هل تستخدم الهند تكتيكات الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على كشمير؟

السبت 17 أغسطس 2019 05:18 م

شهدت الأسابيع القليلة الماضية تصاعدًا حادًا في التوترات في كشمير التي تحتلها الهند، منذ أن ألغى رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" الحكم الذاتي المستمر منذ فترة طويلة في الإقليم، ما تسبب في إغراق المنطقة في الفوضى.

وأمرت الهند جميع السياح والحجاج الدينيين بإخلاء المنطقة، مع إرسال عشرات الآلاف من الجنود المسلحين وإغلاق جميع شبكات الاتصالات تقريبًا. وانضم هؤلاء الجنود الجدد إلى قوة احتلال يقدر عددها بمئات الآلاف في ما يعتبر بالفعل أكثر الأماكن عسكرة على الأرض.

لكن اضطهاد الهند للكشميريين لم يحدث من فراغ، فعلى مدى العقود الماضية، خلقت العلاقات المتنامية للبلاد مع (إسرائيل) وضعا يرتبط فيه اضطهاد الهند لكشمير بمعاملة (إسرائيل) للفلسطينيين.

جذور التشابه

بدأ الاحتلال الهندي لكشمير تزامنا مع قيام دولة (إسرائيل) في عام 1948 وطرد مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم، حيث لم يفصل بين الحدثين إلا أشهر قليلة. وفي يوليو/تموز 1949؛ أي بعد عامين من إعلان الهند وباكستان استقلالهما عن الحكم البريطاني، وقع البلدان اتفاقًا لإنشاء خط لوقف إطلاق النار، يقسم منطقة كشمير بينهما، وقد أدى الحكم الهندي في الإقليم إلى عقود من الاضطرابات.

على الرغم من أن الوجود الهندي في كشمير لم يصل أبداً إلى درجة الاستعمار الاستيطاني كما في الحالة الفلسطينية -التي تم فيها طرد نسبة كبيرة من السكان الموجودين في المنطقة واستبدالهم بمستوطنين جدد- حافظت الهند على وجود عسكري كثيف في المنطقة وتصرفت كدولة بوليسية تجاه المدنيين والسياسيين الكشميريين.

يمكن تتبع التضامن الكشميري مع الفلسطينيين إلى فترة الخمسينيات والستينيات، عندما سعت حركة تحرير كشمير إلى إعلان انحيازاتها في صراعات أخرى مناهضة للإمبريالية في الخارج. خلال هذه الفترة أيضاً أقامت الهند علاقات مع (إسرائيل) لأول مرة، وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الهندي "جواهر لال نهرو" كان يدافع عن القضية الفلسطينية في العلن، فقد سمح بفتح القنصلية الإسرائيلية في مومباي في عام 1953. واستفادت (إسرائيل) من قوانين الإجلاء الهندية في سن قانون ملكية الغائبين في (إسرائيل)، وهو وسيلة قانونية سمحت للدولة بمصادرة الأراضي المملوكة للاجئين الفلسطينيين.

شهدت المراحل الأخيرة من الحرب الباردة تحسنا هائلا في العلاقات الهندية الإسرائيلية. ففي عام 1992، في ظل رئاسة "ناراسيمها راو"، أقامت الهند و(إسرائيل) علاقات طبيعية، حيث افتتحت الهند سفارة في تل أبيب في يناير/كانون الثاني. وهناك عاملان رئيسيان يفسران هذا التطور الذي تزامن مع اندلاع الانتفاضة الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي في الوقت الذي اشتعل فيه التمرد المسلح في كشمير ضد الحكم الهندي.

السبب الأول هو تراجع الاتحاد السوفيتي، الذي أجبر الهند على البحث عن مورد جديد للأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، وكانت (إسرائيل) -التي كان اقتصادها الهش في ذلك الوقت يستلزم دخول أسواق جديدة- شريكا مثاليا للهند. وتم تعزيز العلاقة بشكل أكبر عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على مبيعات الأسلحة للهند بعد أن أجرت الأخيرة تجارب نووية في عام 1998، وتسببت هذه العقوبات في تحول الهند إلى أكبر عميل لـ(إسرائيل) في مجال الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، وهو إرث استمر حتى اليوم.

أما السبب الثاني فهو التقاء المصالح بين (إسرائيل) والهند في قمع المقاومة الشعبية في الأراضي المحتلة والتمرد المسلح في كشمير على التوالي. وفي عام 1992 ، اعترف وزير الدفاع الهندي آنذاك "شاراد باوار" بالتعاون الهندي الإسرائيلي في قضايا مكافحة الإرهاب، بما في ذلك تبادل المعلومات حول مواجهة ما يسمى بـ"الجماعات الإرهابية" بما يشمل الاستراتيجيات والأساليب وتكتيكات الاحتلال والهيمنة. وأدى ذلك إلى تحول في موقف الهند تجاه القضية الفلسطينية.

بين الصهيونية والقومية الهندوسية

نمت العلاقات بين الهند وإسرائيل بشكل أكبر مع صعود حزب "بهاراتيا جاناتا"، أو حزب الشعب الهندي، في التسعينيات. يلتزم حزب "بهاراتيا جاناتا"، الذي يتزعمه "مودي" اليوم، بالإيديولوجية السياسية المعروفة باسم "هندوتفا" أو القومية الهندوسية. وقد تم توثيق تاريخ تقارب القوميين الهندوس مع الصهيونية جيدًا من قبل الأستاذ "سومانترا بوز" من كلية لندن للاقتصاد. ويعود هذا التقارب إلى عشرينيات القرن الماضي عندما دعم "فيناياك دامودار سافاركار"، وهو أبو القومية الهندوسية، إقامة دولة يهودية في فلسطين. أصبح حزب "بهاراتيا جاناتا" وغيره من القوميين الهندوس مهووسين بتكرار المشروع الصهيوني في تحويل الهند العلمانية دستوريا إلى دولة هندوسية عرقية.

وتعد العديد من تطلعات حزب "بهاراتيا جاناتا" ومقترحاته السياسة بشأن كشمير تقليدا واضحا للممارسات الإسرائيلية في فلسطين، بما يشمل قيام الهند ببناء مستوطنات هندوسية على الطراز الإسرائيلي في كشمير كوسيلة لتحفيز التغيير الديموغرافي والسعي لإلغاء القوانين التي حافظت على التركيبة الديموغرافية لكشمير.

هذه التغييرات مستوحاة بوضوح من نموذج الاستيطان الإسرائيلي، كما عبر عن ذلك مشرع حزب بهاراتيا جاناتا "رافينر راينا"، الذي صرح في عام 2015، أن حكومة الهند ستستخدم جيشها لحماية المستوطنات المقصورة على الهندوس في جامو وكشمير. هذا النوع من الحماية سيستلزم توسيع جهاز الأمن الذي يقيد بالفعل تدفق الحياة لمعظم الكشميريين، واستخدام المستوطنين كذريعة لتبرير مستوى جديد من الهيمنة والتدخل.

وبصرف النظر عن أوجه الشبه في أهداف السياسة، فإن الخطاب الذي يستخدمه أنصار النظام الحالي في الهند يشبه المانيفستو الإسرائيلي المعتاد. وتدعي كل من (إسرائيل) والهند أنهما ديمقراطيتان استثنائيتان، على الرغم من طريقة تعاملهما القمعي مع شرائح واسعة من السكان الخاضعين لسيطرتهما. بالإضافة إلى ذلك، يجادل كل من الصهاينة والقوميين الهندوس بأن وجود العديد من الدول الإسلامية في العالم يستلزم قيام دولة يهودية وهندوسية، على التوالي. وهم يدعون أن الفلسطينيين والمسلمين الهنود عليهم أن يعيشوا في أماكن أخرى، لكنهم يختارون العيش في فلسطين والهند فقط لاستعداء اليهود والهندوس.

بالإضافة إلى ذلك، تشبه التكتيكات التي تستخدمها الهند للسيطرة على السكان المدنيين في كشمير تلك المستخدمة من قبل (إسرائيل) في فلسطين، وتشمل هذه "الاعتقالات التعسفية والقتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري وحظر التجول والعقاب الجماعي والاحتجاز الإداري والتعذيب والاغتصاب والإيذاء الجنسي وقمع حرية التعبير والتجمع وهدم المنازل وغيرها.

عقود من التضامن

وتعد رابطة التضامن القائمة بين الفلسطينيين والكشميريين عميقة وممتدة، ويمكن تتبعها حتى حقبة الستينيات، عندما اندلعت الاحتجاجات في كشمير بشأن سلوك (إسرائيل) في المسجد الأقصى، مما أسفر عن مقتل متظاهرين وفرض حظر التجوال. ومنذ ذلك الحين، يمكن القول إن التضامن الكشميري مع القضية الفلسطينية مر بثلاث مراحل متداخلة نسبيًا.

أول هذه المراحل بدأت خلال الستينيات من القرن الماضي حين أعلن الكشميريون التعامل مع الهند على أنها "دولة إمبريالية" رفضت الحق الكشميري في تقرير المصير. وردا على ذلك، قامت حركة تحرير كشمير بعمولمة مواقفها وانحازت إلى المستضعفين قضايا عالمية مماثلة، بما في ذلك النضال الفيتنامي ضد الولايات المتحدة، والكفاح ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والنضال الفلسطيني ضد (إسرائيل). وكتب الباحث الكشميري محمد جنيد أن فلسطين "أصبحت استعارة حية بين الكشميريين لوصف حالتهم الخاصة، بما يشمل المخاوف من التطهير العرقي، ونزع ملكية الأراضي، وتطبيق المزيد من تكتيكات الاحتلال.

خلال المرحلة الثانية، التي بدأت خلال الثمانينات، بدأ التضامن يتخذ طابعا أكثر دينية حيث تزامنت هذه الفترة مع الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي، مما أدى بشكل غير مباشر إلى ظهور جماعات المقاومة الإسلامية المسلحة مثل حماس في فلسطين وحزب المجاهدين في كشمير. وبدلاً من خطاب التضامن الذي يعتمد إلى حد كبير على لغة معاداة الإمبريالية والقومية، اكتسى التضامن بمفاهيم الجهاد والتآزر الإسلامي. وتم تعزيز هذا الاتجاه بشكل أكبر خلال التسعينيات مع صعود حزب "بهاراتيا جاناتا"، مما أدى إلى زيادة التوترات الطائفية وزيادة الشعور بانعدام الأمن لدى المسلمين في الهند.

وجاءت المرحلة الثالثة والحالية من التضامن الكشميري الفلسطيني كرد فعل على العلاقات المتنامية بين الهند و(إسرائيل)، حيث لم يعد الفلسطينيون والكشميرييون ينظرون إلى (إسرائيل والهند) كقوتي احتلال متشابهتين فقط، ولكن أيضا كشريكين في الاحتلال. وكما يتضح من الاستجابة الفلسطينية للأحداث الأخيرة في كشمير، فقد اكتسب التضامن بين الطرفين أهمية عملية أكثر فأكثر.

أداة للاستسلام

وجعل إلغاء الحكم الذاتي في كشمير مؤخرا التواجد الهندي في الإقليم أكثر شبها بالوجود الصهيوني في فلسطين، لأن هذا يسمح للدولة الهندية بحكم كشمير مباشرة دون الحاجة إلى هيئة تشريعية خاصة بالإقليم. وعلاوة على ذلك، فإنه يسهل تنفيذ خطط تغيير التركيبة الديموغرافية لكشمير من خلال السماح للهنود من جميع أنحاء البلاد بشراء العقارات والاستقرار هناك تحت حماية الوجود العسكري الهندي، تمامًا مثلما تتعرض التركيبة الديموغرافية في الضفة الغربية للتغيير مع إنشاء مستوطنات مقصورة على اليهود.

وقد عملت الهيئة التشريعية لشكمير تاريخيا كوسيط لإجارة السكان الأصليين نيابة عن القوة المحتلة بنفس الطريقة التي يعمل بها الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" في الضفة الغربية. وكما أشار "إدوارد سعيد" ذات مرة إلى اتفاقات أوسلو باعتبارها "أداة للاستسلام الفلسطيني"، فإن العديد من الكشميريين يعتبرون "اتفاق أنديرا شيخ" لعام 1975 بمثابة خيانة لحركات التحرير السابقة، حيث سمح الاتفاق للزعيم الكشميري السابق "شيخ عبد الله" بأن يصبح رئيس وزراء جامو وكشمير في مقابل التخلي عن مطالب كشمير بتقرير المصير.

مع التغيير غير المسبوق للوضع القانوني لجامو وكشمير من ولاية ذات وضع خاص إلى منطقة اتحاد دون وجود هيئة تشريعية، فإن سيطرة الهند الاستعمارية على المنطقة المتنازع عليها ستصبح أكثر قسرية. ومع تطور الأمور، سيصبح من الواضح بشكل متزايد أن العمليات الاستعمارية في كشمير وفلسطين أكثر ترابطا وتشابها. ومن أجل تفكيك نظام الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني في كل من (إسرائيل) والهند، من الضروري مراقبة الارتباط، بينهما، وإعادة هندسة تكتيكات المقاومة لتعكس بشكل مماثل هذه الحقيقة.

المصدر | لوب لوغ

  كلمات مفتاحية