ماذا وراء التحالف غير المقدس بين السيسي وكارهي الإسلام في أوروبا؟

الاثنين 4 نوفمبر 2019 02:37 م

تسعى الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط لاكتساب النفوذ في الاتحاد الأوروبي عبر الترويج لأنفسها كحصن للاستقرار والاعتدال والتسامح. وفي هذا السياق، تقدم الأنظمة نفسها بوصفها مدافعة عن حقوق الأقليات الدينية، وخاصة المسيحيين، ضد تهديد "الإسلام السياسي". ومع ذلك، يبدو أن فعالية هذه الاستراتيجية ونجاحها يقتصر فقط على الجانب المحافظ من الطيف السياسي الأوروبي، بما في ذلك اليمين المتطرف، في حين أن اليساريين والليبراليين يظلون أكثر تشككا في مثل هذه الروايات.

وتعد مصر مثالا على ذلك. وفي محاولة للإفلات من الانتقادات المستمرة لسجله في مجال حقوق الإنسان من منظمات مثل البرلمان الأوروبي، أرسل نظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي" البابا "تواضروس الثاني"، الشخصية الأبرز في هرم السلطة الروحية للأقباط المسيحيين في مصر لتلميع صورة البلاد في بروكسل. وخلال لقائه مع القادة في البرلمان الأوروبي، كرر "تواضروس الثاني" رواية النظام حول أن المسيحيين لم يتمتعوا بمثل هذه الحقوق في مصر إلا تحت قيادة "السيسي". وألقى باللوم على العنف العرضي في البلاد على المخربين المرتبطين بقوى أجنبية.

القرار الأصعب

وبالكاد بعد أسبوع من هذه الزيارة، اعتمد البرلمان الأوروبي ما يمكن القول إنه أصعب قرار بشأن مصر حتى الآن. فقد أدان الاقتراح، الذي تبنته أغلبية ساحقة في 24 أكتوبر/تشرين الأول، الاعتقال التعسفي لأكثر من 4 آلاف و300 شخص احتجوا على "الفساد النظامي والقمع وإجراءات التقشف"، وخرجوا مطالبين باستقالة "السيسي".

كما طالب أعضاء البرلمان الأوروبي حكومات الاتحاد الأوروبي بالتوقف عن تصدير معدات المراقبة وأي تقنيات أخرى يمكن أن تسهل القمع إلى مصر. ومع ذلك، فقد امتنعوا عن المطالبة بفرض حظر كامل على الأسلحة، بسبب ضغوط أعضاء البرلمان الأوروبي من حزب الرئيس الفرنسي "ماكرون". وعلى الرغم من كونهم جزءا من الجناح الليبرالي في البرلمان الأوروبي، إلا أنهم انضموا في هذا المسعى إلى الجناح اليميني ونجحوا في إزالة حظر تصدير الأسلحة من الاقتراح. وتعكس هذه المناورة صادرات الأسلحة الفرنسية الضخمة إلى مصر، والمواءمة الاستراتيجية الشاملة لباريس مع "السيسي".

وتعد المطالبة بإجراء إصلاح شامل لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر أمرا جديدا. وعلى وجه التحديد، جادل أعضاء البرلمان الأوروبي بأن وضع حقوق الإنسان في البلاد يتطلب "مراجعة جادة لدعم المفوضية الأوروبية الموجه إلى مصر". ويعني هذا الدعم التحويلات المباشرة من المفوضية إلى الخزينة المصرية، في إطار سياسة الجوار الأوروبية. وتم تجميد هذا الدعم، من الناحية النظرية، بعد مذبحة "رابعة"، التي ارتكبتها قوات الأمن المصرية عام 2013. ولكن كما تدرك المفوضية نفسها، فإن هذا الدعم يمثل فقط 27% فقط من التزامات الاتحاد الأوروبي الإجمالية تجاه مصر، الموجهة ظاهريا لتعزيز الحكم الرشيد، بين أهداف أخرى. وبشكل عام، خصصت المفوضية ما يصل إلى 528 مليون يورو لدعم مصر في الفترة بين عامي 2017 و2020.

ويعد السؤال الذي يطرحه أعضاء البرلمان الأوروبي هو إذا ما كان الاستمرار في صرف مئات الملايين من أموال دافعي الضرائب الأوروبيين إلى مصر يعد سياسة سليمة. وكشفت الاحتجاجات الأخيرة، رغم صغر حجمها، عن حدود فاعلية النموذج المصري الذي يدمج بين الإصلاحات الاقتصادية النيوليبرالية التي فرضها صندوق النقد الدولي، والتي تستند إلى التقشف، وبين القمع العنيف للمعارضة السياسية.

وتحاول السلطات المصرية تصوير المحتجين على أنهم "إرهابيون" لكن هذا تضليل عمدي. فقد اشتعلت الاحتجاجات بسبب التكلفة الاجتماعية المدمرة لإصلاحات "السيسي". وبعد 3 أعوام من تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، الذي قدم قرضا لمصر بقيمة 12 مليار دولار، يعيش 33% من المصريين تحت خط الفقر، صعودا من 28% في عام 2015. ووفقا للبنك الدولي، يقترب عدد الفقراء ومحدودي الدخل في مصر من 60%. ويأتي كل هذا مصحوبا بتقارير عن تفشي الفساد داخل الجيش، الذي يمثل الدعامة الأساسية لسلطة الرئيس.

الاستقرار الهش

وفي بلدٍ آخر مماثل، حيث أدت تدابير التقشف التي يقودها صندوق النقد الدولي بالمثل إلى زيادة هائلة في الفقر، تم السماح للناخبين في الأرجنتين بالاحتجاج عبر صناديق الاقتراع حيث انتخبوا بديلا من يسار الوسط في 28 أكتوبر/تشرين الأول. وفي المقابل، يُحرم المصريون من حقهم في تغيير حكومتهم من خلال الانتخابات. ومع ذلك، طالما يرفض "السيسي" تصحيح المسار الاقتصادي وتخفيف القمع السياسي، فسوف يتسع الصدع في صرح استقراره المزعوم حتما.

وبالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فإن الاستمرار في ضخ الأموال في نموذج فاشل هو أمر خاطئ أخلاقيا، وقصير النظر من الناحية السياسية. وهو يضفي الشرعية على القمع، ويناقض ثوب الدفاع عن حقوق الإنسان العالمية الذي يعلن عنه الاتحاد الأوروبي باستمرار، بينما يضر في الوقت نفسه بمصالح أوروبا الخاصة على المدى الطويل. ويجادل مؤيدو دعم "السيسي" أن هذا أمر حيوي لحماية الاستقرار في مصر والتحكم في تدفقات الهجرة إلى أوروبا. وكانت هذه لتكون حجة شرعية لو كانت حكومته قادرة على توفير الاستقرار الحقيقي والمستدام. ولكن في الواقع، كما تظهر الاحتجاجات الأخيرة وقمعها العنيف، فمن المرجح أن تؤدي سياسات "السيسي" إلى تفاقم التوترات في المجتمع المصري، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى انفجار عنيف، يفتح أبواب الهجرة غير المنضبطة التي يخشاها القادة الأوروبيون.

ويُظهر القرار الذي تم تبنيه أن أجزاءً من المؤسسة الأوروبية على الأقل تدرك مخاطر دعم النظام المصري. ومع ذلك، كما هو متوقع، حاول اليمين الصلب في البرلمان الأوروبي مواصلة دعم "السيسي".

ورغم ذلك، لن تكون حكايات الكنائس المسيحية في البلاد، مهما كانت موضع ترحيب في حد ذاتها، كافية لتغيير النظرة الشاملة للرأي العام الأوروبي تجاه نظام "السيسي". وتستند الانتقادات الموجهة لهذا النظام إلى أسس سياسية وليست ديموغرافية، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن معالجتها بها بشكل فعال هي من خلال إصلاح سياسي ملموس. خلاف ذلك، تخاطر القاهرة بإفشال تحالفها غير الواقعي مع اليمين الأوروبي وأنصار الإسلاموفوبيا. ويقوض هذا مكانة مصر كممثل إقليمي "مهم ومؤثر"، ويضر بسمعتها في أوروبا والعالم الإسلامي، بخلاف أنه يضر بسمعة النظام المتردية بالفعل بين المصريين أنفسهم.

المصدر | إلدار ماميدوف - لوب لوج

  كلمات مفتاحية