بدلا من صلاة الأحد تتحوّل الكنيسة ملجأ لأهالي الشجاعيّة

الأربعاء 23 يوليو 2014 09:07 ص

أسماء الغول، المونيتور - 23 يوليو/تموز 2014

كان المطران اليوناني أليكسوس، السبت في 19-7-2014، يرتّل الصلوات الدينيّة في كنيسته الأرثوذكسيّة الوحيدة في قطاع غزّة، وسط بضع مصلّين ومجامر البخور التي تملأ المكان برائحتها، وتحيطه أيقونات وصور على جدران الكنيسة.

كانت الكنيسة خالية بسبب الحرب، ولكن الشماس رامي عيّاد يتوقّع أنّها "سمتلىء الأحد بالمصلّين، وقال: "عادة، يوم السبت لا يوجد العديد من المصليين، ولكن نتحضّر غداً لاستقبال مزيد من المصلّين، خصوصاً من يسكنون قريباً من المنطقة"، وقطع حديث عيّاد صوتاً عالياً فعلّق: "إنّه صاروخ للمقاومة".

وقال أحد المصلّين عبدالله جهشان (29عاماً) لـ"المونيتور": "جئت اليوم للصلاة لأنّي أسكن قريباً من الكنيسة. وغداً الأحد ستأتي عائلتي، ولكن لو كنت أسكن بعيداً، لما كنت أتيت بسبب القصف الكثيف في كلّ مكان".

إنّ المطران أليكسوس قلق في شأن "ألاّ يتوافر الوقود لصلاة الأحد"، وقال للمحيطين به: "إنّ المذبح في الكنيسة تحت الأرض، وهو معتّم وحارّ، وسيكون من الصعب إقامة الصلاة في ظروف كهذه، خصوصاً أنّ هناك حرباً. لذلك، علينا توفير الكميّة الكافية للوقود من أجل الصلاة".

وعرض المطران أليكسوس شظيّة سوداء بحجم كفّ يدّه نتجت من صاروخ إسرائيليّ أثناء قصف مكان قريب، ووقع في باحة إقامته في الكنيسة، وقال: "لو كنت جالساً في هذه الباحة التي عادة أجلس وأقرأ فيها، لكانت أصابتني هذه الشظيّة، وأصبحت شهيداً، كما حدث مع سواي في هذه الحرب".

لم تجر الأمور الأحد، كما خطّط لها الجميع، ليس بسبب نقص البنزين، أو غياب المصلّين، بل بسبب حمّام الدمّ الذي حدث في حيّ الشجاعيّة، حيث سقط 72 شهيداً فلسطينيّاً، وترك أكثر من مائة ألف فلسطينيّ منزله. وبذلك، فتحت الكنيسة أبوابها لتكون ملجأ لهم.

عاد "المونيتور" الإثنين إلى الكنيسة، التي كانت تعجّ بالعائلات والأطفال والنّساء، وقال الشماس رامي مبتسماً: "ألغينا الصّلاة، ودقّ أبواب الكنيسة الأهالي النّازحين من الشجاعيّة منذ السابعة صباحاً"، موضحاً أنّه سأل المطران أوّلاً فأكّد "وجوب فتح أبواب الكنيسة، وإلغاء صلاة الأحد".

في الباحة الداخليّة أمام الكنيسة هناك عشرات الرجال الممدّدين على الأرض، وقال وائل جندية (39عاماً): "خرجنا ركضاً من حيث نسكن في شارع المنصورة بالشجاعيّة على الحدود مع معبر كارني، وكان القصف عنيفاً، فرأينا الجثث في الشوارع، ونحن كنّا نحاول النجاة بحياتنا صباح يوم الأحد".

ووافقه الرأي إيهاب البحطيطي (30عاماً)، الذي كان يحمل بين يديه ابنه ايهاب الذي لا يتجاوز الثلاثة أعوام، وقال: "تحملنا طوال الليل ضرب الصواريخ والقذائف، وكنّا نشعر بأنّها اللحظات الأخيرة. ومجرّد طلوع الضوء، هربت مع عائلتي راكضاً، إلى أن وصلت مع زوجتي وابني ووالدتي إلى الكنيسة، حيث نشعر جميعاً بالأمان".

وفي صالة تابعة للكنيسة كانت عشرات النّساء يجلسن ويتحدّثن ويخبرن بعضهنّ الحكايات ذاتها التي مررن بها في منطقتهن. وفي هذا الإطار، قالت ختام جندية (31عاماً): "نجوت أنا وأطفالي العشرة بأعجوبة. لقد كانت المواجهات عنيفة بين المقاومة والاحتلال، فبيوتنا تقع عند الخطوط الأولى".

وتحدثّت عن "أقدام النساء، التي معظمها من دون أحذية"، وقالت: "تبدو الأقدام متورّمة وسوداء. لقد ركضنا حفاة، وشعرنا بالجثث التي مشينا عليها، فقالت لي ابنتي إسراء: يا ماما أنا مشيت على يد طفل صغير".

ربّما من الخوف والرّعب تعتقد إسراء (10أعوام) أنّها مشت على يدّ أحد الأطفال، فهي تجلس بجانب والدتها مصدومة لا تتكلّم، ووجهها ثابت الملامح إلى درجة لا يبدو فيها طبيعيّاً بالنّسبة إلى طفلة في عمرها.

وتتّفق النسوة اللواتي تحدّثن لـ"المونيتور" على "الإحساس بالأمان في الكنيسة، رغم أصوات قذائف الدبّابات المرتفعة التي تنطلق كلّ بضعة ثواني.

إنّ كنيسة القديس برفيوريوس التي يبلغ عمرها 1606 أعوام قريبة من حيّ الشجاعيّة، وهي تقع أيضاً في شرق غزّة بحيّ الزيتون الذي يعتبر من أقدم الأحياء الشعبيّة في المدينة، وملاصقة لجامع "كاتب ولاية" القديم والأثريّ.

وقالت نزهة سكّر(49عاماً): "لا نعلم شيئاً عمّا حدث لبقيّة أفراد عائلتنا. لقد كانت لحظات لا نشاهدها، إلاّ على التلفاز حين نشاهد أخبار سوريا، فما رأيته من جثث في الشارع ذكّرني بصور مذبحة صبرا وشاتيلا".

إنّ نزهة لا تزال تجهل الأخبار التي تدور حولها، وأن هناك 30 فرداً من عائلة سكّر فقدوا حياتهم في الشجاعيّة، نتيجة قذف الدبّابات العشوائيّ.

من جهته، قال الشمّاس رامي لـ"المونيتور": "هناك 400 فرد من سكّان حيّ الشجاعية هنا. لقد فتحنا المحال التجاريّة والبيوت ليقطن فيها 600 مواطن آخرين، والجيران يتبرّعون للجميع. كما أنّ الكنيسة تعطي مالاً للشباب في المسجد المجاور، ويأتون بالطعام مع غروب الشمس ليفطر الجميع ويتناولون الطعام، لأنّهم صائمون".

وسأل الطفلان سلامة شلح (14عاماً) وأحمد جحا (17عاماً) الشمّاس رامي: "هل المسيحيّون يصلّون مرّة واحدة في العام؟"، فقال: "لا، كلّ يوم أحد".

ثمّ سألاه مرّة أخرى وبفضول: "كيف تبدو من الدّاخل؟"، فبدا رامي مرتبكاً. وهنا، أجبتهما أنا: " تبدو مثل المسجد".

  كلمات مفتاحية