ف. بوليسي: هل يكون العراق الجبهة الجديدة في الصراع بين إسرائيل وإيران؟

الجمعة 30 أغسطس 2019 05:21 م

كانت الضربة الجوية الإسرائيلية عام 1981 على مفاعل "أوسيراك" النووي في العراق تاريخية، حيث شكلت سابقة لما أصبح يعرف باسم "عقيدة بيغن".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت، "مناحيم بيغن"، قد أعلن أن (إسرائيل) سوف تمنع أي دولة معادية من امتلاك أسلحة نووية بأي ثمن.

وكانت الخطة عام 1981 هي الحفاظ على سرية الضربة، ولكن قبل أسابيع فقط من الانتخابات الإسرائيلية، وجد "بيغن" من الإعلان عن الضربة أمر مغر للغاية قد يفيده سياسيا.

لكن العملية الإسرائيلية أثارت غضبا كبيرا في واشنطن، وكان الرد الأمريكي هو إدانة الضربة، وحظر تسليم سرب من الطائرات من طراز "إف-16" إلى تل أبيب.

والآن، بعد مرور 38 عاما، يبدو أن (إسرائيل) نفذت مرة أخرى هجوما على الأراضي العراقية.

وتعد الضربة، التي وقعت في 20 أغسطس/آب بالقرب من قاعدة "بلد" الجوية في العراق، هي الرابعة في سلسلة من الهجمات الأخيرة التي استهدفت قواعد تسيطر عليها الميليشيات العراقية المدعومة من إيران. 

ويبعد رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" 3 أسابيع فقط عن الانتخابات، ويبدو أن كتلته اليمينية المعتادة متأخرة في السباق الانتخابي.

وعندما تم سؤاله عما إذا كانت (إسرائيل) ستضرب أهدافا إيرانية في العراق إذا لزم الأمر، أعلن قائلا: "ليس فقط إذا لزم الأمر، نحن نعمل في العديد من المناطق ضد دولة تريد القضاء علينا.

وبالطبع أعطيت قوات الأمن الحرية، وأوعزت لهم أن يفعلوا أي شيء ضروري لإحباط خطط إيران".

وإذا لم يكن هذا يعد صراحة إعلان مسؤولية عن تفجيرات الأسبوع الماضي، فهو يعد قريبا جدا من ذلك.

وكان رد فعل واشنطن على الأحداث الأخيرة مشابها لردها على الضربة الإسرائيلية عام 1981؛ حيث تم تسريب معلومات متعلقة بالجهة المسؤولة مع الإدانة الضمنية.

لكن لم يكن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" هو من فعل هذا بشكل مباشر، ويبدو أنه لم يفاجأ بالضربات، وأنها كانت بالتنسيق مع شخصيات بارزة في إدارته، لكن يبدو أن هناك عناصر أخرى في الحكومة الأمريكية تشعر بعدم الارتياح إزاء النشاط الإسرائيلي المزعوم في العراق، الذي يرون أنه يعرض الجنود الأمريكيين المتمركزين هناك للخطر.

منطق (إسرائيل)

ولفهم المنطق وراء الضربات الأخيرة، من المهم أن نراها في إطار الجهود المضادة الإسرائيلية الأوسع لمنع إيران من نشر الصواريخ الدقيقة، التي تصل دقة بعضها إلى دائرة نصف قطرها من 15 إلى 30 قدم، في جميع أنحاء المنطقة، ما يعني إمكانية استخدامها ضد (إسرائيل). وتعد هذه الأسلحة أكثر خطورة بكثير من الصواريخ غير الدقيقة، التي تتطلب إطلاق كميات هائلة لضرب أهدافها المقصودة، إذا نجحت على الإطلاق في ضرب هدفها.

وتسعى إيران إلى تزويد حلفائها في لبنان وسوريا والعراق بالآلاف من الصواريخ المتقدمة ذات مدى يتراوح من 100 إلى 600 ميل.

وترى (إسرائيل) أن أي أسلحة متطورة يتم توفيرها إلى وكلاء إيران، مثل "حزب الله" في لبنان والميليشيات الموالية لإيران في العراق وقوات الحرس الثوري الإسلامي في سوريا، تمثل تهديدا استراتيجيا. وقد يجبر إصرار إيران على تنفيذ مخططها، وفزع الولايات المتحدة من الأنشطة الإسرائيلية لتدمير هذا المخطط، (إسرائيل) على التفكير في المدى الذي ترغب في الذهاب إليه في جهدها لتعطيل مشروع إيران للصواريخ الدقيقة، وإذا كانت هذه الأسلحة تشكل ما يكفي من التهديد للتعامل معها وفق "عقيدة بيغن"، التي كانت تغطي في السابق الأسلحة النووية فقط.

وبالاستفادة من ضعف حكومة الرئيس السوري "بشار الأسد" التي دعمتها طهران طوال الحرب الأهلية، سعت إيران إلى بناء جبهة أخرى ضد (إسرائيل) على الأراضي السورية منذ عام 2017.

لكن قائد الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الجنرال "قاسم سليماني"، لم يأخذ في الاعتبار خبرة (إسرائيل) وتفوقها الجوي في هذا المسرح، نظرا لقربها من سوريا. ووفقا للمسؤولين الإسرائيليين، شنت قوات الدفاع الإسرائيلية أكثر من 200 غارة جوية في سوريا استهدفت مخزونات الأسلحة ومنشآت الإنتاج الإيرانية منذ عام 2017.

رهانات إيران

ورغم ما يبدو أنه نصر إسرائيلي حاسم في الجولة الأولى من الصراع ضد مساعي إيران ترسيخ وجودها في سوريا خلال الفترة من عام 2017 إلى عام 2018، إلا أن طهران لا تزال مصممة ومصرة على هدفها.

وسيحاول الإيرانيون تعلم الدروس المتعلقة بالقدرات الإسرائيلية والعمل وفقها في المستقبل.

والأهم من ذلك، أن إيران سوف تبحث عن أماكن مختلفة أصعب وصولا بالنسبة لـ (إسرائيل) من أجل المضي قدما في مشروع الصواريخ الدقيق. ولقد دفع النهج الأخير إيران إلى نقل جزء كبير من نشاطها المتصل بالصواريخ إلى لبنان، حيث تعتقد أن (إسرائيل) ربما تكون أقل ميلا إلى ضربها لتجنب إثارة نزاع مع "حزب الله"، وكذلك إلى العراق.

وتكتسب إيران العديد من المزايا المهمة من العمل في العراق بدلا من سوريا.

فالعراق، أولا، أبعد ما يكون عن حدود (إسرائيل)، ولم تصنفه مؤسسة الدفاع الإسرائيلية كمجال رئيسي للتركيز منذ سقوط "صدام حسين" عام 2003. لذلك تفترض إيران أن مزايا (إسرائيل) الاستخباراتية والتفوق الجوي هناك ليست كبيرة.

ثانيا، لقد استفادت (إسرائيل) من إنشاء سابقة في سوريا حين تمكنت من ضرب أهداف إيرانية دون إثارة رد فعل يتجاوز إطلاق مضادات الطائرات، لكن لا توجد سابقة لها في العراق، ويعد إنشاء واحدة هناك، كما قد تسعى (إسرائيل)، أمرا معقدا ومحفوفا بمخاطر سوء التقدير.

وعلى النقيض من معرفة (إسرائيل) بقواعد اللعبة في سوريا، يصبح الوضع في العراق أكثر تعقيدا نظرا لحقيقة أن المشهد هناك يضم عددا لا يحصى من الممثلين المحليين العدائيين، وكذلك كل من القوات الأمريكية والإيرانية، في وقت تتصاعد فيه التوترات بين واشنطن وطهران.

ثالثا، تمثل القوات العسكرية الأمريكية المتمركزة في العراق أهدافا واضحة للميليشيات الموالية لإيران، التي تبحث عن طريقة بديلة للانتقام من الضربات الجوية ضدها، مما قد يتسبب في توتر في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

ومع ذلك، من المهم عدم المبالغة في تقدير الفوائد التي تجنيها إيران من تحويل نشاطها الصاروخي إلى العراق.

فإذا كانت (إسرائيل) قادرة على جمع معلومات استخباراتية عالية الجودة في العراق، وتنفيذ ضربات دقيقة مثل تلك الضربات الأخيرة التي فضلت المجموعات المستهدفة نفسها في البداية إنكارها وإلقاء المسؤولية فيها على الأخطاء البشرية والظروف المناخية القاسية، فإن ذلك يشير أنها تحتفظ بقدرات استخباراتية وجوية كبيرة في العراق أيضا.

وبينما يبدو أن وزارة الدفاع الأمريكية تشعر بالغضب من الضربات، فقد ينظر إليها "ترامب" باعتبارها هجمات على عدو مشترك. ومن المؤكد أن واشنطن ليست مهتمة بالسماح للميليشيات الموالية لإيران بإخضاع العراق وتحويله إلى منصة إطلاق صواريخ، أو مركز لتخزين الأسلحة وإعدادها للقيام بهجمات ضد (إسرائيل).

وإذا كانت (إسرائيل) قد تمكنت من إنشاء آلية لفك الارتباط مع روسيا في سوريا، وهما ليسا حليفين، فعليها أن تسعى إلى تطوير آلية أكثر تطورا وأعمق للتنسيق والتواصل مع حليفها الأمريكي في العراق.

وأخيرا، لم تشر إيران إلى استعدادها للتصعيد ضد القوات الأمريكية، سواء بشكل مباشر أو من خلال الوكلاء، على الأرجح لأنها تتردد في اتخاذ خطوات قد تثير نزاعا مباشرا ومفتوحا مع الولايات المتحدة، حيث لا يمكن التنبؤ بما قد يقدم عليه "ترامب" كرد فعل على ذلك، حتى لو لم يكن يميل إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط. 

وقد تكون جهود إيران لشن هجوم بطائرة بدون طيار ضد (إسرائيل) من الأراضي السورية، ليلة السبت الماضي، والذي أحبطه الجيش الإسرائيلي، قد تكون شكلا من أِكال الرد الأحداث في العراق، مما يوفر إشارة أولية إلى أن ردود فعل إيران لن تكون موجهة إلى الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن أصعب معضلة تواجه الحكومة الإسرائيلية المقبلة قد تكون انضمام "حزب الله" اللبناني إلى مشروع الصواريخ الإيرانية الدقيقة.

وإذا أصبحت المنشآت التي أسستها إيران في لبنان نشطة، وبالتالي لم تعد عمليات النقل عبر العراق وسوريا ضرورية، فسوف تضطر (إسرائيل) لاتخاذ قرار لا تُحسد عليه؛ فإما أن توجه ضربة لتعطيل حصول "حزب الله" على أسلحة بمثل تلك الخطورة، وتواجه خطرا كبيرا بالدخول في حرب جديدة في لبنان، أو أن تسعي إلى تطوير قدراتها الدفاعية الصاروخية والتأكد من الحصول على الردع الكافي للتقليل من احتمال اندلاع حرب أخرى بين (إسرائيل) ولبنان.

المصدر | عاموس ياديلين وآري هيشتاين - فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

قصف إسرائيلي قوات الحشد الشعبي