ذي أتلانتيك: ما الذي خسرته مصر برحيل محمد مرسي؟

الاثنين 17 يونيو 2019 03:06 م

كانت حياة "محمد مرسي" نتاج سلسلة من الصدف. عندما قابلته للمرة الأولى، كان مسؤولًا كبيرًا ولكنه غامض نسبيًا وليس مهمًا بشكل خاص في جماعة الإخوان المسلمين، ويمكن للمرء أن يتخيل بسهولة له أن يظل على هذا النحو. لقد كان مخلصًا، وجنديا، ومنفذاً، ثم أصبح شيئًا آخر: أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، وأيضًا الرئيس الأخير، على الأقل في المستقبل المنظور.

ويظهر القادة ذوو البصيرة أحيانًا خلال لحظات الأزمة والانتقال. ولكن كما هو الحال في كثير من الأحيان، يجد بعض الرجال والنساء العاديين أنفسهم في خضم أحداث تاريخية، يشكلونها وتشكلهم على حد سواء.

صعود غير متوقع

تم انتخاب "مرسي" - الذي توفي في قاعة محكمة في القاهرة يوم الإثنين الماضي - في عام 2012 وأطيح به في انقلاب عسكري بعد ذلك بعام. لم يكن "مرسي" صاحب كاريزما، ولم يكن مفكراً استراتيجياً، وبدا رجلاً غير مناسب بشكل خاص للمسؤولية المنوطة به.

وعند النظر إلى الخلف في ظل معرفة الوضع الحالي، فإن الكثيرين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين - المسجونين والمنفيين والمختبئين - كانوا ليأملوا ألا تختار قيادة الجماعة تقديم مرشح للرئاسة أبدًا. لكن "مرسي" لم يكن المعنيّ في البداية.

كان المرشح الأصلي لجماعة الإخوان المسلمين للرئاسة هو رجل الأعمال "خيرت الشاطر"، وهو رجل واثق فارع الجسد ومفعم بالطموح، ووصفه البعض بأنه أقوى رجل في مصر.

وتم استبعاده من الترشح بناءً على نقطة فنية قانونية. وبالنسبة للجماعة، كان هذا مؤشرا على سعي الجيش لمنع صعود جماعة الإخوان المسلمين بأي وسيلة ضرورية. وهكذا أصبح "مرسي"، الذي سخرت منه وسائل الإعلام المصرية ووصفته بـ"الاستبن"، مرشحاً بالصدفة ثم رئيساً بالصدفة.

عندما جلست مع"مرسي" في شهر مايو/أيار 2010، كان الديكتاتور "حسني مبارك" لا يزال في الحكم، وكانت فكرة نشوب انتفاضة يمكن أن تُجبره على الخروج تبدو غير معقولة.

في ذلك التوقيت، أصر "مرسي" على أن جماعة الإخوان المسلمين ليست لها مصلحة في السلطة حتى أنه اعترض على استخدام كلمة "معارضة" لوصف الجماعة. كان القمع يتصاعد، والفضاء السياسي يزداد انغلاقا بعد سنوات من الانفتاح النسبي بين عامي 2004 و 2005. وكانت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 هي الأكثر زيفا في تاريخ البلاد، حيث تم تقليص حصة جماعة الإخوان المسلمين في البرلمان من 88 مقعدًا إلى صفر، وبدا أعضاء الجماعة محبطين ولكن ليسوا بالضرورة في حالة من اليأس. لقد كانوا يلعبون اللعبة الطويلة، وهو ما كان الإخوان يفضلون لعبه دائمًا، لكن تعرضهم لإغراء السلطة، قادهم، وقاد "مرسي" نفسه، إلى سلسلة من الأخطاء وسوء التقدير.

جرت الحملة الرئاسية في ربيع عام 2012 في ظروف فوضوية وغير مستقرة، وعلى الرغم من أن الإخوان أُثقلوا بمرشح ضعيف قبل شهرين فقط من الانتخابات، فقد انتشر ناشطو الإخوان في جميع أنحاء البلاد، للترويج لما أطلق عليه مشروع النهضة، وهو البرنامج الانتخابي لـ"مرسي" ومن قبله "خيرت الشاطر". وفي عرض منسق للقوة، عقد الإخوان 24 حشداً انتخابياً متزامنًا في جميع أنحاء البلاد في يوم واحد. وفي أحد التجمعات، سألت أحد ناشطي الإخوان المسلمين عما إذا كان متحمسًا لـ"مرسي"، فابتسم ثم ضحك.

ما الذي خسرته مصر

كان من السهل تجاهل "مرسي" في ذلك الوقت وسيكون من السهل تجاهله الآن كحاشية في تاريخ مصر السياسي. وسوف يكون من السهل نسيانه دون ضجة في حقبة تعد هي الأكثر قمعًا في تاريخ مصر. لكن فترة الـ 12 شهرًا القصيرة التي وجد فيها نفسه في السلطة كانت فترة غير عادية لمصر. كان "مرسي" غير كفء ومثير للاستقطاب، لكنه لم يكن فاشيًا أو فرعونًا جديدًا، كما كان يحب خصومه الادعاء.

في مقال سابق لصحيفة "ذا أتلانتيك" ، قست بصحبة أحد زملائي تقييماً للسنة التي حكم فيها مرسي باستخدام مؤشر "Polity IV"، الذي يعد أحد أكثر المقاييس التجريبية استخدامًا لقياس الحكم الاستبدادي والديمقراطية، ثم قارناه بحالات أخرى.

وخلصنا إلى أن "مرسي" كان أقل استبدادية من معظم الزعماء الذين حكموا خلال الفترات الانتقالية، وكان أكثر ديمقراطية من القادة الذين حكموا بلادهم إبان فترات التحولات المجتمعية.

ولكن التركيز الضيق على "مرسي" - كشخص أو كرئيس - يفوت أمورا أخرى مهمة صارت أكثر وضوحا خلال السنوات الماضية. وربما تكون مصر تحت حكم "مرسي" قد شهدت استقطابًا غير مسبوق لكنها كانت في أكثر حالاتها حرية منذ استقلالها في عام 1952.

كان المصريون يصرخون ويحتجون ويضربون تأييدا لـ"مرسي" أو رفضا له. هذا بالطبع هو أيضًا ما جعل تلك السنة مروعة حيث صارت ميدانا للصراعات الفكرية والتنافس بين الأحزاب والأفراد، ولأعمال العنف التي جلبها الشعور المطلق بالانفتاح. 

ولا توجد أي فترة أخرى في تاريخ مصر الحديث تقترب من ذلك العام. ولم يكن هذا بسبب "مرسي" وحده، ولكن لأن مصر كانت تحاول أن تصبح دولة ديمقراطية، حتى وإن تعثرت في ذلك. وكان "مرسي" نفسه - الذي يعاني من عيوب شديدة - نتاج تلك التجربة القصيرة، ولذلك فإن تذكر "مرسي" اليوم في جوهره تذكرة بما خسرته مصر منذ رحيله على السلطة وحتى رحيله عن الحياة.

المصدر | شادي حميد - ذي أتلانتيك

  كلمات مفتاحية