لماذا لا يشعر ترامب بالقلق من ارتفاع أسعار النفط؟

الأربعاء 12 يونيو 2019 10:06 ص

قبل شهر أو نحو ذلك، استخلص الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" وعدًا من المملكة العربية السعودية بأنها ستضخ مزيدًا من النفط لتخفيف خطر ارتفاع أسعار النفط الناتج من تراجع صادرات النفط الإيرانية.

كان هناك تشكك في ذلك الوقت بشأن استعداد السعودية أو قدرتها على الوفاء بهذا الوعد، لكن النفط دخل الأسبوع الماضي منطقة الهبوط رسميا بانخفاض قدره 20% تقريبا (رغم أنه عاود الارتفاع نسبيا بعد الأحداث الأخيرة في خليج عمان).

ومع اقتراب موعد اجتماع منتجي أوبك مع منتجي النفط من خارج أوبك يومي 25 و 26 يونيو/ حزيران، يبقى السؤال حول إذا ما كان بإمكان "ترامب" أن يثق في السعودية للقيام بدورها في الحفاظ على الأسعار منخفضة. وفي كلا الحالتين، يبدو "ترامب" رابحا سواء أوفى السعوديون بوعدهم أم لا.

من وجهة نظر الولايات المتحدة ، هناك أمران رئيسيان يحددان موقف "الخسارة": الأول هو الوضع الاقتصادي، والثاني الوضع الجيوسياسي.

على المستوى الاقتصادي، وبالرغم من استمرار الاقتصاد الأمريكي في أدائه القوي خلال الربع الأول من هذا العام يشعر الكثيرون أن الركود قد يكون قاب قوسين أو أدنى خاصة مع الشكوك الاقتصادية المرتبطة بالحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، والتي تؤثر سلبًا على أرقام النمو الاقتصادي.

وهناك صلة رئيسية بين الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة وسعر النفط وهي علاقة تتحدد عبر سعر البنزين. وتقول القاعدة إن مقابل كل 10 دولارات أمريكية من التغير في سعر البرميل الواحد من النفط الخام، يتغير سعر جالون البنزين بمقدار 0.25 دولار.

بدورها، ذكرت رابطة السيارات الأمريكية في واشنطن أنه مقابل كل 0.01 دولار أمريكي من الانخفاض في ​​متوسط ​​سعر البنزين، يتم توفير أكثر من مليار دولار أمريكي سنويًا من الإنفاق الاستهلاكي الإضافي.

وأكد "بوب ماكنالي" مستشار الطاقة السابق للرئيس السابق "جورج دبليو بوش" على هذه النقطة قائلا: "هناك القليل من الأشياء التي تخيف الرؤساء الأمريكيين أكثر من ارتفاع أسعار الوقود".

ويرتبط السبب الجيوسياسي بأسعار النفط اللازمة لإحداث توازن في ميزانيات كبار الدول المنتجة. ومن خلال استغلال الاختلافات في احتياجات هذه الدول، تسعى الولايات المتحدة إلى دق إسفين في العلاقة الناشئة حديثًا بين الزعيم الفعلي لأوبك، المملكة العربية السعودية، وبين روسيا، الزعيم الفعلي للدول المنتجة خارج أوبك.

بادئ ذي بدء، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى سعر نفط أعلى من 84 دولارًا أمريكيًا للبرميل لخام برنت لموازنة ميزانيتها وتحتاج إلى مراكمة فوائض مالية جديدة من أجل معالجة الآثار الكارثية لمحاولتها تدمير صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة في الفترة بين عامي 2014 و2016.

وفي عام 2015، سجلت المملكة عجزًا كارثيا في الموازنة بلغ 14.8% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما بلغت نسبة العجز في عام 2016 حوال 12.8%، قبل أن يتحسن العجز بشكل طفيف ليصل إلى 8.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، لكنه عاد للتفاقم مرة أخرى في عام 2018 وصولا إلى نسبة 9.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

كان الوضع المالي للمملكة سيئًا للغاية حيث أجبرت المملكة خلالها على إنفاق حوالي 250 مليار دولار من احتياطياتها من العملات الأجنبية في عامي 2014 و 2015 فقط، حتى إن بعض الخبراء توقعوا أن المملكة يمكن أن تفلس خلال ثلاث إلى أربع سنوات. وعلى الرغم من أن المملكة حققت انتعاشا خلال الربع الأول من هذا العام، فمن غير المرجح أن تحقق البلاد فائضًا سنويًا حتى عام 2023 على أقرب تقدير.

بالنسبة لروسيا، يبدو أن موسكو بدأت ترسل إشارات حول رغبتها في إعادة النظر في صفقتها مع أوبك خشية فقدان حصتها في السوق لصالح الولايات المتحدة بسبب تخفيضات الإنتاج.

وذكر الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" جمهوره في مؤتمر استثماري بموسكو بأن السياسة المالية لروسيا موضوعة حول سعر 40 دولارًا أمريكيًا للبرميل، وهو أدنى من متوسط تكلفة إنتاج برميل من النفط الصخري في الولايات المتحدة، والتي تتراوح بين 35 إلى 45 دولارا.

ووفقًا للتوقعات الأخيرة الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، قد يتضاعف إنتاج النفط الصخري من مستواه الحالي البالغ حوالي 4 ملايين برميل يوميًا إلى 8 ملايين برميل يوميًا على الأقل خلال السنوات الأربع القادمة مما سيرفع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام إلى متوسط ​​12.45 مليون برميل يوميًا هذا العام وإلى 13.38 مليون برميل يوميًا في العام المقبل.

ويعني هذا فعليًا أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تخسر في الصراع الحالي حول أسعار النفط، فإما أن تستمر السعودية في دفع الأسعار نحو الصعود وفي هذه الحالة سوف تستفيد الولايات المتحدة اقتصاديًا على الفور عبر تعزيز منتجي النفط الصخري، وساعتها ربما تتحرك الولايات المتحدة لتدمير أوبك تمامًا عبر مشروع قانون "نوبك" الذي يعاقب المنظمة بسبب ممارساتها الاحتكارية، والذي لا يعوقه سوى حق النقض للرئيس "ترامب".

وإذا اختارت السعودية رعاية مصالحها المباشرة عبر رفع الأسعار، فإن المرجح أن يسمح "ترامب" بتمرير القانون، وساعتها لن تواجه السعودية فقط الدعاوى المحتملة ضد أوبك، ولكن من المحتمل أيضًا أن تشهد انتعاشًا في وتيرة الدعاوى المدنية ضد المملكة بسبب دورها المزعوم في أحداث 11 سبتمبر، مما يهدد ترليون دولار من الأصول السعودية في الولايات المتحدة.

 في المقابل، إذا اختارت المملكة الانصياع لرغبات "ترامب" والعمل على خفض الأسعار، فسوف يحقق الرئيس رغبته في الإبقاء على أسعار البنزين منخفضة في عام الانتخابات، وفي كل الأحوال فإن الولايات المتحدة لا يمكن أن تخسر في هذه المعركة، ويبقى الجدل محتدما فقط حول أي النصرين سوف تحوزه واشنطن في نهاية المطاف.

المصدر | أويل برايس

  كلمات مفتاحية