فورين بوليسي: مكانة مصر الإقليمية تراجعت بشكل غير مسبوق

الجمعة 21 يونيو 2019 07:06 ص

في وقت سابق من هذا الأسبوع، توفي "محمد مرسي" رئيس مصر السابق في قاعة محكمة مصرية.

وبالنسبة للبعض في مصر، يتم اعتبار الرئيس المعزول الآن بمثابة بطل شهيد.

وكان "مرسي" أحد أعضاء الكتلة التشريعية لجماعة الإخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري في أواخر فترة "حسني مبارك".

ولو لم يتم استبعاد نائب مرشد الجماعة، "خيرت الشاطر"، من الترشح للرئاسة عام 2012، لكان القليلون قد سمعوا عن "مرسي".

وعلى الرغم من أنه كان منصفا وقويا، فإن "مرسي" لم يكن حكيما بشكل خاص، ولم يُظهر التزاما كبيرا بالديمقراطية، إلا في شكلها غير الليبرالي الذي يعتمد على تصويت الأغلبية.

لكن مع ذلك تدل رئاسته التي لم تكتمل، وموته بسبب نوبة قلبية تراكمت أسبابها، على افتقار مصر للعدل وموقفها غير الجيد على الساحة العالمية.

وبشكل ما، صنع رئيس مصر الأسبق "جمال عبد الناصر" صورة بطولية؛ حيث أعلن انتزاع السيطرة على مصر من البريطانيين، واستطاع في نهاية المطاف تأميم قناة السويس لتكون مصرية خالصة، وكان هذا تتويجا لنحو قرن من النضال من أجل الكرامة.

وكان خليفته، "أنور السادات"، بطوليا بطريقة مختلفة تماما؛ حيث أشرف على "العبور" الأسطوري في أكتوبر/تشرين الأول 1973، الذي أدمى - لكنه لم يهزم - قوات الجيش الإسرائيلي القوية. وخلال 4 أعوام، كان "السادات" يمثل أمام البرلمان الإسرائيلي في سعي نحو تحقيق السلام.

ولم يكن "مبارك" بطوليا، لكنه كان ضابطا محترما في سلاح الجو من جيل 1973، وبحلول وقت سقوطه من السلطة في فبراير/شباط 2011، كان لديه سجل إنجازات حقيقي، على الرغم أنه مثل سابقيه حكم بشكل استبدادي. 

وكان "مرسي" أول رئيس من خارج حقيبة الدولة المصرية، وكان خيارا ثانيا لجماعته نظرا لأن جماعة الإخوان المسلمين كانت بحاجة إلى شخص ما، أي شخص، كي يكون هو الرئيس.

ويبدو أن صراع "مرسي" مع "عبد الفتاح السيسي" لم يكن جديدا، ليس فقط بسبب الصراع التاريخي بين الإخوان المسلمين والجيش، ولكن أيضا لأن "السيسي" كان يعتبر نفسه الرئيس افتراضيا.

وهناك شعور سائد في مصر هذه الأيام بأن الحياة كانت أفضل في عهد "مبارك"، وأنه لا فارق بين "السيسي" كرئيس وأي ضابط عسكري آخر سيتولى زمام الأمور، وقد وعد "السيسي" المصريين بالنهضة لكنه يقود مصر إلى انحدار كبير مع مستويات غير مسبوقة من القمع والانتهاكات والفشل الاقتصادي.

لكن هل لا تزال مصر دولة مهمة؟ حسنا، هذا هو السؤال الذي ينبثق بين الحين والآخر في واشنطن.

وتعتمد الإجابة على ما يعنيه الأمر لأولئك الموجودين في الولايات المتحدة.

وهناك من يدعي أن مصر لا تزال مهمة لنفس الأسباب المعروفة والمدروسة التي يقدمها صناع السياسة والدبلوماسيون والمحللون الأمريكيون.

ولعقود من الزمن، كانت مصر هي أكبر دولة عربية، ولديها أقوى جيش في المنطقة، وتقع على قناة السويس، وفي حالة "سلام" مع (إسرائيل).

ثم هناك تلك الحجة حول مصر التي كثيرا ما يقدمها قادة دول الخليج العربية، وتتمثل في الإحساس الذي لا يمكن إنكاره بالوزن الحضاري لمصر، الذي يمنح الدولة نفوذا يتجاوز قدرتها.

وبالإضافة إلى خوفهم من حكومة يقودها الإخوان في القاهرة، يبدو أن السعوديين - على وجه الخصوص - يحتاجون إلى مصر على المستوى العاطفي. ولهذا السبب كان العاهل السعودي الراحل الملك "عبد الله" ثابتا في دعمه للإطاحة بـ"مرسي" عام 2013.

وبدون الاضطرار إلى فعل الكثير من الأشياء، يمكن لمصر وعدد سكانها البالغ 100 مليون نسمة تزويد 33 مليون سعودي بعمق استراتيجي. وعلى ما يبدو، فإن مجرد معرفة أن مصر في أيدٍ آمنة من وجهة نظرهم، يساعد المسؤولين في الرياض على النوم ليلا.

وعلى المستوى العملي، يمكن التشكيك في مدى أهمية مصر دوليا.

ولا تلعب مصر دورا حاسما في صراعات الشرق الأوسط.

وانسحبت القاهرة إلى حد كبير من الصراع في اليمن وهي لا تشارك حتى في الحوار الدبلوماسي.

وبخلاف فتح قناة السويس أمام السفن الحربية الأمريكية، ظلت مصر بعيدة عن النزاع مع إيران.

وإلى أن بدأت عدد من الدول إعادة فتح سفاراتها في دمشق، كانت مصر خارج الإجماع العربي حول سوريا، حيث دعمت روسيا ونظام "بشار الأسد" بشكل مباشر.

ولا يزال للمصريين مصلحة في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، لكن حتى عندما يتعلق الأمر بالقضية التي من المفترض أن تلعب مصر دورها الإقليمي الأكثر أهمية فيها، اختارت إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عقد ورشة "السلام من أجل الازدهار" في المنامة بالبحرين، بدلا من شرم الشيخ في مصر.

وتقوم مصر بدور الحكم في غزة، وهو دور مهم، لكنه محدود، وهي وظيفة تبيع من القرب الجغرافي ليس أكثر.

وفي ظل هذه الخلفية، لا يتعلق الأمر بما إذا كانت مصر مهمة في وقت سابق، ولكنه يتعلق بإذا ما كانت لا تزال مهمة في ظل التراجع غير المسبوق الذي تشهده.

ويرغب الزعماء المصريون في الاستمرار في ادعاء القوة والنفوذ الإقليميين، وهم يميلون إلى التملص من فكرة أن المملكة العربية السعودية هي الآن الزعيم الإقليمي.

لكن في الممارسة العملية، فإن مصر منشغلة بشكل أساسي باقتصادها المتهالك، الذي أسعدت إصلاحاته النيوليبرالية صندوق النقد الدولي، لكنها جعلت معظم المصريين أكثر فقرا.

وبالنسبة للمسؤولين المصريين، يعد الأقتصاد الأولوية القصوى.

وفي تطور أكثر قمعية لشعارات "حسني مبارك" حول "الاستقرار من أجل التنمية"، أو في تقليد شاحب للحزب الشيوعي الصيني، سعى "السيسي" وشركاؤه إلى نزع الطابع السياسي عن المجتمع المصري، وتركيز اهتمامه بالكامل على مشاريع مثل الكباري والطرق الجديدة ومشاريع البنية التحتية الضخمة، وهو هدف جدير بالثناء بالنظر إلى حالة التهالك الاقتصادي في البلاد، لكن هذه المشروعات تتم في ظل فساد مستشر وقمع مقنن.

وربما يتعين على مصر في الواقع أن تتجه إلى الداخل، وأن ترتب شؤونها الخاصة، قبل أن تستعيد دورها الصحيح كقائد للشرق الأوسط. ولكن حتى هذا سيتطلب قيادة حكيمة وحقيقية، وهي صفات لا يبدو أن الرئيس المصري الحالي يمتلكها.

ولم يظهر "السيسي" كفاءة في إدارة بلاده أكثر مما أظهره "مرسي" سوى في استخدامه للقمع، لكن أحدا لم يعد يهتم بذلك.

المصدر | ستيفن كوك - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية