لماذا لن تنجح خطة كوشنر في مبادلة المال بالسيادة؟

الاثنين 10 يونيو 2019 12:06 م

أطلق "جاريد كوشنر" خطته "السلام من أجل الازدهار"، التي تم الإعلان عنها في المنامة هذا الأسبوع، على أنها "فرصة القرن"؛ ولكن المحللين في العالم العربي يختلفون إلى حد كبير حول هذا المسمى. وفي جولة على الآراء العربية حول الخطة، تم تصنيفها على أنها "ظلم تاريخي"، و"انتكاسة كبرى للمنطقة بأكملها"، وتم اعتبارها بشكل كبير من "أفكار السماسرة العقاريين، وليس السياسيين".

ينبع الرد السلبي في الغالب على خطة "السلام من أجل الازدهار" من اعتراضين رئيسيين: الأول هو أن الإعلان عن خطط اقتصادية دون شروط سياسية لا معنى له، والثاني هو أن هذه الوعود الاقتصادية هي محاولة صارخة لرشوة الفلسطينيين بالحوافز الاقتصادية مقابل قبولهم بالتخلي عن السيادة.

كلا الاعتراضات يصعب مواجهته، وفيما يتعلق بالنقطة الأخيرة، تزعم صحيفة "واشنطن بوست"، من بين أمور أخرى، أن القسم السياسي من خطة "كوشنر" - الذي لم يتم الكشف عنه بعد - لن يوفر للفلسطينيين طريقًا إلى الدولة، ويستبعد فعليًا حل الدولتين.

في الوقت نفسه، تشير المحاولات الموثقة لقمع المشاركة السياسية العربية في (إسرائيل) إلى أن حل الدولة الواحدة بعيد جدا. والطريق الوحيد بين هذين الاحتمالين هو انعدام الجنسية إلى أجل غير مسمى بالنسبة للفلسطينيين، حيث تعتبر الحزمة الاقتصادية تغطية على مرارة هذا الطريق.

من الصعب أيضًا الاختلاف مع الحجة القائلة بأن الاقتصاد لا يمكن فصله عن السياسة.

على سبيل المثال، يتمثل أحد التعهدات الاقتصادية الرئيسية الواردة في الخطة في إنشاء طريق سريع يربط غزة بالضفة الغربية وهذه فكرة قديمة، وتم تضمين نسخة منها حتى في خطة التقسيم الأصلية للأمم المتحدة لعام 1948.

وفي الآونة الأخيرة، في عام 2005، طرحت نفس الفكرة من قبل شركة "راند"، وهي شركة استشارية في مجال السياسة الأمريكية ويعد السبب في أن ذلك الطريق لم ير النور أبدا هو أنه لا توجد حكومة إسرائيلية منذ عام 1948 كانت مستعدة للسماح بذلك. لقد تم اتخاذ قرار سياسي، على الجانب الإسرائيلي، لمنع ذلك.

هناك مثال أكثر وضوحا يتعلق بالمياه حيث تتحدث خطة "كوشنر" عن الاستثمار في محطات معالجة مياه الصرف الصحي وتعزيز البنية التحتية لإمدادات المياه، وهي مشاريع اقتصادية بحتة. لكن مرة أخرى، فإن القضية الجذرية هنا سياسية.

ومنذ عام 1967، تعاملت (إسرائيل) مع مياه الأراضي الفلسطينية باعتبارها "قضية أمن قومي" واحتكرت السيطرة على المياه. ونتيجة لذلك، يُحرم الفلسطينيون من حصة عادلة من المياه الجوفية، وكما في حالة الطريق السريع المؤدي إلى غزة، فالمشكلة ليست نقص التمويل، بل نقص السيادة السياسية.

ولكن ماذا لو تم قبول الخطة بطريقة أو بأخرى؟ تتلقى غزة والضفة الغربية حاليًا ما بين 2 إلى 2.5 مليار دولار سنويًا كمساعدات تنموية من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبموجب خطة "كوشنر"، من الناحية النظرية، سيصبح تدفق المساعدات هذا أكثر بثلاثة أضعاف، حيث سيتم صرف حوالي 50 مليار دولار على مدار عقد من الزمان.

وسيتم بناء الطريق السريع بين غزة والضفة الغربية، إلى جانب محطتين جديدتين، وتحديث بقيمة 900 مليون دولار للمعابر الحدودية وتطوير حقل للغاز الطبيعي قبالة ساحل غزة.

ولا تعد هذه المخططات صعبة، وهي عبارة عن مشاريع بنية تحتية كثيفة الاستخدامات تميز "المرحلة السهلة" من النمو الاقتصادي المرتفع، وهي مرحلة استمتعت بها كثير من دول العالم العربي خلال فترة الستينيات المزدهرة. والسبب في أنها لم تحدث قط في الأراضي الفلسطينية هو الاحتلال الإسرائيلي؛ ففي مصر التي تعاني إدارتها بشكل مزمن، يوجد طرق سريعة كافية وكهرباء يمكن الاعتماد عليها ولكن لو كانت الاستثمارات ستتحقق، في سياق تسوية سياسية مستقرة، فإن المكافآت ستكون هائلة.

ومع ذلك، حتى في هذا السيناريو الوردي، فإن أهداف الاقتصاد الكلي المعلنة من خطة "السلام من أجل الازدهار" لن تتحقق على الأرجح. ومن أجل مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني خلال عقد من الزمان، يجب أن ينمو الاقتصاد الفلسطيني بنحو 7% في المتوسط ​​سنويًا لمدة عشر سنوات، مما يجعل الأراضي الفلسطينية واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً على الأرض، باستمرار، لمدة عقد؛ وهذا سيناريو غير محتمل للغاية.

علاوة على ذلك، هناك جدال حول ما إذا كان هذا النمو الاقتصادي سيكون ممكناً على الإطلاق، حتى لفترة وجيزة، في سياق انعدام الدولة والسيادة إلى أجل غير مسمى. لأنه يقع في قلب مفاوضات مستمرة حول السيادة والتبعية، وتعد الأزمة المالية الحالية للسلطة الفلسطينية، والتي تسببت فيها (إسرائيل) ببساطة عبر حجب أموال الضرائب، مثالا على ذلك.

ومن أجل تحقيق نمو اقتصادي ثابت، يجب أن تكون السياسة الاقتصادية متسقة مع المشروعات الاقتصادي، وهذا غير ممكن بدون حكومة ذات سيادة لتوفير إدارة مستقرة. ببساطة، لن يعرف المستثمرون حقًا أي من الحكومات ستنظمهم، أو ما هي القواعد التي يجب عليهم اتباعها، أو مقدار الأموال التي ستتمكن الحكومة من إنفاقها.

ربما تكون هذه هي المشكلة الرئيسية لخطة "كوشنر" التي تعد بالنمو الاقتصادي مقابل التخلي عن السيادة، وهو بالتأكيد اقتراح خاطئ. فبالتخلي عن السيادة، تتخلى الأمة عن قدرتها على الحكم والسيطرة على اقتصادها. ودون الحكم الذاتي، لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي ثابت.

المصدر | إنسايد أرابيا

  كلمات مفتاحية