ناشيونال إنترست: لماذا سيفشل الضغط الأمريكي على إيران؟

الأربعاء 12 يونيو 2019 04:06 ص

في أوائل شهر مايو/أيار، كثفت كل من إيران والولايات المتحدة خطابهما العدائي، وبدا أن الخصمين كانا على وشك الدخول في مواجهة عسكرية. وكانت إدارة "ترامب" قد قررت عدم تجديد الإعفاءات التي منحتها لعدد قليل من الدول لاستيراد النفط الإيراني، وردت طهران بتعليق بعض التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يسمى بـ "الاتفاق النووي".

علاوة على ذلك، تم اتهام الجمهورية الإسلامية بالوقوف وراء هجمات غامضة على 4 ناقلات نفط وهجوم بطائرة بدون طيار على خط أنابيب سعودي، ومؤخرا تم اتهامها بالهجوم على ناقلات للنفط في خليج عمان. كما تم اتهامها بالتخطيط لشن هجوم على القوات الأمريكية في العراق وسوريا، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وردت الولايات المتحدة بنشر حاملة طائرات في الخليج العربي، وأعلنت عن خطة لإرسال المزيد من القوات إلى المنطقة.

وبحلول أوائل يونيو/حزيران، يبدو أن احتمالات المواجهة تلاشت لفترة قبل أن تدخل في موجات متباينة من الصعود والهبوط. وصرح الرئيس "دونالد ترامب" أن إدارته لا تسعى لتغيير النظام في طهران، وقال الرئيس "حسن روحاني" إن المفاوضات قد تحدث إذا أبدت الولايات المتحدة الاحترام لبلاده.

وفي الوقت نفسه، أعرب رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي" عن اهتمامه بالتوسط في الأزمة بين طهران وواشنطن. وبعد لقائه بنظيره السويسري "إجناسيو كاسياس"، أعلن وزير الخارجية "مايك بومبيو" أن الولايات المتحدة مستعدة للتعامل مع إيران دون أي شروط مسبقة.

وتثير هذه التطورات 3 أسئلة مهمة: هل من الممكن التوصل إلى حل توفيقي مقبول يحفظ ماء الوجه للجميع؟ وكيف تبدو مثل هذه التسوية؟ وكيف يمكن للانفراجة بين طهران وواشنطن أن تسهم في بنية أمنية جديدة في الشرق الأوسط؟

البحث عن حل وسط

منذ توليه منصبه، سعى "ترامب" إلى إعادة القوات الأمريكية إلى الوطن، وتجنب المواجهات العسكرية. وحذر العديد من المحللين من أي مواجهة مع إيران، وهي دولة تضم أكثر من 80 مليون مواطن، مع شبكة كبيرة من الوكلاء والحلفاء، وتعد لاعبا رئيسيا في سوق الطاقة العالمي.

وفي ظل العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة تمارس طهران ما يطلق عليه قادتها "الصبر الاستراتيجي". وصرح آية الله "خامنئي"، والرئيس "روحاني"، وغيرهما من القادة الإيرانيين، مرارا وتكرارا أن بلادهم لا تسعى للذهاب إلى الحرب. ويمكن القول إن القوى الإقليمية الأخرى لا تريد حربا بين طهران وواشنطن، لأنها سوف تزعزع استقرار المنطقة.

وبدلا من ذلك، من المحتمل أن القادة الإقليميين يفضلون رؤية واشنطن تحتوي طهران فقط. ومن شأن مثل هذا الاحتواء أن يضمن تقييد التنمية الاقتصادية والطموح العسكري لإيران.

وبالإضافة إلى هذا الافتقار إلى الإرادة السياسية للانخراط في مواجهة عسكرية، طور الاستراتيجيون الإيرانيون استراتيجية للحرب غير المتماثلة. وتعرِّف وزارة الدفاع الأمريكية هذه الحرب بأنها "تطبيق استراتيجيات وتكتيكات وقدرات وأساليب مختلفة للتحايل على نقاط القوة لدى الخصم أو تحييدها مع استغلال نقاط ضعفه".

وفي هذا السياق، طورت طهران قدرات صاروخية بحرية وإلكترونية وباليستية. وترسل هذه القدرات رسالة واضحة مفادها أن المواجهة العسكرية مع طهران ستكون مكلفة.

وأخيرا، توضح الحروب في أفغانستان، التي بدأت عام 2001، والعراق، التي بدأت عام 2003، أن المواجهات العسكرية تطور بيئة خاصة بها يصبح من الصعب معها إيجاد حل سياسي لإنهاء الحرب.

بمعنى آخر، فإن الدرس الرئيسي من هاتين الحربين هو أن الدخول في حرب أسهل دائما من الخروج منها. وتجدر الإشارة إلى أن عدد سكان أفغانستان والعراق ضئيل، وأن البلدين ليس لديهما نفس الهويات الوطنية القوية مثل الهوية الوطنية في إيران.

على هذه الخلفية، يبدو أن القادة السياسيين والعسكريين في كل من طهران وواشنطن قد استنتجوا أن استخدام الخيارات العسكرية لمعالجة خلافاتهم الاستراتيجية لن ينجح على الأرجح. حيث قد يدفع الجانبان ثمنا باهظا، وتعاني المنطقة بأكملها من فوضى سياسية واقتصادية.

ما الذي ينطوي عليه الحل الوسط؟

وتعرب إدارة "ترامب" عن معارضتها الشديدة لثلاث سياسات إيرانية رئيسية، وهي دعم طهران للوكلاء والحلفاء في النزاعات الإقليمية، وبرنامجها الصواريخ الباليستية، والأهم: برنامجها النووي. ويشير الفحص الدقيق لسياسات طهران إلى أنه من غير المرجح أن تغير الجمهورية الإسلامية موقفها من القدرات الصاروخية والصراعات الإقليمية. وبغض النظر عن البيانات شديدة اللهجة، ستكون إيران منفتحة فقط أمام حل وسط بشأن البرنامج النووي.

وتعد إيران أمة شيعية وفارسية في شرق أوسط مكون إلى حد كبير من العرب السنة، لذلك فهي أقلية في جوارها. وفي الوقت نفسه، تتمتع طهران بعلاقات تاريخية مع المجتمعات العرقية والطائفية في العديد من الدول المجاورة. وتعتبر طهران هذه العلاقات القوية، مع حزب الله في لبنان، ونظام "الأسد" في سوريا، والميليشيات الشيعية في العراق، مسألة تتعلق بالأمن القومي.

ويعطي حزب الله طهران خيار الرد والانتقام إذا هاجمتها (إسرائيل). وتضمن الميليشيات والأحزاب السياسية الشيعية في العراق عدم وجود حكومة معادية في بغداد مماثلة لتلك التي كانت قائمة قبل عام 2003 مرة أخرى.

وبالمثل، تمنح الصواريخ الباليستية طهران القدرة على سد الفجوة بين سلاحها الجوي الضعيف وقوات الولايات المتحدة وحلفائها. وتعني هذه الصواريخ أن إيران يمكنها الرد الانتقامي وجعل أي تصعيد عسكري ضدها مكلفا. ومنذ الثمانينات استثمرت الجمهورية الإسلامية بكثافة في تطوير برنامج صاروخي محلي. ونتيجة لذلك، تمتلك طهران الآن برامج صواريخ متنوعة قد تصل إلى أي مكان في الشرق الأوسط تقريبا.

ويرى القادة الإيرانيون أن قدراتهم الصاروخية مسألة بقاء. وقبلوا بالفعل عدم زيادة مدى صواريخهم الحالية، لكن من المؤكد أنهم سيواصلون العمل على تحسين دقتها، وليس من المرجح أن يقبلوا قيودا على اختبار وتطوير ترسانتهم الصاروخية.

وعلى عكس السياسات الإقليمية والصواريخ الباليستية، يوفر البرنامج النووي المجال لطهران وواشنطن لإيجاد أرضية مشتركة.

وكان القادة الإيرانيون ثابتون في إنكار أي مصلحة في الحصول على أسلحة نووية.

وهم يزعمون أن البرنامج النووي لا يخدم أغراضا عسكرية، وأنه مخصص للأغراض المدنية فقط. وخلال المفاوضات التي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015، رفض الإيرانيون أي قيود على قدراتهم الصاروخية، لكنهم قبلوا القيود المؤقتة على برنامجهم النووي.

وقد تشمل التسوية تمديد القيود التي قبلتها طهران بالفعل في السابق، مقابل رفع جميع العقوبات، تلك المتعلقة بالبرنامج النووي وكذلك العقوبات الأخرى المتعلقة بالإرهاب وحقوق الإنسان. ويمكن التصديق على هذه الصفقة المنقحة من قبل مجلس الشيوخ، ويمكن للرئيس "ترامب" أن يدعي أنه تفاوض على صفقة أفضل من سلفه.

بنية أمنية إقليمية جديدة

ولا يوجد شك في أن استراتيجية "أقصى ضغط" تجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة لحكومة طهران وأغلبية الشعب الإيراني. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يؤدي الضغط إلى تغيير كبير في السياسة. وكانت الثورة الإسلامية عام 1979 مدفوعة إلى حد كبير بالعداء تجاه الاختراق الأمريكي للحكومة والمجتمع الإيرانيين.

وعلى مدى أجيال، كان الإيرانيون ينظرون إلى بلادهم على أنها ضحية لتدخل القوى العالمية، بما في ذلك روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة. وهم يعتقدون أن هذه القوى العالمية حرمت إيران من الصدارة الإقليمية التي تستحقها. وتعزز العقوبات الاقتصادية هذا الشعور بالإيذاء، وليس من المرجح أن تؤدي إلى تحول رئيسي في السياسة.

ويجب ألا تأتي الصفقة المعدلة مع إيران، التي تنطوي على تنازلات من جميع الأطراف، على حساب القوى الإقليمية الأخرى، مثل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة و(إسرائيل).

وفي الأسابيع الأخيرة، اقترحت طهران توقيع معاهدة عدم اعتداء مع جيرانها العرب، لكن الرياض وأبوظبي رفضتا هذه المبادرة. ومع ذلك، يمكن تخفيف التوترات بين دول الشرق الأوسط إذا كان لإيران علاقات أفضل مع جيرانها. ولا تحتاج الدول العربية إلى رؤية إيران كعدو مشترك من أجل العمل معا. وبدلا من ذلك، تحتاج بلدان الشرق الأوسط الكبرى فقط إلى الاتفاق على بنية أمنية إقليمية شاملة. وسوف يكون هذا اقتراحا مفيدا للجانبين، ويمهد الطريق نحو تحقيق السلام العالمي.

المصدر | جودت بهجت - ناشيونال إنترست

  كلمات مفتاحية