استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

رسالة إلى صديقي في غزة: ليكن حل الدولة الواحدة

الثلاثاء 22 يوليو 2014 09:07 ص

مصطفي اللباد - السفير
 
عزيزي حلمي،
عسى أن تكون وأسرتك بخير، وأن تصـلك الرسـالة وأنت في معنويات عالية كما هي عادتك دائماً. فكرت أن أكتب إليك هذه الرسالة ليستمر التواصل في ما بيننا من ناحية، ولأقبّل رأسك معتذراً منك على الملأ ورؤوس الأشهاد عما قاله السفهاء منا بحق غزة وفلسطين والقضية من ناحية أخرى. هؤلاء لا يمثلون يا عزيزي ـ كما تعلم بالتأكيد - جماهير شعبنا وليسوا سوى نشاز إعلامي فاجر، يخلط الحابل بالنابل ولا يميز بين العدو والصديق. كانت فلسطين وما زالت القضية العادلة، التي فـاز من التحق بها وخاب من تخلف عنها. ليس الفلسطينيون في حاجة إلى التعاطف وإظهار التضامن، بقدر ما يحتاج الآخرون ذلك حفاظاً على إنسانيتهم وما تبقى من عروبتهم. بالإضافة إلى ذلك، علينا نحن مسؤولية أخلاقية تجاه غزة، وليس مسؤولية جغرافية أو إنسانية أو حتى عروبية فقط، فمن أدار القطاع وحمل أمانته منذ النكبة وحتى احتلاله من إسرائيل العام 1967، يجب عليه أخلاقياً المساهمة بكل الوسائل الممكنة في تحريره وإعادته إلى أصحابه.

عزيزي،
يسطر الشعب الفلسطيني في غزة درساً استراتيجياً عميقاً ستستمر صلاحيته لفترات طويلة مقبلة، عابراً جغرافية منطقتنا إلى أربعة أركان الأرض مفاده أن «موازين القوى» التي نكثر في الحديث عنها بتحليلاتنا السياسية، ما هي إلا أمر افتراضي ومتحرك وديناميكي لقياس التناسب في القوة بين الأطراف المتصارعة، وليس قدراً سرمدياً سيستمر إلى أبد الآبدين على نسق واحد بدون تغيير. فلا يمكن حساب الخسائر البشرية للأطراف المتصارعة مثل الأهداف في مباريات كرة القدم، لنخلص من مقارنة الخسائر إلى تحديد رابح وخاسر، إذ لا يستقيم فهم كهذا للصراعات ومعانيها الأعمق. وعائلة البطش الغزاوية، التي فقدت ثمانية عشر شهيداً من أفرادها ستذهب علماً على انتصار الدم على السيف وعلى هشاشة ووقتية «موازين القوى» ذاتها، وستخلد تاريخياً في كيفية تغيير الأوزان بالصدور العارية والمجردة. من البداية، حارب الشعب الفلسطيني عدواً يمتلك التفوق العسكري، وهي حقيقة ممتدة منذ «ثورة عز الدين القسام» العام 1936 وحتى العدوان الحالي على غزة 2014، ودوماً لم تنكسر إرادته حتى في أحلك لحظات الاختلال في.. «ميزان القوى» ذاته. كانت إرادة المقاومة وما زالت العاصم من كسر الإرادة الفلسطينية، وبالتالي فمن شأن كسر إرادة غزة الآن أن ينكسر المشروع الوطني الفلسطيني ـ لا قدر الله ـ وهو ما يدفع كلينا إلى التغاضي مرحلياً عن الخلافات الأيديولوجية مع «حماس»، لأن إسرائيل كانت وما زالت العدو لشعوبنا العربية وللتيارات السياسية فيها على اختلاف ميولها الفكرية والأيديولوجية. ليس الآن وقت تصفية الحسابات السياسية، ودم أهلنا في غزة يُراق وتتهدم البيوت ويستشهد الأطفال، لأن التمسك بالنظر إلى المجزرة القائمة من زاوية مخالفة «حماس» وتحالفاتها الإقليمية في ظل العدوان الإسرائيلي يعدّ تهرباً من المسؤولية الإنسانية وتنصلاً من عروبة تجمع شعوبنا. وفي كل الأحوال، فقد أعاد صمودكم البطولي الحيوية إلى قضية فلسطين، التي كانت وما زالت البوصلة الصحيحة لقضايا المنطقة، بعدما تداخلت الطرق وتقاطعت الحسابات وتراكمت الخسارات.

 
عزيزي،
لعلك تتفق معي في أن تقزيم القضية الفلسطينية إلى غزة فقط هو أمر مريح لعدونا، وكل الحراك الديبلوماسي الدائر الآن من كل الأطراف العربية والإقليمية يلخص الصراع في فتح معابر أو وقف لإطلاق النار، وهي نتيجة لا ترقى إلى مستوى التضحيات والدم الفلسطيني المراق. الكتلة السكانية الأكبر في أراضي فلسطين التاريخية هي في قطاع غزة، ويعني عزلها سياسياً عن الضفة الغربية فوق عزلتها الجغرافية، عبر إبرام ترتيبات خاصة لها تحت الشعارات واللافتات الإنسانية، أن تحقق إسرائيل أهدافها السياسية من العدوان، بعدما عجزت آلتها العسكرية عن تحقيق ذلك. وكل الألاعيب الإقليمية لاستبدال ضامن بآخر، لا تتجاوز بحال النظر إلى القضية الفلسطينية من منظور «الجانب الإنساني والحياتي للفلسطينيين في غزة» وكذلك «الأوزان الإقليمية» التي ستتكرس تبعاً لشروط الاتفاق على وقف إطلاق النار ومضامنيه. لذلك، لم تعد الوحدة الوطنية الفلسطينية الآن ترفاً فكرياً أو حتى لازمة سياسية يتذكرها الخطباء الفلسطينيون والعرب لرفع العتب بين الفينة والأخرى، بل خصوصاً في هذه اللحظات الفارقة، الضامن والعاصم من انزلاق القضية الفلسطينية إلى مهاو جديدة، برعاية إقليمية ودولية وبتقاطع مصالح من نوع فريد.
أخاطب أيضاً عقلك النقدي الذي أعرفه مستمراً بالعمل، حتى في ظل أزيز الطائرات المغيرة وهدير القذائف، إذ إن رفع سقف الخطاب الفلسطيني قد غدا أمراً حتمياً بعد العدوان الحالي، بمعنى أن حل الدولتين قد استهلك تماماً، خصوصاً مع استمرار إسرائيل في الاستيطان بالضفة الغربية المحتلة وتهويد القدس والضرب عرض الحائط بالمناشدات العربية والإقليمية والدولية بالتوقف عن الاستيطان. أعتقد عزيزي أنه بعد التوصل لوقف إطلاق النار الآتي لا محالة - فعدونا لن يكسر إرادة غزة - فلا بد من طرح جريء يضع كل الأطراف أمام مسؤولياتها، أي التوقف عن استجداء إسرائيل للقبول بحل الدولتين والذهاب نحو المطالبة بدولة واحدة لشعبين. عندها، فقط، ستتحول غزة من نقطة ضعف في المعادلة الفلسطينية الشاملة إلى نقطة قوة ديموغرافية أمضى تأثيراً من القنابل الإسرائيلية، وعندها سينتقل الصراع العربي - الإسرائيلي إلى آفاق جديدة بالفعل. طبعاً الأمر ليس سهلاً، كما لم يكن في أي يوم في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ قيام القضية العربية في فلسطين قبل حوالي مئة عام من اليوم. على كل حال، يتطلب ذلك الأفق الجديد الخروج من الثنائية التناحرية الفتحاوية - الحمساوية إلى التيار الأوسع من شعبنا الفلسطيني من كل الفصائل، ساعتها سيتثبت الانتصار الفلسطيني في الجولة الحالية التي تستهدف فصل المسارات الفلسطينية سياسياً وكسر الوحدة الوطنية.

 
لم يعد بمقدور السلطة الوطنية في الضفة الاستمرار بالسياسات ذاتها، التي تغلب الحفاظ على سلطة رام الله ومؤسساتها الإدارية وموظفيها ـ وهو حق - على مصالح الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات وقضيته الجامعة. ولا «حماس» يمكنها بعد الآن التعاطي مع القضية الفلسطينية من منظور استمرارها في حكم قطاع غزة مع تحسين الشروط المعيشية لسكانه ـ وهو حق أيضاً - وترتيب تحالفات إقليمية لخدمة ما تراه أولوية لقطاع غزة فقـط. كلاهما مطالب ليس فقط بالتفاهم مع باقي الفصائل الوطنية الفلسطينية حول المرحلة المقبلة، ولكن بإعادة النظر في وضعية «الحارس للأمر الإسرائيلي الواقع» القائمة الآن: السلطة في الضفة الغربية و«حماس» في غزة، حتى تستكمل دولة الاحتلال قضمها للبقية الباقية من الضفة الغربية بأقل التكاليف السياسية والبشرية ومن ثم إزاحة السلطة بهدوء، مع رمي غزة وكتلتها السكانية الضخمة إلى خارج حدودها السياسية.
 
فقد العرب خيالهم السياسي منذ عقود، أما الفلسطينيون فلم يفقدوه برغم التشريد والحصار و«موازين القوى»، وأدهشوا العالم دوماً بتصوراتهم للقضية وللعالم وبقدرتهم على التحليق مع خيال سياسي ناجز في أحلك الظروف واللحظات. ركام اللحظة وشلالات الدم وتنازع المبادرات يجب ألا يحجب أهمية رفع السقف الفلسطيني العام كنتيجة لصمود غزة وانتصارها السياسي وضريبة الدم التي تدفعها، ووجوب تحميل فاتورته لدولة الاحتلال الإسرائيلي حصرياً وليس لأي طرف آخر.
 
عزيزي حلمي،
سنحتفل وإياك وشعبنا الفلسطيني بعيد الفطر وبالانتصار السياسي الضخم لشعبنا الفلسطيني في غزة، وحتى ذلك الحين أشد على يديك وعلى أيادي إخوانك المجاهدين من كل الفصائل، وكلي ثقة بأن هذا الشعب قادر على النهوض من ركام التدمير، مثلما نهض في كل مرة من قبل، ممسكاً إرادته الوطنية بكل قوة بين يديه. وكلّي ثقة أيضاً بأن شعب الجبارين سيستطيع التمييز ـ كما فعل دائماً منذ نكبته ـ بين الشعوب العربية المتعاطفة معه بالفطرة وبالإنسانية وبالعروبة وبالمعتقد الديني، وحكامهم ومصالحهم وحساباتهم.

حتى نلتقي قريباً في غزة أو هنا في القاهرة أو في بيروت، لك مني أسمى آيات المودة والإخـلاص، ولشـعبنا العربي الفلسطيني كل الإعزاز والتقدير والاحترام.

  كلمات مفتاحية