لوب لوج: السعودية تتغير.. لكن الفضل لا يرجع لـ"بن سلمان"

الثلاثاء 11 يونيو 2019 09:06 ص

سواء كان إعجابا بإصلاحاته أو انتقادا لانتهاكاته، تميل التغطية الإخبارية للسعودية إلى تصوير "محمد بن سلمان" على أنه وكيل التغيير الرئيسي في المملكة. وقد جذب ولي العهد السعودي الكثير من اهتمام وسائل الإعلام لدرجة أن اسمه غالبا ما يتم اختصاره لسهولة التعرف عليه بأحرف اسمه الأولى. ومع ذلك، على الرغم من أن "بن سلمان" يتمتع بسلطة كبيرة، إلا أنه لم يُغير المجتمع السعودي بشكل منفرد. وكان التحول الاجتماعي الذي يحدث في المملكة جاريا قبل أن يصبح وليا للعهد، لكنه حاول أن ينسب إليه الفضل في ذلك.

وأثناء زيارتي للمملكة في مارس/آذار، فوجئت بعدم رؤية أي دليل على وجود "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، التي كانت تجوب الشوارع في وقت ما لفرض قواعد مثل حجاب النساء والفصل بين الجنسين. ورغم أني لم أكن أرتدي الحجاب، فلم يوقفني أو يستجوبني أحد أبدا أثناء إجراء المقابلات، أو زيارة المتاحف ومراكز التسوق في الرياض وجدة، أو أثناء السفر إلى المنطقة الشرقية مع زميل سعودي من الذكور. وفي مركز "الملك فيصل" للبحوث والدراسات الإسلامية، المؤسسة التي رعت زيارتي كباحثة، كان النساء والرجال يعملون في نفس المكتب. ويتم افتراض أن القواعد المريحة حول الحجاب والفصل بين الجنسين كانت نتيجة لإجراءات اتخذها "بن سلمان". غير أنه عبر التواصل مع سعوديين وخبراء أجانب قالوا إن التغييرات بدأت قبل أن يصبح "بن سلمان" حتى وليا لولي العهد بعد صعود والده إلى العرش عام 2015.

ما الذي يدفع هذا التحول؟

تقل أعمار ما يقرب من 70% من المواطنين السعوديين عن 35 عاما. ولا يمكن للحكومة توظيف كل الباحثين عن عمل من بين السكان الحاليين. ويتوقع الآلاف من الرجال السعوديين العمل في وظائف حكومية مربحة بما يكفي لتغطية احتياجات أفراد الأسرة من النساء العاطلات عن العمل.

وفي مواجهة هذا المد، عندما تولى الملك "عبدالله بن عبدالعزيز" السلطة عام 2005، قاد مبادرة ضخمة لإرسال الطلاب خارج المملكة.

ومن خلال برنامج الملك "عبدالله" للمنح الدراسية، رعت الحكومة آلاف الطلاب السعوديين لمواصلة التعليم الجامعي في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا. وخلال ذروة البرنامج، في العام الدراسي 2014-2015، كان هناك 200 ألف طالب سعودي يدرسون في الخارج. وكان البرنامج متاحا للسعوديين من جميع الخلفيات، للطلاب والطالبات، رغم أن النساء كنّ بحاجة إلى إذن من ولي الأمر الذكر لمغادرة البلاد.

وفي مواجهة النقص في الميزانية، جعلت الحكومة القبول في المنحة أكثر تنافسية، ومن المقرر أن تنتهي المبادرة في عام 2020. ويمكن للبرنامج تأجيل مشكلة العمل عن طريق تأخير طالبي العمل عن دخول السوق، رغم أنه تم تصويره على أنه إعداد للقوى العاملة للوظائف التي تنتظرهم حين عودتهم. لكن نظرا لأن العديد من الوظائف الموعودة لم تتحقق بعد، كان التأثير الأكثر أهمية للبرنامج هو التغيير الاجتماعي؛ حيث قضى مئات الآلاف من السعوديين أعواما خالية من الفصل الصارم بين الجنسين وغيره من المعايير المحافظة، وشهد الكثيرون منهم صدمة ثقافية عكسية عند عودتهم. وعندما تم سؤاله عن التغييرات الاجتماعية، أعرب باحث ذكر حصل على درجة البكالوريوس في الولايات المتحدة عن ارتياحه لأن بلده بدأ يصبح "طبيعيا".

وحتى الشباب الذين لم يحصلوا على شهادة في الخارج فقد نشأوا على اتصال أوسع بالعالم عبر الإنترنت. ويعد السعوديون أكثر مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي نشاطا في الشرق الأوسط. وأوضحت موظفة شابة في إحدى الوكالات الحكومية أن المملكة "تفتح أبوابها". وقد شجع "محمد بن سلمان" على ذلك، لكنه لم يكن هو من بدأ الأمر. ومن خلال تجربتها، يشعر الشباب الذين درسوا في الخارج بالامتنان للدولة السعودية، ولا يرغبون في استمرار صورة المملكة شديدة المحافظة، ويتطلعون إلى تحسين سمعتها الدولية، ويتشاركون هذا القلق مع "بن سلمان".

وتتعلق التغييرات الاجتماعية الأكثر وضوحا بالمرأة. ووفقا لموظف من الذكور في شركة النفط الوطنية السعودية "أرامكو"، تم تعيين 3 نساء للتو في قسمه، الذي كان يقتصر على الذكور سابقا. ومع ذلك، بالنظر إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الرجال، فقد تزيد الجهود التي تقودها الحكومة لتوظيف النساء إلى عدم الراحة في التعامل بين الجنسين؛ مما يؤدي إلى معاملة تفضيلية للرجال. ورغم أن العديد من الشابات أفدن بأنهن كن موضع ترحيب من زملائهن الجدد من الذكور، إلا أن الاستياء قد يزداد مع المنافسة.

ولا تعد مقاومة مشاركة المرأة مقصورة على الذكور السعوديين. فقد تحدثت موظفة في وكالة حكومية عن معارضة بعض النساء للإصلاحات ذات الصلة بالجنس، وقالت: "إنهن لا يمانعن في طلب الإذن؛ لأن هذا يعني أن على أزواجهن الاهتمام بهن وإدراك احتياجاتهن في جميع الأوقات. وبالنسبة للبعض، فإنهن يعتبرن ذلك في الواقع وسيلة للسيطرة على الرجال". ورغم أن التغطية الإعلامية الأمريكية تركز على ضحايا نظام ولاية الذكور، تخشى بعض النساء السعوديات من أنه إذا تم رفع النظام، فسوف يفقدن الدعم المالي من أقاربهن الذكور، ويتعين عليهن توفير المال لأنفسهن ولأطفالهن دون مساعدة من أحد.

وبالنسبة للعديد من السعوديين الذين تلقوا تعليمهم في الخارج، يكمن الطريق إلى الأمام في إعطاء النساء الخيار. وفي السابق، تم الالتزام بالقواعد الاجتماعية المحافظة. أما الآن، يدعم العديد من الشباب نظاما يسمح للمرأة بالقيادة والعمل والسفر إذا رغبت في ذلك، لكن إذا لم تفعل ذلك، فيمكنها أن تختار أن تعتمد على الوصي الذكر. وخارج السعودية، قد يبدو الاحتفاظ طوعا بالوضع القانوني للولاية أمرا مستهجنا، لكن الفرق يكمن في حق المرأة في الاختيار.

حقيقة التغيير

ورغم تصوير الإصلاحات الاجتماعية الأخيرة بأنها جاءت من أعلى إلى أسفل، فقد تم تنفيذ العديد من القرارات في أعقاب ضغوط عامة. وأوضحت إحدى العضوات في الحوارات الوطنية التي دعا إليها ولي العهد آنذاك، الأمير "عبد الله"، عام 2003، أن حقوق المرأة قد توسعت ببطء من خلال المداولات وأنشطة الجماعات النسائية. وأكدت: "كان أحد الحوارات الوطنية في عام 2004 خاصا بقضايا المرأة، وبعدها تلقينا العديد من التوصيات من السيدات. وتم تنفيذ عدد قليل منها، مثل إصدار بطاقة هوية وطنية للنساء؛ حيث حدث هذا في عام 2001، وتم السماح للنساء بالتسجيل في الفنادق في عام 2008، والسفر داخل دول مجلس التعاون الخليجي دون إذن من ولي الأمر عام 2012". وأشارت إلى أن قرار الملك "عبد الله" بتعيين النساء في مجلس الشورى عام 2013 كان نتيجة أعوام من الضغوط والمطالبات. ومع ذلك، على الرغم من أن التغييرات وسعت استقلالية المرأة السعودية، إلا أن القليل من هذه الإصلاحات حظى باهتمام دولي كبير. ويدرك "بن سلمان" أهمية الصورة؛ حيث تعمل صورة لسيدة تقود سيارة في المملكة على الترويج للتغيير بشكل أكثر فعالية من صورة امرأة تصوّت في انتخابات بلدية.

وبالنسبة لبعض السعوديين، فإن التركيز على القيادة والحفلات الموسيقية في غير محله؛ حيث أبدت موظفة حكومية القلق من أن التغطية الإعلامية أقنعت بقية العالم بأن السعوديين مهووسون بالسينما وليس القضايا الأكثر موضوعية. وأبدى كل من الرجال والنساء بعض الاستياء من التركيز على الترفيه بدلا من التغيير الأكثر أهمية. لكن ليس هناك أي مجال للاعتراض أو النقد. وقال أحد الزملاء السعوديين إن مستوى القمع أشد مما كان يتذكره على الإطلاق، حتى في أسوأ حالاته إبان الانتفاضة الجماهيرية عام 2011.

وقد أثبت "بن سلمان" أنه لن يتسامح مع أي معارضة. ويبدو أن ولي العهد يكره بوجه خاص تصويره كرجل يخضع للاحتجاجات العامة. وعلى سبيل المثال، لم يتم سجن الناشطة البارزة "هتون الفاسي" عندما نشرت صورة على موقع "تويتر" تبرز حصولها على رخصة قيادة، لكنها تم احتجازها بعد أن قالت إن الضغط العام هو ما أنهى الحظر المفروض على قيادة المرأة. ويخشى "بن سلمان" أنه إذا بدا أنه يستسلم للمطالبات، فسيفتح أبوابا لفيضان من المطالب الأخرى، ولن تكون الحكومة قادرة على معالجة العديد من المطالب والاحتجاجات من المواطنين الذين تم قمعهم لفترة طويلة.

ومن خلال تصوير نفسه على أنه المسؤول الوحيد عن التغييرات الحالية، رفع "بن سلمان" توقعات رعاياه، وربما تجاوزت ما سيكون قادرا على تحقيقه. فماذا سيكون حال المملكة عند حلول عام 2030؟ هل يبقي الكثير من السعوديين، ذكورا وإناثا، يناضلون من أجل إيجاد عمل ودعم أسرهم في اقتصاد يستمر في إثراء من هم في قمة هرم السلطة مع منع المواطنين من المشاركة السياسية؟ حسنا، لقد تحمل "بن سلمان" المسؤولية الكاملة عن تحويل المملكة، وسيحمله رعاياه المسؤولية كاملة إذا فشل في ذلك.

المصدر | أنيلا شيلاين - لوب لوج

  كلمات مفتاحية