ما الذي يعنيه تعليق إيران لالتزاماتها في الاتفاق النووي؟

الأربعاء 24 أبريل 2019 02:04 م

في استجابةً للعقوبات الأمريكية الجديدة؛ أعلنت إيران الأٍسبوع الماضي تعليق اثنين من الالتزامات التي تعهدت بها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، والمعروفة أيضًا باسم الصفقة النووية الإيرانية. 

ومن المرجح أن ترد الولايات المتحدة من خلال تكديس المزيد من العقوبات على أمل وضع إيران في وضع اقتصادي ضعيف، وهو أمر مرجح بشكل متزايد إذا ظل أعضاء الاتفاق النووي المتبقون غير قادرين على تزويد إيران بالمساعدة.

وستكون النتيجة وضعًا عسكريًا أكثر هشاشة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يستعد فيه الجانبان لتصعيد الصراع، كما رأينا في قيام واشنطن بنقل حاملة طائرات ومجموعة قتالية جديدة إلى الشرق الأوسط، وهو ما ردت عليه إيران بأنشطة تخريبة محدودة لسفن قرب السواحل الإماراتية، إضافة إلى دفع الحوثيين لاستهداف البنية التحتية للنفط السعودي.

إيران تعلق التزاماتها

أعلن الرئيس الإيراني "حسن روحاني" أن إيران ستعلق اثنين من التزاماتها التي تعهدت بها بموجب الاتفاق، وأنها لن تقصر بعد الآن تخصيب مخزونات اليورانيوم المنخفض التخصيب على 300 كيلوغرام أو مخزونات المياه الثقيلة على 130 طن متري كما نص الاتفاق.

وقال "روحاني" إن إيران ستمنح الأطراف المتبقين في الاتفاقية (ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين) 60 يومًا للوفاء بالتزاماتهم تجاه قطاع النفط والقطاع المصرفي الإيراني الذي تفهمه إيران على أنه جزء لا يتجزأ لتنفيذ الصفقة، قبل أن تستأنف إيران برنامجها النووي بشكل كامل.

وتعتبر عمليات الانسحاب التدريجي لإيران من خطة العمل المشتركة الشاملة بمثابة رد محسوب على ضغوط العقوبات غير المسبوقة، مما يتيح لإيران أن ترد بالمثل مع خلق بعض النفوذ لمفاوضات مستقبلية محتملة.

وتراهن الحكومة الإيرانية على قدرتها على الصمود في وجه التردي الاقتصادي والاحتمالات المتزايدة للنزاع العسكري، لكن هذا يعتمد على ما إذا كان الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين يمكن أن يوفروا شرايين الحياة الاقتصادية والأمنية لطهران، وهو ما لا يبدو واضحا.

الحملة الأمريكية

في الأسابيع الأخيرة، كثفت الولايات المتحدة حملتها المشددة للعقوبات ضد إيران. وفي أبريل/ نيسان، صنفت الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أجنبية، ثم في مايو/ أيار، امتنعت عن منح إعفاءات لعملاء النفط الإيراني لمواصلة عمليات الشراء.

بخلاف ذلك، مددت واشنطن أيضًا معظم الإعفاءات المتعلقة بالبرنامج النووي المدني الإيراني، لكنها لم تمدد اثنين من الإعفاءات الحرجة: الأول يسمح لإيران بتصدير فوائض الماء الثقيل إلى عُمان والآخر يسمح لها بتبادل اليورانيوم منخفض التخصيب فوق حد الـ 300 كجم مقابل اليورانيوم الأصفر.

وتهدف الولايات المتحدة إلى زيادة العناء الاقتصادي لإيران إلى حد تأجيج انتفاضة داخلية تضعف سيادة الحكومة الإيرانية وتعيد طهران إلى طاولة المفاوضات. ولكن لا يمكن ضمان أن حدوث أزمة اقتصادية سيثير انتفاضة محلية، ناهيك عن مفاوضات جديدة، لكن الشدة غير المسبوقة لحملة العقوبات الأمريكية تجبر إيران على التفكير في ردود جديدة.

إيران في الزاوية

على مدار العام الماضي، كانت إيران في موقع رد الفعل على إستراتيجية واشنطن، وكما أشارت "ستراتفور" في الصيف الماضي: "لم يعد السؤال حول رد إيران على انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية هو ما إن كان سيحدث بل متى سيحدث".

وتراجعت الفوائد الاقتصادية المادية لبقاء إيران بالكامل في الصفقة إلى لا شيء تقريبًا بمجرد قيام الولايات المتحدة بإزالة جميع الإعفاءات لعملاء النفط الإيراني الأسبوع الماضي.

لكن الطريقة التي ردت بها إيران - في البداية على الأقل - تظهر ضبط النفس. ووضع الإعفاءان اللذان أزالتهما الولايات المتحدة عن برنامجها النووي المدني إيران أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن توقف في نهاية المطاف تشغيل إنتاج الماء الثقيل والتخصيب النووي كلياً، أو تنتهك في النهاية الاتفاقية النووية نفسها.

فمع مواصلة إيران إنتاج الماء الثقيل واليورانيوم منخفض التخصيب، فإنها تحتاج حتما إلى منافذ لنقلها خارج حدودها حتى تتمكن من البقاء تحت مستويات المخزونات المفروضة بموجب خطة العمل المشتركة. ولكن إيران اختارت حلا وسطا عبر تعليق هذين الالتزامين فقط؛ في محاولة لربط تعليق التزاماتها بالاتفاق بانتهاك بندود الإعفاءات التي اختارت الولايات المتحدة عدم تمديدها.

وقد قدرت القيادة الإيرانية أنه على مدى السنوات القليلة المقبلة، يجب عليها أن ترد على الاستفزازات الأمريكية ليس فقط لضمان مصداقيتها التفاوضية ولكن لاكتساب النفوذ إذا تحققت محادثات مستقبلية. وربما لا يعبر التعليق الحالي للالتزامات الإيرانية العتبة التي قد تتسبب في إعادة الاتحاد الأوروبي تطبيق العقوبات على الفور أو تدفع الولايات المتحدة للقيام بضربة عسكرية محدودة على المنشآت النووية الإيرانية.

ومع ذلك، قد تأتي هذه الإجراءات بعد 60 يومًا من الآن إذا تابعت إيران تهديدات تخصيب اليورانيوم فوق مستوى 3.67% المنصوص عليه في الاتفاقية وبدأت أعمال التحديث في مفاعل آراك للمياه الثقيلة، وكلاهما يمكن أن يقصر من الجدول الزمني الذي تحتاجه إيران لإنتاج سلاح نووي.

الاستجابة الأمريكية

من المرجح أن يكون رد فعل واشنطن الأولي ثلاثياً. أولاً، ستواصل الولايات المتحدة توسيع والحفاظ على موقع قوتها العسكرية في الشرق الأوسط لمواجهة حلفاء إيران الإقليميين، وقد حدث ذلك بالفعل مع قيام واشنطن بنقل حاملة طائرات ومجموعة قتالية جديدة إلى الشرق الأوسط.

ثانياً، ستزيد واشنطن العقوبات الاقتصادية على إيران وحلفائها الإقليميين، فضلاً عن تكثيف تطبيق العقوبات الحالية. ويمكن لواشنطن القيام بذلك عن طريق وضع شبكة أوسع من العقوبات الثانوية على الصادرات والواردات الإيرانية التي تتجاوز العقوبات الحالية، والتي تحظر فقط الصفقات التجارية مع الكيانات الإيرانية الموجودة على قوائم عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية. وقد بدأ الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" هذه العملية بالفعل بإعلانه عقوبات على الصلب والألومنيوم والحديد والنحاس.

أخيرًا، قد تحاول الولايات المتحدة أيضًا تأخير تطوير البرنامج النووي الإيراني باستخدام النشاط السيبراني. وهذا الخيار - أو أي نشاط سري آخر - لن يؤدي إلى تصعيد الموقف بنفس قدر الضربة العسكرية، ولكن يمكن أن يكون له التأثير المرغوب فيه لمنع تقدم إيران النووي.

مأزق أوروبا

وتضع حملة الضغط الأمريكية ورد الفعل الإيراني الاتحاد الأوروبي في موقف متزايد الصعوبة. وإذا كان لدى بروكسل أي نوع من الحلول القاطعة لتهدئة مخاوف إيران - مثل القدرة على إنشاء آلية للدفع لصادرات النفط لا تستطيع الولايات المتحدة فرض عقوبات عليها – لكانت قد استخدمتها بالفعل.

ومع ذلك، فإن الأداة التي تدعم التبادلات التجارية "إنستكس" التي طورها الاتحاد الأوروبي لا تقوم بمعالجة أي شيء سوى المعاملات الإنسانية، وإذا استخدمها الاتحاد الأوروبي للمساعدة في تسهيل المعاملات غير الإنسانية المرتبطة بإيران، فإن الولايات المتحدة سوف تعاقب الأوروبيين.

ومن بين الطرق القليلة التي يمكن للقارة أن تساعد بها إيران بشكل خلاق كي تتفادى أي أزمة اقتصادية أو غذائية؛ تنظيم برنامج للنفط مقابل الغذاء يشبه البرنامج الذي كان لديها للعراق.

ومع زيادة هشاشة الاتفاقية النووية، تزداد فرص حدوث صراع عسكري خاصة إذا تم رصد أي نشاط نووي إيراني خارج حدود الصفقة النووية. ومن المرجح بشكل متزايد أن تنظر واشنطن إلى أي نشاط للقوات المسلحة المدعومة من إيران ضد الولايات المتحدة أو الحلفاء الأمريكيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كمبرر لضربة عسكرية أمريكية محدودة محتملة ضد إيران وحلفائها.

وعلى الرغم من عدم رغبة كل من الولايات المتحدة أو إيران في إثارة نزاع شامل، فإن رسائل التصعيد بخصوص القرارات، مثل نشر مجموعة ناقلات أمريكية وقاذفات قنابل في الخليج الفارسي، تنقل رغبة واشنطن في تصعيد النزاع، وسوف تجد إيران نفسها ملزمة بشكل متزايد بالرد بالمثل بطريقة ما.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية