«ميدل إيست آي»: الاختيار المتهور للعائلات الحاكمة في الخليج

الخميس 18 يونيو 2015 10:06 ص

صديق بحريني كان يمر عبر لندن يوم الثلاثاء 16 يونيو/حزيران، في نفس اليوم الذي حكم فيه على الشيخ «علي سلمان» بأربع سنوات في السجن. 

وكان صديقي، العلماني الليبرالي الذي أعرفه منذ سنوات عديدة، يشعر بقلق بالغ إزاء الانقسام الطائفي في بلاده. قال لي بابتسامة مريرة: «هل تعلم أن الحكم عليه بأربع سنوات خبر جيد، حيث أنه كان هناك جزم بأن يحصل على حكم بالسجن مدى الحياة».

أدين الشيخ «علي سلمان» - زعيم الوفاق والمجتمع المعارض الرئيسي في البحرين - بإهانة وزارة الداخلية، وتحريض الآخرين على خرق القانون، والتحريض على الكراهية ضد المواطنين السنة المتجنسين. وتم تبرئته من تهمة السعي لقلب النظام الملكي في البحرين، والسعي لتغيير النظام السياسي. إدانة بتلك التهم كانت كفيلة بأن تبقيه خلف القضبان ما تبقى من حياته.

وخلال تناول القهوة تحدثنا كثيرا عن البحرين التي يبدو أنها تلاشت بصفتها دولة يعايش فيها السنة والشيعة جنبا إلى جنب، فتجدهم يتزاوجون ويختلطون بشكل غير قليل. لقد كان التمييز ضد الشيعة ثابت، ولكنه كان معتدلا بالمقارنة مع ما يحدث الآن، وكان الناس قد وجدوا وسيلة للمضي قدما. والآن يخشى صديقي من أن ذلك قد ولى.

ويرى كثيرون أن التهم التي زجت بـ«سلمان» في السجن زائفة، وأن العملية القانونية التي أدين بموجبها مليئة بالعوار.

وكانت منظمات دولية حقوقية عدة قد شجبت بالفعل اعتقاله، اعتقل لمدة ستة أشهر قبل أن يمثل أمام المحاكمة،كما فعل أنصاره في البحرين. وتسببت تلك الإدانة في زيادة شعورهم بالغضب والإحباط تجاه عائلة آل خليفة الحاكمة، والتي لا تتورع عن تبني أي طريقة لإسكات ومعاقبة أي أصوات معارضة.

وقدمت الولايات المتحدة وجهة نظرها معبرة عن «قلق بالغ» في بيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية التي ذهبت إلى القول إن «أحزاب المعارضة التي تعبر بسلمية عند نقدها للحكومة تلعب دورا حيويا في والدول والمجتمعات التعددية. وتعتقد الولايات المتحدة أنه لا أحد في أي مكان آخر يجب أن يحاكم أو يسجن لمجرد مشاركته في صورة من صور التعبير السلمي والتجمع».

ولكن «علي سلمان» المسجون كان في الوقت والمكان حيث التوترات الطائفية آخذة في الارتفاع إلى مستوى خطير للغاية. وبطبيعة الحال؛ فإن الشيخ «سلمان»، مسلم شيعي، والشيعة يشكلون أغلبية المواطنين في بلد يحكمه «آل خليفة»؛ العائلة المالكة السنية.

فقط على الجسر الذي يربط البحرين بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، وقعت ثلاث هجمات إرهابية في غضون ستة أشهر شنها إرهابيون سنة ضد المصلين الشيعة، ما أدى إلى زيادة حدة القلق الطائفي هناك. وقد انتقد السلطات السعودية الهجمات، ودعت إلى الوحدة.

لكن رجل دين شيعي سعودي بارز، هو الشيخ «نمر النمر» يبقى رهن الحكم الصادر ضده بالإعدام بتهمة التآمر للإطاحة بآل سعود. وحكم عليه بالإعدام في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. وكان اعتقاله في عام 2012 قد أثار العديد من الاحتجاجات في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية. وقتل أكثر من عشرين من المحتجين. وتقول السلطات إنهم كانوا مسلحين، وبادلوا الشرطة وقوات الأمن إطلاق النار، بينما تصر عائلاتهم أنهم لم يكونوا مسلحين ولم ينتهجوا أي عنف.

مثله مثل «علي سلمان»، يعتقد كثيرون أن التهم الموجهة إلى «نمر النمر» مفبركة، وأن القضاء خضع لضغوط الساسة لإصدار الحكم، ما أدى إلى انتقادات شديدة من قبل المعلقين المستقلين ومنظمات حقوق الإنسان. وهكذا؛ فإنه في كل من البحرين والمملكة العربية السعودية، ساهمت قرارات المحاكم في خلق مزيد من الانقسام على طول خط الصدع الطائفي المتسع، وهذه نقطة لم تغب عن المتطرفين في أماكنهم.

المليشيات الشيعية في العراق متهمة بارتكاب فظائع ضد العشائر السنية، وقد شاب استردادهم للسيطرة على تكريت في مارس/أذار من هذا العام اتهامات بشن هجمات انتقامية على منازل وشركات السنة. وصبت هذه الادعاءات في صالح تنظيم «الدولة الإسلامية».

وبعد كل شيء، يبقى تعزيز الطائفية بمثابة سلاح مفيد جدا في ترسانة هائلة تمتلكها «الدولة الإسلامية» بالفعل. إنهم يمتلكون أيديولوجيتهم المسعورة على أساس مفهوم التكفير أو الردة، فكرة أن المسلم الحقيقي الوحيد هو الذي يقبل بسلطة الخليفة الذي نصب نفسه بنفسه «أبو بكر البغدادي». إنه الإقصاء والحقد الدفين الذي أثبت فعالية بقوة في الواقع.

وتركز «الدولة الإسلامية» على كل الأسر الحاكمة في الخليج لكن تركيزها الأول منصب على أسرة «آل سعود»، وهم مثلهم مثل الشيعة في نظر «الدولة الإسلامية» حيث يعتبرونهم كفار، ومن ثم يجب اجتثاث شأفتهم.

فلماذا، باسم كل عاقل، لا تسعى تلك الأسر الحاكمة إلى تهدئة التوترات الطائفية، ولماذا هم الذين يبادرون بصب مزيد من الزيت على النار؟

سوف يدعون في دفاعهم أن المحاكم مستقلة، ولم يكن هناك ما يمارس أي ضغوط عليهم، وهو الخط الذي لا يمكن لأحد أن يصدقه أو يأخذه على محمل الجد. في البحرين، وزير العدل، الذي يجلس على كرسيه منذ أمد بعيد، عضو قوي في أسرة «آل خليفة». وفي السعودية ينحاز النظام القضائي بشدة لصالح المؤسسة الدينية التي أسهمت على مدى سنوات في تأجيج المشاعر المعادية للشيعة وازدهارها.

سألت صديقي كيف استقبلت الطائفية الشيعية في البحرين الحكم على «علي سلمان». لقد أصابني رده بالدهشة والإحباط في آن واحد. فقد قال إن معظم الناس كانوا غير مهتمين أو مبالين. «لقد تخلوا عن الاعتقاد بأن أي شيء يمكن أن يتغير». يتصورون أن «آل خليفة» ربحوا.

والشباب البحريني الغاضب الذي يقوم بإلقاء قنابل حارقة على الشرطة، ما الذي سوف يفكر فيه؟ 

قال «هذا بكل تأكيد مقلق للغاية. ليس لديهم أمل ويرون أن العنف هو السبيل الوحيد للمضي قدما».

لقد أزعجني حال صديقي وحالة التشاؤم التي وصل إليها، فقد كان شعلة من التفاؤل الذي لا يكل ولا يمل. والآن بات هذا المتفائل يخشى اندلاع وتمدد الحرب الطائفية، ووصولها لمستوى لم يسبق له مثيل، وأن يشعلها المتطرفون على كلا الجانبين، ما يهدد بالانفجار والانتشار إلى جميع أنحاء المنطقة، وهذا مقلق جدا في واقع الأمر.

  كلمات مفتاحية

على سلمان نمر النمر السعودية البحرين الطائفية شيعة السعودية المعارضة البحرينية

«ستراتفور»: في السعودية .. الشيعة والحكومة يشكلان حلفا مرتعشا

«علي سلمان» من محبسه: نطالب بحقنا المشروع في انتخاب الحكومة والبرلمان .. ولن نتوقف

«المنظمة العربية لحقوق الإنسان» تطالب بالإفراج عن المعارض البحريني «علي سلمان»

نمر النمر أكثر من مجرد «رجل دين شيعي»

«الدولة الإسلامية» تهدد البحرين من الداخل