إيران والتصعيد الأمريكي.. كيف ستستجيب الجمهورية الإسلامية؟

الخميس 25 أبريل 2019 07:04 ص

لم تكن حملة "أقصى ضغط" للولايات المتحدة ضد إيران خدعة، فبإعلانها عزمها على حرمان طهران من جميع عائدات النفط، فإن واشنطن تنقل الصراع إلى احتمالات مجهولة. 

وبالنظر إلى التوقعات الاقتصادية الكئيبة لإيران نتيجة لخط العقاب الذي تفرضه الولايات المتحدة، فإن صبر طهران يمكن أن يتلاشى، وسوف يستدعي الانتقام الإيراني سواء عبر إعادة تخصيب اليورانيوم أو عبر الهجمات على وسائل النقل البحري، بالتأكيد رد فعل غاضب من الولايات المتحدة. 

ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت حملة واشنطن العدوانية ستحقق هدف الولايات المتحدة النهائي وتغيير السياسات الخارجية الإيرانية التي تقوض حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

ومنذ أكتوبر/تشرين الأول 2017، شنت الولايات المتحدة حملة "أقصى قدر من الضغط" ضد إيران.

وبعد انسحاب واشنطن من الصفقة النووية الإيرانية في مايو/أيار 2018، فرضت عقوبات على صادرات إيران، وإن كان مع بعض الإعفاءات.

ومع ذلك، اختارت إيران طريق البراغماتية برفضها التخلي عن الصفقة النووية.

ولكن الآن بعد أن ألغت الولايات المتحدة جميع الإعفاءات من العقوبات، فإن إيران ليس لديها سوى القليل لتكسبه ماديا من الاستمرار في التمسك بالصفقة للنهاية.

النفط.. شريان الحياة الاقتصادي الإيراني

يعد النفط هو المحرك الأساسي للاقتصاد الإيراني، ويمثل 90% من دخل البلاد من العملات الأجنبية ويدفع ثمن واردات كل شيء من السلع الأساسية إلى المعدات الصناعية إلى السلع الفاخرة.

وأصبح الحصول على السلع الفاخرة والسلع التخصصية أصعب على نحو متزايد، مما أدى إلى زيادة عدم اليقين الاقتصادي بين الطبقات المتوسطة والعليا في إيران.

وتمثل عائدات تصدير النفط حوالي 40% من ميزانية الحكومة الإيرانية.

ومما لا يثير الدهشة، أن التراجع الكبير في دخل النفط سيكون له تأثير ضار على الاقتصاد الإيراني، مما سيجبر القادة أيضًا على اتخاذ بعض القرارات الصعبة بشأن تحديد الأولويات لتجنب الاضطرابات ذات الدوافع الاقتصادية والحفاظ على ثقة المواطنين في الحكومة.

ويمكن لإيران أيضًا أن تجد فرصة جيدة في الصادرات غير النفطية، وتحتفظ البلاد بقطاع غير نفطي حيوي وتفتخر باقتصاد أكثر تنوعًا مقارنة بالمصدرين الرئيسيين الآخرين للطاقة في منطقة الشرق الأوسط، لكن تحركات الولايات المتحدة لتوسيع العقوبات ضد الجمهورية الإسلامية في العامين الماضيين جعل مهمة إيران أصعب في تطوير أسواق جديدة للصادرات غير النفطية.

وعلى سبيل المثال، يمكن أن تتعارض أعمال الشركات الأجنبية التي تتعامل مع إيران مع إجراءات واشنطن ضد فيلق الحرس الثوري، ويمكن للولايات المتحدة معاقبة مثل هذه الشركات على أي معاملات مع الكيانات المرتبطة بالحرس الثوري حتى لو كانت هناك درجات كثيرة من الفصل بين الشركات الإيرانية والحرس.

وقد سعت إيران، وهي بلد يزيد عدد سكانه عن 80 مليون نسمة، لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء منذ عام 1979، لكنها لم تحقق هدفها بصرف النظر عن بعض المحاصيل، مثل القمح.

ووفقا لبرنامج الغذاء العالمي، لم تحقق إيران سوى 50% من الاكتفاء الذاتي من الغذاء حتى عام 2016، مما يعني أنها يجب أن تستورد قدراً كبيراً من الغذاء، وكذلك الدواء.

ولا يزال لدى إيران إذن باستيراد هذه السلع، لكن أزمة العملة الأجنبية الناجمة عن الانخفاض الحاد في إيرادات تصدير النفط تزيد من تعقيد جهودها للقيام بذلك.

وستلحق هذه المعضلة الضرر بالثقة المتدهورة بالفعل في الاقتصاد الإيراني وقد تؤدي إلى المزيد من التخضم وانخفاض قيمة الريال الإيراني. (وفقًا لآخر البيانات، ارتفع معدل التضخم في الفترة من 21 مارس/أذار إلى 20 أبريل/نيسان - الشهر الأول من العام الفارسي - بنسبة 50% على أساس سنوي، في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية أيضًا بنسبة 85% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي).

وسوف تكافح الحكومة للرد على خطر الاحتجاجات ذات الدوافع الاقتصادية.

فوائد البراغماتية

وفي ظل محدودية الخيارات الاقتصادية للتعامل مع الأزمة، يبحث قادة إيران عن طريقة للتعامل معها سياسيا.

وعلى مدار العامين الماضيين، ظلت إيران وفية للاتفاق النووي، مما سمح للبلاد بمواصلة جذب الدعم الدبلوماسي من الحلفاء الأقوياء في الاتحاد الأوروبي الذين يمكنهم الدفاع عن مطالب طهران.

والأكثر من ذلك، كان البقاء في الاتفاق يمثل إشارة إلى حسن النية للمجتمع الدولي يمكن أن تكون مفيدة إذا كانت طهران ستتفاوض في يوم من الأيام مع بيت أبيض أكثر ودية.

وعلى الرغم من أن التقيد بالاتفاق النووي يمنع إيران من الاستفادة الكاملة من قدراتها في قتال الولايات المتحدة، لأن اللوائح ذات الصلة بالاتفاق تحد من برنامج الصواريخ البالستية في البلاد، إلا أنه لا يزال بإمكان طهران استخدام وسائل أخرى مثل الهجمات الإلكترونية عبر الإنترنت وغيرها من الأعمال الهجومية التي يمكن لها التذرع بها.

علاوة على ذلك، تواصل إيران دعم شبكة كبيرة من قوات الميليشيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط التي تُظهر القوة السياسية والأمنية لطهران خارج حدودها، وتوفر لها درجة من الإنكار المعقول وعدم تحمل المسؤولية عن عواقب أفعالها.

تكاليف وفوائد ترك الاتفاق النووي

ورغم تلويح إيران مؤخرا بتخفيض التزاماتها بخصوص الاتفاق النووي أو ربما ترك الاتفاق بالكلية، فإن استئناف الأنشطة النووية من شأنه أن يوفر لإيران مكاسب اقتصادية قليلة.

لكن وسط ضيقها المالي المريع، يمكن لإيران أن تحشد الدعم الوطني في الداخل مما قد يساعدها على تحمل الضغوط الاقتصادية للولايات المتحدة إذا ما ابتعدت عن الاتفاق الدولي.

وتسبب سلوك واشنطن في دفع بعض السياسيين الإيرانيين إلى التنحي جانباً في معارضتهم للحرس الثوري الإيراني وحشد الدعم للحرص، بعد أن أضافت الولايات المتحدة القوة إلى قائمتها للمنظمات الإرهابية الأجنبية.

ومع ذلك، على المدى الطويل، هناك سبب آخر يجعل إيران تتخلى عن الاتفاق وهو اكتساب النفوذ في أي مفاوضات محتملة.

على الرغم من أن الإستراتيجية الرئيسية لإيران هي المحاولة والانتظار إلى ما بعد انتخابات 2020 الأمريكية على أمل أن يخسر "ترامب" لشخص أكثر استعدادا، إلا أن طهران تريد أن تتمتع بأكبر قدر ممكن من التأثير في المحادثات وسيظل برنامجها النووي على رأس قائمة مطالب واشنطن بغض النظر عمن هو في المكتب البيضاوي.

ولأن إيران والولايات المتحدة لا تستطيعان إبرام صفقة إلا إذا توصل الجانبان إلى حلول وسط، فقد تأمل طهران في تقديم عرض لوقف الأنشطة النووية مجددا حتى تتمكن من الاستمرار في متابعة استراتيجيتها الإقليمية، أي الوصول إلى صيغة جديدة لصفقة "أوباما" نفسها.

لكن من الطبيعي أن تواجه إيران مخاطرة كبيرة إذا استأنفت برنامجها النووي.

وقد تبنت إدارة ترامب الخط الأكثر تشدداً تجاه إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979؛ وأثبتت أنها لن تخجل من كسر المحرمات الدبلوماسية لمتابعة السياسات الخارجية العدوانية التي تعتبرها بعض النخب السياسية الإيرانية بمثابة مسعى أمريكي لتغيير النظام.

وإذا تركت طهران الصفقة النووية أو زادت من تخصيبها لليورانيوم فوق المستويات المسموح بها، يمكن للولايات المتحدة أو حلفائها شن ضربة محدودة ضد الأهداف الإيرانية المتعلقة بالسلاح النووي.

وسيسمح مثل هذا الهجوم بالتأكيد للنظام بحشد المزيد من الدعم المحلي، لكنه قد يؤدي إلى تصعيد الصراع مع الغرب.

في الواقع، ربما تحاول الولايات المتحدة استفزاز إيران لمغادرة الاتفاق حتى تمهد الطريق لعمل أوسع ضد طهران.

ومن المحتمل أن يؤدي ترك الاتفاق إلى إحراق جسور إيران مع أوروبا، مما سيدفع القارة نحو الولايات المتحدة ويقوض قناة "إنستكس" الجديدة، وهي قناة لمعالجة المعاملات بين إيران والاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، فإنه سيدفع مجلس الأمن الدولي إلى إعادة فرض العقوبات على البلاد فورًا، لأن الولايات المتحدة ستستخدم نفوذها لتفعيل بند الرد التلقائي على إيران إذا ابتعدت عن الصفقة النووية.

وبدلاً من ذلك، يمكن لإيران أن تذهب إلى تبني موقف حازم يتجاوز مجرد إعادة تشغيل برنامجها النووي وتنفذ تهديدها بإغلاق مضيقي هرمز وباب المندب إذا لم تتمكن من استخدام هذه الممرات المائية لتصدير نفطها الخام.

من وجهة نظر عسكرية، تمتلك إيران القدرة على تعطيل الشحن عبر مضيق هرمز ومهاجمة ناقلات النفط، رغم أنها لن تكون قادرة على إغلاق الممر لفترة طويلة من الزمن.

ولدى إيران فرصة أقل لإغلاق مضيق باب المندب على المدى الطويل، حيث سيتعين عليها الاعتماد على الحوثيين اليمنيين، الذين قد يكونون أو لا يكونون على توافق استراتيجي بالكامل، مع فكرة مهاجمة الناقلات.

وفي النهاية، من المحتمل أن ترد واشنطن بشكل محدود على محاولات إيران لتعطيل النقل البحري عبر شن غارات جوية ضد المنشآت البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني.

ولكن كما هو الحال مع الضربات الجوية على مواقعها النووية، فإن الضربات على البنية التحتية العسكرية الإيرانية يمكن أن تؤدي إلى تصعيد الصراع بين البلدين بسرعة.

ماذا ننتظر؟

من المرجح أن يتبع قرار الولايات المتحدة بقطع الإعفاءات عن عملاء النفط الإيرانيين، إلى جانب قرارها الأخير بإدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، إجراءات أشد ضد إيران.

وبالإضافة إلى التدابير الممكنة لمواجهة أنشطة إيران الإلكترونية، لا يزال لدى الولايات المتحدة قراران آخران.

أولاً، يجب أن تقرر ما إذا كانت ستجدد الإعفاءات "المؤقتة" لبعض الأنشطة المدنية في محطة بوشهر للطاقة النووية، ومفاعل آراك للمياه الثقيلة ومحطة فوردو للتخصيب.

ومن خلال إنهاء الإعفاءات، ستجعل الولايات المتحدة من المستحيل على الشركات الأجنبية المشاركة في الأنشطة النووية التي يُسمح لإيران بممارستها بموجب الاتفاق. ثانياً، يتعين على واشنطن أن تقرر ما إذا كانت ستقوم بمنح إعفاءات لميناء تشابهار الإيراني، الذي تبنيه نيودلهي وطهران لتسهيل التجارة مع أفغانستان بتجاوز باكستان، وكذلك مشاريع الحزام والطريق الصينية مع إسلام أباد.

من المحتمل أن تفرض واشنطن عقوبات جديدة على إيران كذلك، بما في ذلك التدابير الثانوية الجديدة التي تستهدف شريحة واسعة من صادرات إيران، مثل المنتجات الصناعية والمواد الخام.

وبالنظر إلى مدى قسوة العقوبات الجديدة، يمكن للاتحاد الأوروبي والصين وروسيا في نهاية المطاف بذل جهد أكبر لإدخال آلية من شأنها التحايل على العقوبات الأمريكية إذا تسببت حملة واشنطن ضد إيران في أزمة إنسانية طويلة الأجل.

في نهاية المطاف، تصعد الولايات المتحدة إجراءاتها ضد إيران على أمل إثارة غضب الإيرانيين العاديين من حكومتهم لإضعاف قدرة المتشددين السياسيين على توجيه الحكومة الإيرانية.

ولكن من خلال الاستمرار في ممارسة "أقصى قدر من الضغط" على إيران، ستحرض الولايات المتحدة بالتأكيد غضب مواطني إيران لكن، على الأرجح، ضد المعتدي الأجنبي وليس ضد الحكومة.

علاوة على ذلك  فإن إيران تأمل في الانتقام دون إثارة صراع أكبر، في طريقها للخروج من العاصفة.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية