤقت عن العقوبات مما مكنها من الاستمرار في شراء الخام الإيراني لفترة زمنية محدودة، بشرط أن تعمل على تخفيض وارداتها من النفط الإيراني وإيجاد موردين بديلين. وتم تحديد حد زمني للإعفاءات ينتهي في مايو/أيار الحالي، ومن الواضح أن إدارة "ترامب" لا ترغب في تمديده لذا فإن أرقام الواردت النركية من إيران تتجه إلى الانخفاض بوضوح، ووفقا لأرقام هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية، فقد انخفض الوارد بمقدار النصف تقريبا من يناير/كانون الثاني 2018 إلى يناير/كانون الثاني 2019، من 22% من إجمالي الواردات إلى 12.35%.

نزاع التسعير

كان التسعير منذ فترة طويلة نقطة خلاف بين تركيا وإيران عندما يتعلق الأمر بالطاقة. بموجب اتفاقية مدتها 25 عاما تم توقيعها في عام 2001، تصدر إيران 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا إلى تركيا بسعر 507 دولار لكل ألف متر مكعب. وقد اعترضت تركيا في البداية على أسعار إيران في عام 2009، عندما قالت إنها باهظة الثمن وطالبت بخصم. بعد فترة وجيزة، منحت محكمة التحكيم تركيا خصم 12.5% على السعر الأصلي. في عام 2012، اتخذت تركيا إجراءات ضد إيران مرة أخرى، حيث رفعت دعوى قضائية ضد مبيعات الغاز، وفي عام 2016، قضت محكمة التحكيم الدولية لصالح تركيا مرة أخرى. وبعد مراجعة القضية، أمرت المحكمة إيران بتخفيض أسعار الغاز بنسبة 13.3% بحلول نهاية عام 2016 ودفع 1.9 مليارات دولار كتعويض لتركيا بسبب السعر الزائد.

وتعد أسعار الغاز في إيران أعلى بالفعل من أسعار منافسيها، أذربيجان وروسيا، مما يجعل من غير المحتمل أن تتمكن إيران من الحفاظ على حصتها من سوق الطاقة في تركيا ما لم تتخذ إجراءات لتخفيض الشعر. ومن المقرر أن ينتهي عقد الغاز الطبيعي الحالي بين البلدين في عام 2026، وتخطط تركيا لبناء بنية تحتية لزيادة الواردات من أذربيجان وروسيا في مناطق البلاد التي تستهلك الغاز الإيراني بشكل أساسي في الوقت الحالي. بالنظر إلى هذه العوامل، إذا أرادت إيران الحفاظ على دورها كمصدر رئيسي للغاز الطبيعي إلى تركيا وتمديد العقد الحالي بعد عام 2026، فسوف تحتاج إلى تقديم خصومات إضافية أو حوافز أخرى.

مركز إقليمي للطاقة

تتمثل إحدى الفرص المحتملة الرئيسية لتوثيق التعاون بين البلدين في طموحات تركيا في أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة عبر تعزيز خطوط الأنابيب في البلاد لتكون بمثابة ممر للطاقة بين الدول الغنية بالنفط والغاز في آسيا الوسطى والشرق والدول المستهلكة في أوروبا. إذا تمكنت تركيا من إنشاء البنية التحتية المطلوبة وتحرير سوق الطاقة لديها، فقد يكون هذا الهدف ممكنا، وقد تساعد واردات الطاقة من إيران على تحقيق هذا الهدف.

وتمشيا مع هدفها الأوسع المتمثل في أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة، تعمل تركيا على تنويع إمداداتها من النفط والغاز كجزء أساسي من سياسة الطاقة. في الوقت الحاضر، تخطط البلاد لاستيراد المزيد من الغاز الطبيعي من خلال مشاريع مثل السيل التركي، وهو خط أنابيب للغاز في البحر يمتد من روسيا إلى تركيا. ويلعب الغاز الطبيعي المسال (LNG)، القادم بشكل أساسي من قطر والولايات المتحدة، دورا متزايدا في سوق الطاقة التركي حيث قفزت الواردات من الغاز المسال من الصفر إلى ما يقرب من 8% من إجمتلي واردات الغاز التركية خلال عام 2018 فقط، وفقا لأرقام هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية.

من الناحية النظرية، يمكن أن تلعب إيران دورا أكبر هنا، لكن زيادة حجم صادرات الغاز الإيراني لبيعها إلى دول أخرى لن يكون ذلك بالأمر السهل. تحتاج إيران إلى تكنولوجيا وتمويل أجنبي لزيادة إنتاجها، ولكن العقوبات الأمريكية من المرجح أن تعوق ذلك حتى تتمكن إيران من حل مشكلاتها مع الغرب بشأن برنامجها النووي، وتجارب الصواريخ، وقضايا حقوق الإنسان. بالإضافة إلى معالجة مشاكلها الجيوسياسية، تحتاج إيران أيضا إلى إطار قانوني يساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية. وبدون شركات الطاقة الأجنبية ورأس المال الأجنبي، لن تكون إيران قادرة على إنتاج المزيد من النفط والغاز للتصدير. وسوف تحتاج طهران أيضا إلى معالجة مسألة الموثوقية، والتي كانت منذ فترة طويلة مشكلة في صادرات الغاز الإيراني. وإذا كان للبلد أن يلعب دورا أكبر كمورد، فيجب عليه ضمان عدم خفض تدفق الغاز، خاصة في فصل الشتاء.

على الرغم من قربهما وتكاملهما كمنتج ومستهلك، تواجه إيران وتركيا عقبات كبيرة، إن لم تكن مستعصية، على توثيق التعاون في مجال الطاقة وإذا تمكنا من التغلب على التحديات المرتبطة بالعقوبات الأمريكية والتسعير والاستفادة من الفرص التي تتيحها الجهود التركية لتصبح مركزا إقليميا للطاقة، فقد يتمكن الاثنان أخيرا من الاستفادة القصوى مما ينبغي أن يكون شراكة طبيعية بين البلدين.

المصدر | أوميد شكري - معهد الشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية