استفتاء أبوكرتونة.. لقب جديد للسيسي مع كل استحقاق انتخابي

الاثنين 22 أبريل 2019 10:04 ص

منذ عقود، برزت السخرية كأحد الأساليب المستخدمة لمقاومة الاستبداد بمختلف أنواعه، لاسيما الاستبداد السياسي، وارتبطت بشكل طردي مع زيادة انسداد أفق التعبير عن المعارضة والرأي بشكل عام.

ومع ظهور مواقع التواصل ومستخدمين لها من جيل جديد، باتت السخرية من النظام الحاكم حاليا في مصر أسلوبا مميزا و"جماهيريا"، نظرا لمدى قوة انتشار تلك المواقع، لاسيما بين أوساط الشباب الذين يشكلون أغلبية سكان البلاد حاليا.

ورغم محاولات النظام المصري التصدي لحملات السخرية التي انتشرت لتنال من رموزه، وعلى رأسهم رئيس النظام "عبدالفتاح السيسي"، استمرت تلك الأخيرة في طريقها، مدشنة شكلا "ضاحكا غاضبا" من المعارضة للرئيس الذي ساعد تلك الحملات باشتباكه مع واقع البلاد عبر خطابات وتصرفات كان جلها مثيرا للتندر بالفعل.

السبب السابق جعل أبرز الاشتباكات الساخرة موجهة لرأس النظام مباشرة، مستفيدة من إرث صغير للغاية وغير مسبوق من الحرية على النمط الغربي حصل عليه المصريون عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وهو النمط الذي لا يعترف بقدسية الهالة حول الرئيس باعتباره زعيما وأبا للشعب ورمزا للأمة، ويخضعه أحيانا إلى السخرية الشخصية بسبب أدائه وتصريحاته، أو حتى بسبب معارضة شرعيته من الأساس.

وبداية من "العرص" (مصطلح عامي مصري كان يطلق على الشخص القواد خلال فترة قديمة كانت فيها الدعارة مقننة في البلاد)، مرورا بـ"بلحة"، حاز الرئيس المصري على لقب جديد بين أوساط معارضيه، لاسيما من الشباب، وهو "أبوكرتونة"، بعد المشاهد الأخيرة لحشد مواطنين للتصويت بـ"نعم" في الاستفتاء الذي شهدته مصر على مدار الساعات الماضية لإقرار تعديلات دستورية من شأنها أن تمدد حكم "السيسي"  حتى عام 2030، علاوة على صياغتها دورا أكبر للجيش في الحياة السياسية.

انتخبوا الـ #

البداية كانت في عام 2014، عندما أعلن "السيسي" ترشحه في الانتخابات الرئاسية المصرية 2014، وذلك بالرغم من تعهد سابق له بعدم السعي لحكم مصر حتى لا يتم تفسير تحركه بالجيش ضد الرئيس المنتخب بعد ثورة 2011 "محمد مرسي" على أنه انقلاب عسكري من أجل السلطة.

ولأسابيع، تحولت عبارة "انتخبوا العرص" إلى حملة اجتاحت البلاد، ولقيت صدى كبيرا بين معارضي "السيسي" والناقمين على ما حدث في 3 يوليو/تموز 2013 وما بعده من أحداث، وبات الوسم الذي حمل نفس العبارة متصدرا تريند "تويتر" في مصر والعالم لفترات متقطعة، ولم تفلح معه محاولات مؤيدي النظام ومن يعرفون بـ"اللجان الإلكترونية" (مأجورون يدافعون عن النظام عبر مواقع التواصل وصفحات الأخبار والاستطلاعات) في التشويش عليه والإطاحة به خارج "الترند".

ولكثافة تداول اللقب بحق الرئيس المصري، بات البحث بكلمة "العرص" على محرك البحث الشهير "جوجل" يعطي نتائج عبارة عن صور وتصريحات ومقاطع فيديو للرئيس المصري، وأخذت الأمور طابعا شعبويا بانتشار اسم الحملة بشوارع البلاد.

وللتغلب على حرج نشأ بسبب المدلول الإباحي والمشين للكلمة المستخدمة بحق "السيسي" في المجتمع المصري، تبارى معارضون في محاولة تأصيلها لغويا، مبينين أنها تدل على صفة سيئة قد يتصف بها الإنسان وأنه لا ضير من استخدامها بحق "السيسي"، رغم الاستنكار الذي خلفته تلك الكلمة بين أوساط معارضين، لاسيما من الإسلاميين الذين رأى بعضهم أنه لا يجوز النزول إلى هذا المستوى في المعارضة، رغم الاتفاق على فكرتها من الأساس.

ورغم هذا، اختار قطاع من المعارضين استخدام علامة الهاشتاج (#) بدلا من تلك الكلمة لتفادي الحرج.

"بلحة"

"بلحة".. كان ذلك هو اللقب الثاني الذي لازم "السيسي" منذ نحو عامين من الآن، ويقال إن سبب إطلاق هذا اللقب عليه من المعارضين هو اعتبارهم أنه يشبه شخصية "بلحة" التي جسدها الممثل المصري "محمود عبدالعزيز" في فيلم "الدنيا على جناح يمامة"، والذي ظهر فيه الممثل بشخصية محتجز داخل مستشفى الأمراض النفسية والعقلية، ويحاول الخروج منها، مؤكدا أنه بكامل قواه العقلية، وأنه يعلم كل شيء، لكن من حوله يتعاملون معه على أنه مختل عقليا، وأطلقوا عليه "بلحة"، رغم أن اسمه الحقيقي هو "صابر".

سبب هذا الإسقاط، كما قال معارضون، هو عدة مواقف وتصريحات للرئيس المصري أمام كاميرات وسائل الإعلام المحلية والعالمية أظهرته بشكل يبدو فيه بلاهة وعدم فهم للواقع أو استخفاف به والتعامل مع الأمور بما لا يتناسب مع حقيقتها في أحيان كثيرة، حسب رأيهم.

 

 

وكالعادة، تدحرجت كرة الثلج وتضخمت، وانتشر المصطلح الجديد، لاسيما بعد انتخابات الرئاسة المصرية لعام 2018 والتي فاز فيها "السيسي" بفترة رئاسية جديدة، ليستخدمه هذه المرة شريحة أوسع من المصريين، بعد أن تزايدت رقعة المعارضة لـ"السيسي"، لأسباب متعددة، أبرزها سياساته الاقتصادية التي أدت إلى زيادات شرسة وغير مسبوقة للأسعار، وارتفاع نسبة التضخم بين المصريين، علاوة على تصاعد القمع وانسداد الأفق السياسي والتوسع في التنكيل لأتفه الأسباب في البلاد، وغيرها من الأسباب.

وسجل "بلحة" استخداما على نطاق واسع بين الشباب حتى غير المسيس أو المهتم بالشأن السياسي من الأساس، للأسباب الاقتصادية السابقة، بعد أن حاصرت سياسات الرئيس المصري المواطنين في تفاصيل معيشتهم اليومية.

وتسبب الزخم الذي أحدثه اللقب في اعتقال السلطات المصرية شابا بعد إنتاجه أغنية ساخرة من الرئيس باستخدام هذا اللقب، وطال الاعتقال أيضا كاتب كلمات هذه الأغنية.

 

 

وحضر "بلحة" بقوة أيضا عبر "جوجل"، ويمكنك أن تكتب الكلمة عبر محرك البحث وترى ماذا سيظهر لك الآن.

"أبوكرتونة"

وإذا كان "السيسي" قد دخل الاستفتاء وهو يحمل لقب "بلحة"، فإنه سيخرج منه وهو يحمل لقبا جديدا يتم تداوله حاليا عبر مواقع التواصل، وهو "أبوكرتونة"، بعد انتشار مشاهد حشد الناخبين للتصويت في الاستفتاء الذي شهدته مصر لتعديل الدستور أيام 20 و 21 و 22 أبريل/نيسان الجاري، مقابل كراتين مواد غذائية وتموينية، استغلالا لتراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب الغلاء وحاجتهم الكبيرة لتلك المواد، خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك.

المفارقة أن اللقب الجديد أيضا مستوحى من فيلم للممثل "محمود عبدالعزيز"، حمل اسم "أبوكرتونة" وجسد فيه "عبدالعزيز" شخصية عامل مخازن تمت ترقيته لمنصب عضو مجلس إدارة شركة كبرى للمنتجات الغذائية حتى يتم استغلال كونه لا يعرف شيئا عن الإدارة لارتكاب عمليات اختلاس واسعة.

ويبدو أن "السيسي" قد يقرر التنكيل بذوي الممثل المصري الراحل بعد أن تحولت أدواره السابقة إلى إسقاطات بأثر مستقبلي على الرئيس المصري، الذي قد يظل تحت نيران سخرية الشباب التي لا ترحم حتى عام 2030 أو إلى ما بعده.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية