لوب لوج: ماذا وراء الخلاف الفرنسي الإيطالي حول ليبيا؟

الاثنين 17 يونيو 2019 12:06 م

يعد دعم فرنسا للجنرال الليبي "خليفة حفتر" أحد الديناميات المهمة التي تشكل الحرب الأهلية الليبية المستمرة منذ خمس سنوات.

وعلى الرغم من أن المسؤولين في باريس ينكرون عمومًا دعم "حفتر"، أو يلتزمون الصمت حيال هذه القضية، هناك أدلة على أن قوة القائد الشرقي تُعزى جزئيًا إلى فرنسا.

في الواقع، منذ مقتل ثلاثة من القوات الفرنسية الخاصة في ليبيا في يوليو / تموز 2016، فهم الخبراء أن فرنسا هي اللاعب الرئيسي في الأزمة المستمرة في البلاد الواقعة في شمال أفريقيا والتي اشتدت في أبريل/ نيسان مع هجوم "حفتر" على طرابلس.

الانقسام الأوروبي

ويعد دعم فرنسا لـ"حفتر" أحد تجليات الانقسام الأوروبي حول الحرب الأهلية الليبية حيث تدعمه إيطاليا، المستعمر الأوروبي السابق، بينما تدعم دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، والتي لا يعتبرها "حفتر" شرعية.

ويرفض المسؤولون في روما دعم باريس لـ"حفتر"، وترى القيادة الإيطالية أن هذا الدعم يقوض بشدة أي آمال دائمة في التوصل إلى حل سياسي للحرب الأهلية. وانتهى أي شك حول عجز الاتحاد الأوروبي عن التصرف بشكل جماعي تجاه ليبيا بعد أن منعت فرنسا الكتلة من إصدار بيان يطالب فيه "حفتر" بوقف هجومه تجاه الغرب بعد وقت قصير من بدء هجوم قواته.

وتنافست فرنسا وإيطاليا لفترة طويلة على النفوذ في المغرب الكبير. لكن التطورات الأخيرة في ليبيا أضافت توتراً ملحوظاً للعلاقات بين باريس وروما، كما يتضح من التصريحات القوية الصادرة عن المسؤولين الإيطاليين.

المهم، هو أن المنافسة بين فرنسا وإيطاليا على النفوذ وجداول الأعمال المتصادمة في ليبيا تزيد من زعزعة استقرار الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.

وعلى الرغم من أن ليبيا أصبحت نقطة تحول رئيسية في العلاقات الفرنسية الإيطالية، إلا أن باريس وروما تشتركان في نهاية المطاف في العديد من المصالح في مستقبل ليبيا.

ولا ترغب أي من العاصمتين في رؤية الجماعات المتشددة مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" تكتسب موطئ قدم طويل الأمد في ليبيا. وتود الحكومتان الفرنسية والإيطالية التوصل إلى تسوية سياسية في ليبيا لمساعدة أوروبا على التعامل مع وصول اللاجئين والعمال المهاجرين من البلدان الأفريقية والعربية.

ومما لا شك فيه أن الطاقة جزء من الصورة أيضًا، لأن ثروة ليبيا النفطية تقود أيضًا طموحات كل من فرنسا وإيطاليا في البلد الذي مزقته الحرب.

ومع ذلك، على الرغم من هذه المصالح المشتركة في ليبيا، فإن فرنسا وإيطاليا لديهما استراتيجيات مختلفة للغاية للنهوض بها.

من منظور إيطالي، كانت سياسات فرنسا المؤيدة لـ"حفتر" في ليبيا خطيرة وتسهم في سقوط البلد المغاربي في المزيد من عدم الاستقرار.

وفي يناير/ كانون الثاني، كان نائب رئيس الوزراء الإيطالي "ماتيو سالفيني" واضحًا ومباشرًا عندما أوضح هذا الرأي.

وقال إن فرنسا "ليس لديها مصلحة في استقرار الوضع، ربما لأنها لديها مصالح نفطية تعارض مصالح إيطاليا". وأدت هذه الكلمات إلى استجابة فرنسية غاضبة حيث تم استدعاء سفير إيطاليا من أجل المطالبة بتفسير.

وبالنسبة إلى الرئيس "إيمانويل ماكرون"، كان دعم باريس لـ"حفتر" يدور حول مواجهة التهديدات الإرهابية الإرهابية المتصورة وتعزيز مكانة فرنسا على الساحة الدولية.

مقاربة مضللة

ومع ذلك، فإن الحكمة التقليدية لدى الحكومة الإيطالية هي أن مقاربة "ماكرون" تجاه ليبيا كانت معيبة ومضللة بشكل أساسي. وترى السلطات الإيطالية أن القيادة الفرنسية ساذجة بشأن الحقائق المعقدة لليبيا بينما تعتمد كثيراً على فكرة غير واقعية مفادها أن النصر العسكري يمكن أن يحقق السلام في ليبيا.

كما جادل "سالفيني" وشخصيات إيطالية أخرى، فإن دعم فرنسا "حفتر" يتعلق بمصالحها الاقتصادية والتجارية في ليبيا. ومع سيطرة قوات "حفتر" تقريبًا على جميع احتياطيات ليبيا من النفط، من الشائع أن نسمع المسؤولين الإيطاليين يزعمون أن طموحات شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال تقع في قلب السياسة الخارجية الليبية لباريس.

ويعد "حفتر" عدوا للإخوان المسلمين الليبيين. ولم يثبت القائد الشرقي أنه قادر على توحيد البلد بأكمله تحت حكمه.

ويعد الفاعلون الخارجيون الذين يحاولون مساعدته على تحقيق هذه الغاية مذنبين بالمساهمة في مزيد من العنف وعدم الاستقرار في ليبيا.

ويتضح من سفك الدماء الذي عانت منه ليبيا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أنه لن يتم استقبال حفتر في طرابلس كبطل يحرر المدينة الليبية من الميليشيات الخارجة عن القانون، كما كان يأمل القائد الشرقي. فالمقاومة أقوى مما توقعه في البداية، ويبدو أن حملته العسكرية تواجه انتكاسات كبرى.

والآن يجب على الليبيين والدول المجاورة أن يواجهوا حقائق جديدة؛ حيث أثار هجوم "حفتر" على طرابلس نوبات جديدة من القتال، مما جعل الخبراء متشائمين بشكل متزايد حول إمكانية وصول الأطراف المعارضة في ليبيا إلى طاولة المفاوضات للتفاوض من أجل السلام.

بالنظر إلى الظروف الحالية، من السهل أن تتخيل كل من فرنسا وإيطاليا تعانيان من تهديد إرهابي متزايد من ليبيا، وكذلك سوء إدارة الوافدين المهاجرين الذي أدى إلى تصاعد موجات كراهية الأجانب في جميع أنحاء أوروبا في السنوات الأخيرة.

ومن الصعب التنبؤ بمصير هذا الصراع في شمال أفريقيا في توتر العلاقات الفرنسية الإيطالية التاريخية القوية. ومع ذلك، من غير المرجح أن ينتهي القتال في ليبيا في أي وقت قريب، ومن الصعب تخيل أن تجد باريس وروما نفسيهما في نفس الصفحة فيما يتعلق بـ"حفتر" مع استمرار البلاد في دوامة الهبوط.

وتعكس أجندات فرنسا وإيطاليا المتضاربة في ليبيا جزءا من صورة جيوسياسية أكبر في ظل خلال غياب الولايات المتحدة كممثل مؤثر في البلد الذي مزقته الحرب. 

علاوة على ذلك، فإن السياسة الخارجية لباريس في ليبيا تتعلق أيضًا بالأجندة الدولية لـ"ماكرون" التي عملت على تقوية شراكات فرنسا الاستراتيجية مع أهم رعاة "حفتر" العرب وهم مصر والإمارات العربية المتحدة.

وعملت إدارة "ماكرون" على مواجهة الجماعات المسلحة عبر المستعمرات الفرنسية السابقة في الساحل وتعتقد أن تعاون فرنسا مع القاهرة وأبوظبي على هذه الجبهة أمر ضروري ويجب أن يستمر.

ويبقى أحد المخاوف في روما هو أن عدم وجود أي عمل أمريكي حازم تجاه ليبيا قد مكن فرنسا من التصرف بتهور والسعي وراء أهداف خطيرة تحت شعار مكافحة الإرهاب.

وما تريده إيطاليا هو إدارة أمريكية يمكنها أن تثبت قدرتها على الضغط على "حفتر" لوقف هجوم الجيش الوطني الليبي والتفاوض مع أعدائه من أجل التوصل إلى اتفاق سلام. ومع ذلك، مع وجود الرئيس "دونالد ترامب" في البيت الأبيض، ليس لدى إيطاليا أي سبب لتوقع أي تحول من هذا القبيل في السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

المصدر | جورجيو كافييرو - لوب لوغ

  كلمات مفتاحية