لوب لوج: قمم مكة فشلت في إخفاء الصراعات بين العرب

الثلاثاء 4 يونيو 2019 07:06 ص

لا يوجد بيانات قد نعرف منها كم تكلفت المملكة العربية السعودية لكي تطلق هذه القمم الثلاث الفخمة في مكة المكرمة الأسبوع الماضي، ولكن على السطح يبدو أن السعوديين قد حصلوا على ما يساوي تلك الأموال.

وقد ترأس الملك "سلمان" القمم، وظهر في مقطع فيديو واحد على الأقل في حالة مزاجية جيدة وحس جيد للدعابة، ولم يظهر ولي العهد "محمد بن سلمان"، الحاكم الفعلي للمملكة وصاحب القوة الحقيقية وراء العرش، بينما رحب الملك بالوفود.

وأنتجت القمم يومين من الخطب الحماسية، وفناجين "قهوة الهيل" في مركز المؤتمرات المذهّب، مع بيانات متتالية من الملوك والرؤساء ورؤساء الوزراء الذين يمثلون أولا مجلس التعاون الخليجي المؤلف من 6 أعضاء، ثم الجامعة العربية بأكملها، ثم أكثر من 50 دولة في منظمة التعاون الإسلامي. وشاركت كل دولة تقطنها أغلبية مسلمة تقريبا، باستثناء سوريا وبالطبع إيران، التي كانت هدفا لتلك الممارسة برمتها.

وفي لغة قوية، شجبت التصريحات الصادرة عن القمة "التطرف والتعصب بجميع أشكاله ومظاهره"، وسياسات إيران الإقليمية وتطوير الصواريخ، ونددت بالحوثيين وكلاء إيران في الحرب الأهلية في اليمن و"التدخل الإيراني في الأزمة السورية".

وبدون أي معارضة واضحة، شكر القادة الملك "سلمان" على قيادته للقمة، وعادوا إلى ديارهم، بعد قيام بعضهم برحلة جانبية إلى المدينة المنورة لزيارة مسجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وظاهريا، وحدت السعودية تقريبا العالم الإسلامي بأسره، بما في ذلك بعض الدول ذات الغالبية الشيعية، لإلقاء إيران وحدها في الظلام.

الخلافات الكامنة

ومع ذلك، لا يتطلب الأمر الكثير من التحليلات العميقة لقراءة ما بين سطور البيانات ومراجعة أجواء الاجتماعات لمعرفة أن الصراعات المتعددة في الخليج والشرق الأوسط الكبير لا تزال مستعصية كما كانت من قبل.

من غير المرجح أن يتم استقبال تلك البيانات جيدا في طهران، وعلى الرغم من مناشدات السلام والتعاون، لكن بعض خطوط الصراع لا تزال صعبة في الواقع؛ وأهمها ما يلي:

أولا: يهيمن عداء المملكة العربية السعودية لإيران، بدعم من الإدارة الأمريكية والرئيس "دونالد ترامب"، على المشهد الاستراتيجي الإقليمي، وبعد التصعيد الأخير وانتشار القوات البحرية الأمريكية، أصبح الأمر أكثر خطورة، وليس أقل.

ثانيا: لا نهاية واضحة في الأفق للحرب الكارثية في اليمن، حيث يحظى الحوثيون بدعم لوجستي من إيران، ويزيدون من الهجمات الصاروخية عبر الحدود على المملكة.

ثالثا: لا يوجد أي احتمال تقريبا بأن تقبل الدول المشاركة اقتراحا أمريكيا للسلام بين الفلسطينيين و(إسرائيل) إذا لم يحصل الفلسطينيون على "دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس"، وتعد تلك نتيجة بعيدة للغاية خاصة بعد أن نقلت الولايات المتحدة سفارتها من تل أبيب إلى القدس.

رابعا: لم يتمكن الرئيس اللبناني "ميشال عون" من حضور قمة مكة، حيث يُحظر على غير المسلمين الدخول، لذلك كان يمثله رئيس الوزراء "سعد الحريري".

وكان "الحريري" في السابق من المقربين من السعودية، قبل أن يجبره السعوديون عام 2017 على إعلان استقالته، وكان السبب وراء هذه الأزمة هو موقف "الحريري" المرن من القوة السياسية المتنامية لحزب الله، وهي جماعة شيعية لبنانية ترعاها إيران.

خامسا: لم يحضر الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، وأرسل وزير الخارجية "مولود جاويش أوغلو" مكانه، وكانت العلاقات بين تركيا والسعودية قد تدهورت بشكل حاد منذ اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

وقدم الأتراك أدلة علنية تشير إلى تورط القيادة السعودية في الجريمة، لكن العلاقات كانت تتعرض بالفعل لضغوط بسبب طموحات "أردوغان" لتحصيل النفوذ الديني على المسلمين السنة، وهو تحدٍ لزعامة السعودية.

مقاطعة قطر

وشارك وفد من قطر، وصل إلى السعودية على متن طائرة قطرية، وهي المرة الأولى التي تهبط فيها طائرة قطرية في المملكة منذ بدء الحصار عام 2017.

ورأى بعض المحللين ذلك كعلامة تبعث على الأمل في أن الحصار، التي دمر فعليا "مجلس التعاون الخليجي"، قد ينتهي أخيرا، لكن أمير قطر، الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني"، لم يحضر، ولم يتناول بيان مجلس التعاون الخليجي أحد الأسباب الأساسية للخلاف، وهو الموقف من "جماعة الإخوان المسلمون".

وكانت السعودية متشككة دائما في أي منظمة محلية لا تسيطر عليها، وقد صنفت جماعة "الإخوان المسلمون" منظمة إرهابية، وكان موقف قطر أكثر تسامحا إلى حد كبير، حيث رفض القطريون دعم الحملة التي تقودها جارتاها، السعودية والإمارات، بدعم من مصر والبحرين، ضد الجماعة.

وقد أعاق الحصار الحياة التجارية والعائلية، فضلا عن السفر الجوي، في جميع أنحاء الخليج، لكنه فشل في إجبار قطر على تلبية مطالب "دول الحصار".

على العكس من ذلك، كما كتب المحللة البريطانية "جين كينينمونت" في ورقة جديدة لـ "تشاتام هاوس":

"لقد تمكنت قطر من تحمل ضغوط المقاطعة بسبب مواردها الاقتصادية الواسعة، وتحالفاتها السياسية خارج منطقة الخليج. وباعتبارها أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، فقد استفادت من تحركات العديد من الدول الغربية والآسيوية لتحويل مصادر الطاقة الخاصة بها من النفط إلى الغاز الطبيعي المسال. وقد استخدمت عقود الغاز واستثمارات الثروة السيادية لتوطيد العلاقات مع العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، وتستضيف القاعدة الجوية الأمريكية الرئيسية في الشرق الأوسط. وقد تعمق تحالف الدوحة مع تركيا منذ بدء الأزمة، وعززت علاقاتها مع إيران أيضا. وكانت صلاتها بتركيا وإيران من بين ميزات سياستها الخارجية التي اعترضت عليها اللجنة الرباعية، ولكن من خلال قطع طرق التجارة القطرية عبر السعودية، دفعت المقاطعة قطر فقط إلى التقارب أكثر مع اللاعبين الآخرين".

وكتب محلل آخر، وهو "جورجيو كافييرو"، مؤخرا، أن السعوديين وضعوا أنفسهم في وضع لا يمكنهم فيه التراجع عن مقاطعة قطر دون إحراج أنفسهم وفقدان هيبتهم في المنطقة.

وكتب: "بالنسبة لدول الحصار، سيكون من المهين رفع الحصار أو حتى تخفيفه دون تحقيق أي من أهدافه، على النحو المبين في المطالب الـ 13 التي أعلن عنها 2017، وإذا تمت استعادة العلاقات دون أن تحدث الدوحة أي تغييرات، فسيُنظر إلى كل من أبوظبي والرياض على أنهما ضعيفتان". ولأنهما لا يستطيعان التراجع، فمن المحتمل أن يستمر الجمود.

وفي القمة الثلاثية، حقق الملك "سلمان" وابنه الطموح، "محمد بن سلمان"، كل النجاح الرمزي الذي يمكنهما الحصول عليه، لكن نجاح السعودية في إثبات جدارتهما بالقيادة أو تقريب المنطقة من الاستقرار يبقى موضع شك كبير، على الأقل حتى الآن.

المصدر | توماس ليبمان - لوب لوج

  كلمات مفتاحية