الأبعاد الإقليمية والدولية في المواجهة بين إسرائيل وغزة

الأحد 20 يوليو 2014 10:07 ص

تسفي برئيل، هآرتس، 20/7/2014

ليس مفتاح وقف اطلاق النار في غزة متعلقا بعدد الصواريخ أو الأنفاق أو القتلى بل بالتوازن بين مصالح كل الأطراف الإقليمية والدولية وأهمية شأنها ومنها الدول التي تتطوع للوساطة. هناك إذًا معركتان دائرتان: الأولى بين إسرائيل وعزة والأخرى حول الوساطة بين مصر والأطراف الدولية والإقليمية.

إن رحلات محمود عباس الى مصر وتركيا وقطر والبحرين؛ وزيارة جون كيري المتوقعة للقاهرة؛ والمكالمات الهاتفية بين ايران والجهاد الاسلامي - ترسم الخريطة الجيولوجية للتفاوض في وقف اطلاق النار.

إن هذه الخريطة مؤلفة من عدة طبقات الاولى هي الحاجة الى تسوية خط بين حماس والجهاد الاسلامي المختلفتين في مسألة مكانة مصر وسيطة. فحماس ترفض الوساطة المصرية والاقتراح المصري لأنها ترى أنه لا يقدم الجواب عن الحد الأدنى الضروري الذي تطلبه الحركة، فليس فيه ضمانات لفتح المعابر أو ضمان علاج قضية السجناء وتحويل الاموال لرواتب نحو من 45 ألف موظف ادارة في غزة، كانت تمولها حماس الى الآن. ويعوزه ايضا تطرق الى سجناء حماس الذين أُعيد اعتقالهم بعد أن أفرج عنهم بصفقة شليط. وتطلب حماس ايضا السماح لصيادي السمك في القطاع أن يصيدوا الى مدى 12 كم عن ساحل غزة.

"الجرف الصامد": آخر الأنباء

إن الجهاد الاسلامي مستعد لأن يقبل مبدئيا الاقتراح المصري ووساطة مصر، ويبدو أن لذلك عدة اسباب أولها الرغبة في استغلال مكانة الجهاد المميزة في مصر لأنه في مقابل حماس لا يُعرف بأنه "عدو الشعب" لأنه ليس جزءا من الاخوان المسلمين. وتوصلت مصر في الماضي ايضا الى تصالح مع الجهاد الاسلامي المصري (الذي ليست له صلة بالضرورة بالحركة الفلسطينية) وهو يعتبر ايضا حركة ليست لها مطامح في الحكم بخلاف حماس.

إن ايران تنفق على الجهاد وهو مقرب منها، وقد يكون دعمه للاقتراح المصري معتمدا على رغبة ايران في أن تسجل لنفسها نقطة استحقاق عند الرئيس المصري السيسي تستطيع أن تجبيها بعد ذلك في مسار اصلاح العلاقات بين الدولتين، هذا الى أن ايران تصفي الحساب مع حماس ايضا لقطعها علاقتها بسوريا وبسبب النقد الذي قذفت به النظام السوري بسبب القتل الجماعي لمواطني الدولة.

إن دائرة المنظمتين في غزة تماس ايضا دائرة المصالح الخارجية التي تبرز فيها عدة دول. وقد انضمت قطر الى تركيا لا لاحراز وقف اطلاق نار فقط بل لسلب مصر احتكار حل الازمة ايضا، في الأساس. وإن اقتراحاتهما أكثر تفصيلا وتشمل فيما تشمل اسقاط الحصار عن غزة وتحديد جدول زمني لتطبيق التفاهمات التي ستُحرز، ويُطلب الى الولايات المتحدة خاصة لا الى مصر أن تمنح ضمانات لتنفيذ الاتفاق المستقبلي بأن تشرف على تنفيذ اسرائيل له.

ترفض مصر هذا الاقتراح في الأساس لأنه يدفعها الى هامش التدخل برغم أنها تملك وسيلة الضغط الرئيسة على غزة. وعلى حسب مصادر مصرية وعدت اسرائيل القاهرة بأنها لا تنوي أن تتبنى أي اقتراح لا يرى أن مصر هي الجهة المسؤولة الوحيدة عن تنفيذ الاتفاق، أو بعبارة اخرى سيُقبل فقط كل ما تقبله مصر واسرائيل. ومع ذلك فان وسيلة الضغط المصرية على صورة السيطرة على معبر رفح قد يتبين بعد ذلك أنها سيف ذو حدين، اذا طالت العملية وتغير اتجاه الرأي العام في مصر نحو فتح المعبر. وعلى ذلك ولأن عمق العداء الرسمي والعام بين مصر وحماس لا يُمكن الطرفين من التوصل الى تصالح قد يجد الجهاد الاسلامي نفسه "وسيط الوسيط".

تُبين تصريحات قادة الجهاد أن "وحدة الصف" بينه وبين حماس صلبة وأن كل قرار سيتخذ بتعاون. لكن الارباب في طهران الذين يرفضون حتى مباحثة زعيم حماس خالد مشعل، قد يستعملون الضغط على الامين العام للجهاد رمضان عبد الله شلح ليُبين لحماس أنه يجدر أن تقبل اقتراحا مصريا مرنا. وهكذا تجد ايران لنفسها مستمسكا في الازمة في غزة، وقد تكون بفضل الجهاد الاسلامي ذات دور مهم لانهاء الازمة.

وتوجد في الدائرة الخارجية السعودية عدد من دول الخليج، والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا التي تؤيد مصر بصفتها صاحبة الشأن في حل الأزمة. وبينها جميعا خصص للولايات المتحدة الدور المركزي لأنها هي التي ستضطر الى اعطاء الضمانات لتنفيذ اسرائيل لوقف اطلاق النار. وخُيل الينا لحظة أن واشنطن تمسك الخريطة السياسية مقلوبة لأنها سارعت الى منح المبادرة القطرية والتركية دعمها. ومن جملة اسباب ذلك أن السيسي سارع الى اعلان اقتراحه قبيل زيارة كيري للقاهرة وبذلك جعل التدخل الامريكي لا داعي له.

لكن واشنطن صحت من غفوتها وأدركت أن مصر واسرائيل لن تقبلا أي اقتراح قطري تركي حتى لو اشتمل على إفناء حماس، فعادت الى الساحة المصرية. وكان يفترض أن يصل كيري الذي زار مصر أول زيارة قبل شهر كي يضمن للسيسي أن واشنطن تراه زعيما ذا شرعية، في يوم السبت الى القاهرة بعد أن غادر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس مصر بزمن قصير. ويمكن أن نستنتج من هنا أن التدخل الدولي والعربي في الحرب في غزة لا يضع مفتاح إنهائها في يد عدد القتلى الفلسطينيين والاسرائيليين أو عدد الصواريخ والانفاق فقط بل وبقدر كبير في الموازنة الصحيحة بين صراعات القوة وفخامة الشأن التي سيناضل كل طرف عنها حتى آخر قطرة دم فلسطينية.

  كلمات مفتاحية