هل دقت طبول الحرب بين الولايات المتحدة وإيران؟

الاثنين 3 يونيو 2019 12:06 م

تعد الأزمة الحالية بين الولايات المتحدة وإيران هي الأشد منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وما صاحب ذلك من تأسيس الجمهورية الإسلامية.

وكانت الثورة قد أنهت العلاقات الوثيقة التي كانت قائمة بين البلدين حتى تلك اللحظة، ولا يزال نظام "آيات الله" قائما، ولم تنتعش العلاقة بين البلدين أبدا منذ ذلك الوقت.

وتجدر الإشارة إلى أنه حتى الشاه كان لديه رغبة في تحويل إيران إلى قوة نووية، وكان لديه خطة هائلة لإنشاء مفاعلات الطاقة وتطوير الأسلحة النووية، وقد تم إحباط الجانب العسكري للبرنامج النووي من قبل الولايات المتحدة، علاوة على ذلك، عندما وصل "آيات الله" إلى السلطة، تم إيقاف البرنامج النووي بالكامل، لأن "الخميني" اعتبر التكنولوجيا النووية "شيطانية".

لكن خلال الحرب مع العراق بين عامي 1980 و1988، عندما أصبح من الواضح أن "صدام حسين" كان يطور أسلحة نووية، غير النظام رأيه، وخلص إلى أن تطوير الأسلحة النووية كان ضرورة لا مفر منها.

وفي غضون أعوام قليلة أكد النظام من جديد تصميمه على تحويل إيران إلى قوة عظمى إقليمية، وتصدير الثورة الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم، وقد شرع النظام الإيراني في تطوير أسلحة نووية لتصبح المشروع الرئيسي لطهران.

وحدث تحول كبير في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران خلال فترة رئاسة "باراك أوباما"، الذي كان مثل "جيمي كارتر"، لديه تصور مثالي للشرق الأوسط.

ووفقا لمستشاره، "بن رودس"، كان "أوباما" يطمح بالفعل إلى تحسين العلاقات مع إيران في بداية ولايته الرئاسية الأولى عام 2009، لكنه لم يتخذ خطوات عملية لتحقيق هذه الغاية حتى ولايته الثانية.

وتم إرسال "جون كيري"، سيناتور الكونغرس في ذلك الوقت، إلى عُمان للقاء ممثلين عن النظام الإيراني، وقد حمل خطابا وعد فيه "أوباما" باستعداده للاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم.

ويتناقض هذا مع ادعاء "أوباما" فيما بعد بأن رغبته في تحسين العلاقات مع طهران بدأت بعد انتخاب "حسن روحاني" - المعتدل نسبيا - رئيسا لإيران.

ويبدو أن الاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015 قد تم الإعداد له منذ البداية، ووفقا لتقارير وسائل الإعلام، أثناء محادثات جنيف في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 التي مهدت الطريق إلى الاتفاق النووي، ركب وزير الخارجية "كيري" ووزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" الدراجات جنبا إلى جنب في شوارع المدينة.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن ممثلي كلا الطرفين في محادثات "لوزان" في مارس/آذار 2015، "علي أكبر صالحي"، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، و"إرنست مونيز"، وزير الطاقة الأمريكي، قد عرفا بعضهما البعض في الماضي البعيد.

وحصل "صالحي" على درجة الدكتوراه في الهندسة النووية من معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا عام 1977، حيث تم إرساله مع طلاب إيرانيين آخرين خلال فترة الشاه، وأمضى "مونيز" أكثر من 20 عاما يحاضر في قسم الهندسة النووية في معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا.

عودة التوتر

وعد الرئيس "ترامب" في حملته الانتخابية بـ"تمزيق" الاتفاق مع إيران، وفي 8 مايو/أيار 2018، أعلن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق قائلا: "اليوم، لدينا دليل قاطع على أن إيران كانت تكذب"، وكان يشير إلى المقتطفات التي قدمها رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" قبل أيام من الأرشيف النووي الإيراني. 

وفي أعقاب قراره، أعلن "ترامب" تجديد بعض العقوبات الأمريكية ضد إيران، ودخل بعضها حيز التنفيذ في 5 أغسطس/آب 2018، بينما دخل البعض الآخر، بما في ذلك العقوبات المفروضة على تجارة النفط، حيز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني.

وبعد 6 أشهر من الإعفاءات قدمها "ترامب" لثمان دول من مستوردي النفط الإيراني، أعاد "ترامب" فرض عقوبات على جميع واردات النفط الإيرانية، الأمر الذي يحرم نظام "آيات الله" من مصدر دخله الرئيسي، ودخلت هذه العقوبات حيز التنفيذ في 1 مايو/أيار.

وأضافت الولايات المتحدة مؤخرا عقوبات جديدة على الصناعات الإيرانية الأخرى. وتغطي العقوبات الجديدة قطاعات الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس في إيران، وهو أكبر مصدر دخل للحكومة الإيرانية بعد قطاع النفط.

إضافة إلى ذلك، فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات تمنع طهران من تصدير الماء الثقيل وتخصيب اليورانيوم، وكان هذا ردا على إعلان إيران قبل أيام "وقف تنفيذ بعض التزاماتها في الاتفاقية النووية".

وردت طهران من خلال التهديد بتجاهل القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى ذلك، أعلنت عن ترقية مفاعل "آراك" النووي، الذي كان جزءا من برنامج آيات الله العسكري، والمصمم لإنتاج البلوتونيوم. وكانت أنشطة المفاعل محدودة وفقا لشروط الاتفاقية النووية.

وفي تحدٍ لـ"ترامب"، قال "بهروز كمال فندي"، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في 21 مايو/أيار، إن طاقة التخصيب في مصنع التخصيب في "ناتنز" زادت 4 أضعاف.

ويحد الاتفاق النووي من كمية اليورانيوم التي قد تمتلكها إيران إلى 300 كجم، ومن خلال مضاعفة قدراتها لتخصيب اليورانيوم، قد تتجاوز إيران هذا القيد قريبا.

وفيما تحدث هذه التطورات، يزداد الإيرانيون العاديون قلقا بشكل متزايد، وتستمر المنظمات العمالية الإيرانية في الاحتجاج على الوضع الاقتصادي الصعب وتجاهل النظام لمشاكلها اليومية.

وفي 1 مايو/أيار، تم تنظيم مظاهرة كبيرة أمام مبنى البرلمان في طهران ردا على رفع أسعار الخبز لـ3 أضعاف، ويأتي ارتفاع أسعار الخبز بعد ارتفاع آخر في الأسعار خلال العام الماضي في إيران، مع استمرار انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وفي أوائل شهر مايو/أيار، انخفض الريال إلى مستوى 90 ألف ريال مقابل الدولار، مقارنة بـ42 ألفا و890 ريال مقابل الدولار نهاية العام الماضي.

وتؤكد فرنسا، مع شركائها في الاتحاد الأوروبي، عزمها على مواصلة تنفيذ الاتفاقية النووية مع إيران، التي وافق عليها بالإجماع مجلس الأمن الدولي، ومع ذلك، تعارض اعتزام طهران التوقف عن تنفيذ بعض التزاماتها بموجب الاتفاق.

وعلى الرغم من معارضة الاتحاد الأوروبي للانسحاب الأمريكي من الاتفاقية وإعادة فرض العقوبات، يبدو أنه لأسباب تجارية، وبالنظر إلى علاقاتها بالولايات المتحدة، فإن العديد من الشركات الأوروبية ستنضم إلى مقاطعة إيران.

التصعيد العسكري

ويزداد ضغط "ترامب" على إيران ليشمل الاستعدادات لمواجهة عسكرية؛ حيث أرسلت الولايات المتحدة مجموعة حربية إلى الخليج تضم حاملة طائرات "إبراهام لنكولن" و4 مدمرات مزودة بصواريخ موجهة، وقاذفات "بي-52"، إلى قاعدة "العديد" الجوية الأمريكية في قطر.

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، قدم "باتريك شاناهان"، القائم بأعمال وزير الدفاع، خطة لإرسال 120 ألف جندي إلى الشرق الأوسط في اجتماع قادة مؤسسة الدفاع الأمريكية، بناء على تعليمات من "جون بولتون"، مستشار الأمن القومي.

ويبدو أن الولايات المتحدة تظهر تصميمها على الدفاع عسكريا عن حلفائها في الشرق الأوسط، وإبقاء مضيق هرمز مفتوحا أمام صادرات النفط من السعودية ودول الخليج الأخرى، حيث يمر منه نحو 20% من إنتاج العالم من النفط، ويبدو أيضا أنها توضح لروسيا والصين أنه على الرغم من انسحابها من سوريا، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بمواقعها في المنطقة.

وأوضح كل من "ترامب" ووزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تصعيد أو نزاع عسكري مع إيران، بل وصف "ترامب" التقرير الخاص بإرسال 120 ألف جندي إلى المنطقة بأنه "أخبار مزيفة".

ورغم أنه في موقف صعب، يستمر النظام الإيراني في استعراض عضلاته. وهدد مسؤولون كبار في الحرس الثوري بأنه إذا منعت الولايات المتحدة إيران من تصدير النفط، فسوف تغلق طهران الخليج العربي أمام الشحن الدولي.

وفي 12 مايو/أيار، أظهر الحرس الثوري أنه مستعد بالفعل وقادر على تعطيل صادرات النفط من الخليج، ووفقا لدولة الإمارات، تعرضت 4 سفن تجارية للهجوم أمام ميناء "الفجيرة"، الذي يعد ذا أهمية كبيرة لسوق النفط العالمي، وكانت اثنتان منها على ما يبدو ناقلات نفط سعودية، وامتنعت إيران عن تحمل المسؤولية، لكن وسائل إعلامها ذكرت أن "7 ناقلات نفط تعرضت للهجوم وتم إحراقها بالكامل".

وبعد هذا الهجوم بفترة وجيزة، ذكرت محطة تليفزيون خاصة بالمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن أن قوات الحوثيين هاجمت منشآت نفطية في السعودية بالقرب من الرياض، باستخدام طائرة بدون طيار على الأرجح.

ووقع حادث استفزازي آخر في 19 مايو/أيار؛ حيث تم إطلاق صاروخ "كاتيوشا" على السفارة الأمريكية في بغداد، دون وقوع إصابات، ويبدو أن الصاروخ قد تم إطلاقه من شرق بغداد، حيث يتمركز أفراد الميليشيات الشيعية التي تدعم إيران.

وأعلن المرشد الأعلى "خامنئي"، في 14 مايو/أيار، أنه "لن تكون هناك حرب مع الولايات المتحدة"، لكنه في الوقت نفسه رفض إعادة التفاوض على الاتفاق النووي.

ولا تريد طهران أن تستسلم لمطالب الولايات المتحدة لسببين، أولا، لأن فتح إعادة فتح باب التفاوض على الاتفاقية سيشير إلى ضعف النظام، وهو ما قد يعجل بانهياره. ثانيا، قد يؤدي فتح الباب إلى وضع حد لطموحات إيران النووية، ومنع تأسيسها كقوة نووية في الشرق الأوسط.

ويعد هذا مأزقا صعبا، فقد يؤدي رفض إيران للمطالب الأمريكية إلى الحرب، وحتى لو لم يحدث ذلك، فقد يؤدي ذلك إلى انهيار الاقتصاد الإيراني والإطاحة بالنظام.

المصدر | رافائيل أوفيك - مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية

  كلمات مفتاحية