مفارقات قتل الرئيس الشرعي لمصر

الخميس 20 يونيو 2019 12:06 م

في 4 أبريل/نيسان 2018 وقبل أسبوع واحد من تسلم "عبدالفتاح السيسي" عهدة رئاسية جديدة نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية مقالة بعنوان: "إذا لم تتحسن معاملة محمد مرسي في سجن طرة فإنه سيواجه موتاً مبكراً".

معاملة "مرسي"، الذي يعاني من أمراض السكري، والكبد، وضغط الدم المرتفع لم تتغيّر طبعا، وخلال سنوات من سجنه الانفرادي كان محروما من العناية الطبية، وكانت طلباته من سجانيه تقابل بالتجاهل، كما كان محروما من رؤية عائلته التي سمح لها بزيارته 3 مرات خلال 6 سنوات، ومن زيارة محاميه.

بعد يومين من وفاة "مرسي" في قاعة المحكمة نشرت الصحيفة نفسها تقريراً تقول فيه إن "مرسي" "قُتل" عمليا بترك قاضي المحكمة له مغمى عليه في القاعة مدة 20 دقيقة، وهذا يتجاوز سوء المعاملة إلى قرار فعليّ بالقتل أمام الشهود.

وهو ما يفسّر طبعا تحفظ النيابة العامّة المصرية على كاميرات القاعة وإصدارها "أمراً" بدفن الجثمان بالسرعة العاجلة، وهكذا اشتركت في الجريمة الموصوفة أجهزة الدولة المصرية، من الجنرال الذي انقلب على من عيّنه ليصبح رئيس الأمر الواقع، مروراً بأجهزة الحكومة والأمن والتشريع، وانتهاء بجهاز القضاء.

أما والحال هكذا في مصر "الكريمة ولو جارت"، كما وصفها الرئيس الراحل في آخر كلماته، فإن مقتل "مرسي" كشف أيضاً عن مشهد عالميّ وعربيّ مخز حقّاً.

فالولايات المتحدة "رفضت التعليق" على وفاة "مرسي"، ورئيسها، "دونالد ترامب"، لم يجد ما يصرح به على تكريس "السيسي" نفسه رئيسا لـ15 سنة قادمة سوى أنه "رئيس رائع".

أما الدول الأوروبية الكبرى، كفرنسا، فزوّدته بالمعدّات العسكرية والطائرات، وقدّمت ألمانيا له الطائرات، بل أصبح رئيسا للاتحاد الأفريقي، وسمح له باستضافة قادة العالم في الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية هذا العام.

وبما أن الأحوال انقلبت مع "السيسي"، فتحول من رئيس غاصب للسلطة بالقوة العسكرية، إلى رئيس يرحَّب بتخليده نفسه في الرئاسة، فلا غرابة إذن في هذه الغطرسة الكبرى والاحتقار اللامتناهي للإنسانية والمنطق وحتى للأعراف التي توارثتها البشرية.

كان لافتا، في الوقت الذي تجاهلت فيه دول عربيّة عديدة الحادثة، وشاركت بدورها في إخراج الجريمة، موقف بعض الدول والجماهير العربية وهو ما يشير إلى أن الحق ما زال له طلاب، وأن الأخلاق السياسية لم تنقرض.

ويسجّل هنا للرئيس التركيّ "رجب طيب أردوغان"، موقفه الشجاع والحقيقي، وهو الشخص الذي دخل السجن مثل "مرسي" دفاعا عن مبادئه، وكذلك موقف أمير قطر، الذي نعى "مرسي"، وموقف الرئيس التونسي السابق "المنصف المرزوقي"، الذي بكى وهو يتحدث في قناة تليفزيونية.

وكذلك مواقف الجماهير العربية التي تظاهرات وصلّت صلاة الغائب ورفعت الشعارات، في السودان، والجزائر، وقطر، وليبيا، ومناطق سوريا الخارجة عن سلطة النظام، وتركيا، وماليزيا، وإندونيسيا، وأفغانستان، وأنغولا، ومدن في أمريكا وألمانيا وبلدان أخرى.

كان مهماً أيضاً دور أغلب وسائل الإعلام العالمية الشهيرة، كما هو حال "سي إن إن"، و"بي بي سي"، و"واشنطن بوست"، و"نيويورك تايمز"، و"الغارديان"، و"إندبندنت"، التي نشرت الخبر على صفحاتها الأولى، في الوقت الذي تجاهلته صحف بلدان عربية كثيرة، كما نشرت مقالات مهمة في صفحات الوفيات والتقارير.

مقتل "مرسي" كان فضيحة للنظام الرسمي العالمي، ولكنّه كان مناسبة للتعاضد والتضامن بين كل من يرفضون الظلم في العالم.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية