استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مصر الولاّدة: حرب الأسماك والحيتان؟

الأحد 29 سبتمبر 2019 06:26 م

مصر الولاّدة: حرب الأسماك والحيتان؟

خلاصة أخرى لا تقلّ مشروعية حول معادلة بديلة هي الأعلى والأكبر: مصر دون سواها، الولاّدة أبد الدهر!

أليس جديداً أن تتسبب أشرطة محمد علي في نصب عدد هائل من الحواجز بالمدن المصرية والعاصمة؟

استبداد السيسي بدأ بمخادعة الشعب وكلام عاطفي مختلط بالترهيب من الإرهاب إلى سخرية من فقر المصريين وتضيف الإهانة إلى جراح الناس.

*     *     *

ليس جديداً على الشارع الشعبي المصري طابع الفساد والإفساد الذي أخذ يقترن بنظام عبد الفتاح السيسي منذ الأشهر الأولى التي أعقبت انقلابه العسكري، الدامي في نهاية المطاف، وليس "الأبيض" كما يحلو للبعض القول.

وليس جديداً أنّ استبداد السيسي بدأ من مخادعة الشعب واعتماد معسول الكلام العاطفي (على غرار "إنتو مش عارفين إن إنتو نور عنينا ولا إيه؟")، المختلط عن سابق قصد بالترهيب من جماعة الإخوان المسلمين وأعمال الإرهاب؛ لينتهي، اليوم، إلى السخرية من فقر الشعب المصري، والإفراط أكثر فأكثر في المخادعة واستخدام اللغة الديماغوجية التي تضيف الإهانة إلى جراح الناس.

وليس جديداً أن السيسي لم يرتدع عن اتخاذ أيّ إجراء يكفل تمكين نظامه الاستبدادي، ابتداءً من ارتكاب المجازر، مروراً ببيع جزر من أرض مصر، وليس انتهاءً بالتعديلات الدستورية التي ضمنت له حكم البلد حتى يشاء الله.

وفي كل هذا كان الدكتاتور يدرك أنّ ولاء رجاله الأقربين له ثمن معلوم، وأنّ صراع الأجهزة الأمنية (لمحتوم، في كلّ نظام استبدادي)، يمكن أن يضبط حدّته ذلك المعادل الترغيبي/ الترهيبي الذي اعتمده عسكر مصر على الدوام، منذ 1952: مقدّس الجيش!

وليس جديداً أنّ السيسي لم يترك للقاعدة العتيقة، حول انقلاب يأكل الغالبية من صغاره لحساب الأقلية من كباره، أن تأخذ مجراها الطبيعي؛ بل سارع إلى انتهاج الخيارات الأشدّ ابتذالاً في هذا المضمار، مثل اغتيال الشخصية عن طريق الأشرطة والصور الجنسية، أو الحملات المنظمة التي يقودها إعلام رخيص يحرّكه مباشرة ضباط أجهزة أمنية.

فيما بعد توجّب تنظيم حملات اعتقال أو تهجير أو تخوين ضدّ أولئك الذين لا تتوفر عنهم موادّ تفضيح قابلة للترويج السريع. وعلى نحو خاصّ ومميز، كان في عداد "الضحايا" عدد من أشاوس معارضة الرئيس المنتخب محمد مرسي، ممّن أيدوا انقلاب السيسي على سبيل الهوى أو الأمر الواقع، ثمّ تعيّن أن ينحنوا أكثر فأكثر أمام نظامه وأجهزته وإعلامه.

كل هذه العناصر، وسواها كثير، كانت معلومة لدى الشارع المصري الشعبي، وكانت استطراداً أكثر وضوحاً لدى النخب والشرائح المسيّسة ومجموعات المعارضة، حين خرج المقاول الشاب محمد علي على الملأ، ولكن من إسبانيا، وأخذ ينشر ما أطلق عليه صفة "أسرار" تخص فساد السيسي وعائلته ورجاله.

ولم يكن خافياً البتة، لأنّ الفتى لم يخفه أصلاً بل تقصد تظهيره والتشديد عليه، أنّ هذا أحد الفاسدين الصغار الذين لا يكفّ الفاسدون الكبار عن تسخيرهم واستنزافهم قبيل ابتلاعهم؛ ورغم ذلك، أو ربما بسبب منه لدى شرائح شعبية محددة، تمكن ممثل السمك الصغير هذا من إخافة الحيتان الكبرى!

وهكذا، وفي باب المخاوف التي أثارها المقاول المتمرد، بدا جديداً اعتقال قيادات أحزاب كان نظام السيسي لا يتسامح مع "ألوان" المعارضة التي تعتنقها، فحسب؛ فقط، بل يعتبرها نوعاً من الزخرفة الضرورية أمام العالم، وفي وجه الانتقادات الواسعة التي تثيرها منظمات حقوق الإنسان في وجه النظام، بصدد الحريات العامة والمدنية والدستورية.

جديد، أيضاً، تفتيش هواتف المصريين في الشوارع، خشية أن تحمل مقاطع من تسجيلات الفتى، وأن يجري اقتياد أصحاب الهواتف المشفرة إلى أقسام الأمن للعمل على فتحها بالقوّة. وجديد أن يُعتقل مواطنون عرب، من الأردن والسودان حتى الساعة، لمجرّد وجودهم على مقربة أمتار من مواقع التظاهر.

أخيراً، وليس آخراً، أليس جديداً أن تتسبب أشرطة محمد علي في نصب هذا العدد الهائل من الحواجز في المدن المصرية الكبرى، والعاصمة على وجه الخصوص؟

وهكذا، قد تذهب خلاصة أولى مشروعة إلى افتراض حرب جديدة بين الأسماك (مختلفة المصالح، متفاوتة الأضرار) والحيتان (على تنوّع فئاتها وأحجامها ومراكز قواها)؛ توازيها خلاصة أخرى لا تقلّ مشروعية، حول معادلة بديلة هي الأعلى والأكبر: مصر، دون سواها، الولاّدة أبد الدهر!

* صبحي حديدي كاتب سوري.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية