صفقة إس-400.. هل هي بداية تحالف كبير بين تركيا وروسيا؟

الأحد 21 أبريل 2019 12:04 م

خلال العام الماضي، أشار العديد من المراقبين إلى أن روسيا وتركيا يبدو أنهما يضعان خلافاتهما التاريخية جانباً ويبنيان تحالفًا غير مرجح، لكنه مفيد للطرفين.

وكدليل على ذلك، فإنهم يشيرون إلى موافقة روسيا الضمنية على العمليات التركية ضد الميليشيات الكردية في شمال سوريا، وتعاون البلدين في إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب، وتحدي تركيا المستمر للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في متابعة مشترياتها لأنظمة الدفاع الصاروخي الروسية من طراز "إس-400".

لكن هذه المظاهر قد تكون خادعة فلا يزال هناك عدد لا يحصى من القضايا العالقة بين البلدين، وآخرها دعمهما لأطراف متصارعة في الحرب السورية.

وتتطلب التحالفات مصالح مشتركة وليس فقط فرصا للتعاون المؤقت ويبقى الأهم هو التقارب طويل الأجل حول القضايا ذات الأهمية الحيوية.

لذلك، يتطلب تشكيل تحالفات جديدة بين الدول تبني مصالح جديدة أو على الأقل استراتيجيات جديدة لمتابعة المصالح القائمة.

 وفي حالة روسيا وتركيا، هناك أدلة قليلة على حدوث ذلك.

تاريخ الصراع

تمتد المنافسة الروسية التركية إلى قرون مضت، على سبيل المثال، عندما كانت الإمبراطورية الروسية توسع نطاقها بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر، فإنها فعلت ذلك على حساب الإمبراطورية العثمانية.

خلال هذه الفترة، يكشف العدد الهائل من النزاعات التي دخل فيها البلدان ضد بعضهما البعض مدى التنافس بينهما وهي تشمل حملة بحر آزوف أثناء الحرب الروسية التركية في الفترة ما بين عامي 1695 و 1696، وحملة نهر بروث من 1710 إلى 1711 (جزء من الحرب الشمالية العظمى بين روسيا والسويد)، والحرب الروسية التركية من 1735إلى 1739، والحرب من 1768إلى 1774، والحرب من 1787 إلى 1892، والحرب من 1806 إلى 1812، والحرب من 1828 إلى 1829، وحرب القرم من 1853 إلى 1856، والحرب الروسية التركية من 1877 إلى 1878، إضافة إلى الحرب العالمية الأولى والحرب الباردة.

واليوم، تبدو علاقتهما معقدة كما كانت دائما رغم تعاوم أنقرة وموسكو على بعض الجبهات، بما في ذلك محادثات السلام في أستانا وإنشاء مناطق لخفض التصعيد في سوريا.

وتعتمد تركيا اعتمادًا كبيرًا على روسيا في إمدادات الغاز الطبيعي (أكثر من 50% منها تأتي من روسيا) وتربط بين البلدين علاقات تجارية وسياحية متنامية.

لكن هذا ليس جديدا فعلى مر التاريخ، وجدت روسيا وتركيا وسائل لتطوير العلاقات الاقتصادية على الرغم من النزاعات المتكررة.

على سبيل المثال، في معاهدة كيتشوك كاينارجي التي أنهت الحرب الروسية التركية بين عامي 1768 و1774، اكتسبت روسيا حقوق الشحن التجارية في جميع أنحاء البحر الأسود بالإضافة إلى سهولة الوصول إلى التجارة في الإمبراطورية العثمانية.

ولكن على الرغم من حقيقة أن البلدين قد توصلا إلى تسوية بشأن بعض القضايا، لكن اهتماماتهما لا تزال متباعدة حول نقطتين جيوسياسيتين رئيسيتين: النقطة الأولى هي البحر الأسود حيث تنافست روسيا وتركيا منذ زمن طويل على مضيقي البوسفور والدردنيل وهما ممران ضيقان يربطان البحر الأسود بالبحر الأبيض المتوسط.

وقد كان البوسفور على وجه الخصوص نقطة خلاف محتدمة حيث تسيطر تركيا على الممر المائي، وتخشى روسيا منذ فترة طويلة أن تمنعها تركيا من الوصول إليه.

بالإضافة إلى ذلك، منذ أن استولت روسيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014، رفضت تركيا الاعتراف بشبه الجزيرة كجزء من روسيا، معتقدة أن تواجد موسكو الموسع في البحر الأسود يمكن أن يشكل تهديدا أمنيا.

النقطة الثانية للخلاف هي القوقاز، وإذا وقعت الجبال الضيقة جنوب القوقاز في أيدي خصوم روسيا، فإن ذلك يمكن أن يهدد شمال القوقاز وبالتالي قلب روسيا.

وهكذا، حاولت روسيا إبقاء القوى الأجنبية الأخرى خارج المنطقة، وهي تحتفظ بقاعدة عسكرية في أرمينيا، على سبيل المثال، لردع الغزو التركي لجنوب القوقاز، والذي حدث سابقا أثناء نزاع ناغورنو كاراباخ في أوائل التسعينيات.

ورداً على ذلك، تمركزت قوات روسيا الخاصة على طول الحدود الأرمنية التركية، مهددة بإشعال صراع روسي تركي آخر بعد سنوات قليلة فقط من نهاية الحرب الباردة.

ولدى روسيا هدف أوسع في أرمينيا وهو منع اتحاد الشعوب التركية في تركيا وأذربيجان، ما قد يؤدي إلى تتغيير التوازن في جنوب القوقاز.

ثم هناك الشرق الأوسط، في هذه المنطقة، اصطدمت المصالح الروسية والتركية مؤخرًا بسبب دعمهما لأطراف متعارضة في الحرب السورية.

ومنذ بداية النزاع، دعمت تركيا مختلف الجماعات المعارضة في قتالها ضد "بشار الأسد"، الذي تعد موسكو من بين كبار داعميه.

 وبينما تسيطر تركيا اليوم على أجزاء من شمال سوريا، يجد وكلاؤها أنفسهم إلى حد كبير في الجانب الخاسر من الحرب، وبمساعدة روسيا، كان "الأسد" قادرًا على استعادة جزء كبير من الأراضي من وكلاء تركيا باستثناء بعض الجيوب الصغيرة في محافظة إدلب التي لا تزال محاطة بالقوات الموالية للحكومة والقوات الكردية.

وتستمر تركيا في دعم هذه الجماعات في إدلب، لكنها خسرت الحرب بالوكالة ضد روسيا، ما أوضح أن البلدين بعيدان عن تشكيل تحالف مع بعضهما البعض.

تدخلت تركيا أيضًا في يناير/كانون الثاني 2018 في محافظة عفرين، لكن تلك العملية استهدفت الأكراد السوريين، وليس القوات الحكومية.

وفي هذه المرة، تجاهلت روسيا فعليا عملية القوات الجوية التركية، كما فعلت الولايات المتحدة، والتي صرحت علنًا بأنها لا تدعم وحدات حماية الشعب الكردي المتمركزة في تلك المقاطعة.

لكن تركيا تريد وضع المزيد من شمال سوريا تحت سيطرتها، بينما تفضل روسيا أن ترى هذه الأرض تعود إلى سيطرة الحكومة من خلال تسوية سياسية بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة في دمشق.

صفقة "إس-400"

وبالنظر إلى تاريخ الصراع والمنافسة بين البلدين، لماذا تريد تركيا شراء أنظمة الدفاع الصاروخي "إس-400" من روسيا والمخاطرة بتعريض علاقاتها مع الحلفاء الغربيين للخطر؟

تكمن الإجابة جزئياً في علاقة تركيا السابقة غير المستقرة بالولايات المتحدة.

وانضمت تركيا إلى الناتو في عام 1952، كمكون أساسي في خط الاحتواء الغربي، ولكن بعد الغزو التركي لقبرص في عام 1974، والذي أدى إلى إنشاء جمهورية شمال قبرص التركية، فرضت الولايات المتحدة حظراً على الأسلحة ضد تركيا، وردت أنقرة بمنع وصول الولايات المتحدة إلى القواعد العسكرية على الأراضي التركية.

كان الدرس الرئيسي لتركيا في كل هذا هو أنها لا تستطيع الاعتماد على الدول الأجنبية لتزويدها بالأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها، ومنذ الثمانينات، بذلت تركيا جهودًا متضافرة لتطوير صناعتها العسكرية المحلية.

ولكن لا تزال تركيا بحاجة إلى استيراد بعض التقنيات حتى تتمكن من تطوير وإنتاج أنظمة الأسلحة والدفاع الخاصة بها، وكانت الولايات المتحدة تقاوم تبادل التكنولوجيا مع الأتراك.

وفي عامي 2013 و2017، قدمت تركيا عروضًا لشراء أنظمة الدفاع الجوي الأمريكية "باتريوت" ثم تحولت عنها لأنها لم تتضمن نقل التكنولوجيا، ثم قررت تركيا شراء منظومة "إتش كيو 9" المصنوعة في الصين، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انخفاض سعرها وأيضًا بسبب مكون نقل التكنولوجيا في الصفقة، لكن الولايات المتحدة تدخلت ومنعت تركيا من الحصول على المنظومة الصينية.

وقد وقعت تركيا اتفاقية "إس-400" الروسية بعد رفض عرض باتريوت مجددا، على الرغم من أن المنظومة الروسية كانت الخيار الأخير لتركيا عندما رفضت العروض السابقة.

وذكرت بعض المصادر أن أنقرة سوف تحصل على التكنولوجيا الروسية كجزء من الصفقة، وعلى الرغم من عدم نشر تفاصيل الاتفاقية نفت موسكو أن تتضمن الصفقة أي نقل لتقنية الصواريخ، لكن موقع "سبوتنيك" الإخباري الحكومي الروسي أفاد في يناير/كانون الثاني أن موسكو وعدت بالفعل أنقرة بكل من الإنتاج المشترك والوصول إلى التقنية.

لكن تركيا ربما كانت تستخدم الصفقة الروسية كوسيلة ضغط لمحاولة تأمين شروط أفضل مع واشنطن بشأن اتفاق باتريوت.

وقد أظهرت الولايات المتحدة في الماضي أنها مستعدة للتفاوض؛ ولكن ديسمبر/كانون الأول 2018، عادت واشنطن ورفضت الشروط التركية، وقال القائم بأعمال وزير الدفاع "باتريك شاناهان" في وقت سابق من هذا الشهر إنه يتوقع أن يتم حل المأزق مع تركيا بشأن طائرات "إف-35" وباتريوت، في إشارة إلى استمرار المفاوضات.

بالإضافة إلى ذلك، قام وزير الدفاع التركي "خلوصي أكار" برحلة غير معلنة مسبقا إلى واشنطن الأسبوع الماضي لمناقشة صفقة "إس-400"، أي بعد يوم من اجتماع وزير المالية "براءت ألبيرق"، صهر الرئيس "رجب طيب أردوغان"، مع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لمناقشة نفس القضية.

ومع ذلك، من المتوقع أن يتم تسليم "إس-400" في يوليو/تموز، وقد هددت الولايات المتحدة بمنع تركيا من شراء طائرات مقاتلة "إف-35" ومن المشاركة في إنتاجها إذا استمرت تركيا في الصفقة الروسية.

وقد يعيق الخلاف هذا التعاون بين الولايات المتحدة وتركيا على بعض المستويات، لكنه لا يعكس تحولًا استراتيجيًا تجاه روسيا، ومن الممكن تمامًا أن يكون هذا مجرد مثال لمحاولة قوة متوسطة اللعب بين القوى الكبرى للحصول على أفضل صفقة ممكنة، حتى لو لم تحصل تركيا على كل ما تريد، فعلى الأقل ستحصل على شيء.

وليس من الصعب معرفة السبب الذي يجعل تركيا تعطي الأولوية للدفاع الصاروخي على الطائرات الحربية؛ إنها تواجه تهديدات محتملة من إيران وسوريا، وكلاهما أطلق أو هدد بإطلاق صواريخ على تركيا في الماضي.

قد يكون الدفاع الجوي مفيدًا أيضًا في شرق البحر المتوسط، حيث تتنافس تركيا مع اليونان و(إسرائيل) وقبرص على موارد الغاز الطبيعي، وفي هذا الصراع، قد تُجبر قدرات البلدان الأقوى البلدان الأخرى على الحد من استكشافها للمنطقة ما سيساعد تركيا في تأمين احتياطيات الغاز الطبيعي في جميع أنحاء قبرص، ولا يمكن أن تعتمد تركيا على الناتو في هذه القدرات لأن اليونان عضو في الحلف أيضًا.

لا شك أن صفقة "إس-400" تعقد علاقة أنقرة مع واشنطن، لكن شراء تركيا للأنظمة الروسية، وحتى تعاونها مع موسكو في سوريا، لا يدل على إعادة تنظيم استراتيجية أوسع، إنه حل مناسب لمشكلة فورية ولا يجب تفسيره على أنه أي شيء آخر.

المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية