استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

قوى الاحتجاج العربية والولادة الجديدة

الجمعة 8 نوفمبر 2019 09:09 م

قوى الاحتجاج العربية والولادة الجديدة

هل نحن في قلب ثورة عربية أم وسط حالة ممهدة لقدومها؟

الاستبداد والحاكم الفرد يقوي التدخلات الخارجية ويقدم للصهيونية التنازلات.

في حراك العراق الثوري الذي بدأ أوائل أكتوبر نهوض مفاجئ وإصرار على ولادة شعب.

التمرد جزء من الإنسان وهو يقع عند الحاجة لتغير حال وإنارة طريق فالحضيض يحرك الناس.

الحراك العربي الراهن شكل متقدم من التمرد على التفرد والنفوذ الأجنبي وهياكل السيطرة على الشعوب.

*     *     *

أتساءل في محاولة فهم الحالة العربية الراهنة: هل نحن في قلب ثورة عربية أم وسط حالة ممهدة لقدومها؟ ما نراه اليوم تعبير عن قرب قدوم حالة عربية أكثر زخما لشواطئ جديدة، فهذا ما تأكده سرعة الاحداث وكثيرا طابعها المفاجئ الذي لم يتوقعه الناس أو السياسيون والقادة.

فالحراك العربي الذي تشهده المنطقة الآن شكل متقدم من أشكال التمرد على التفرد وهياكل السيطرة على الناس، وهو شكل من أشكال التمرد على النفوذ الأجنبي. ومن سمات هذه المرحلة التي بدأت في العام 2011 سعي الشعوب لتثبيت حقها في الحياة الكريمة وفي مواجهة الفساد وحقها في الرقابة والمحاسبة.

العرب في الزمن الراهن بين نيران متناقضة، فهم بين نار الغرب وخاصة إسرائيل التي تقضم من سيادتهم وكرامتهم الكثير وذلك بسبب الاحتلال والتدخل، ونار دول جارة تقدمت الصفوف لأخذ ما يمكن أخذه لتعبئة كل فراغ وزيادة نفوذها كحال إيران في العراق وسوريا وتركيا في شمال سوريا.

لكن أصعب النيران التي يعاني منها العرب هي تلك المرتبطة بالاستبداد والحاكم الفرد، فذلك الاستبداد هو الذي يقوي التدخلات الخارجية ويقدم للصهيونية التنازلات.

وإنصافا لقد اختبر العرب أنظمة سياسية اجتهدت في تحسين حالهم خاصة في مراحل سقوط الاستعمار وخروجه، ففي تلك المراحل الأولى ساد التفاؤل في دول عربية رئيسية.

لكن في الوقت نفسه مرت على العرب أنظمة سياسية احتقرتهم تماما كما احتقرهم الاستعمار والصهيونية. في السنوات الماضية ومنذ تراجع الربيع العربي في 2013 وقدوم الثورة المضادة أدمن العرب على الحضيض وقيمه وعلى الفشل واستمراره وعلى ذاتية المصالح الضيقة.

إن تحرك السودان في كانون الأول/ديسمبر 2018 والجزائر في فبراير/شباط العام الجاري وتحول كل منهما لمصنع جديد للأحلام أعطى مشروع الدولة والإنسان في المجتمع العربي بعدا جديدا يعكس الوعي ذاته الذي اختبرته شعوب أخرى في بحثها عن حلول لميل السياسة والسياسيين لسوء استخدام صلاحياتهم وللفساد والتسلط.

في العراق الذي اعتقد البعض انه انتهى كشعب وكمكان، إذا به يغير كل المقاييس. فقد دمر العراق بفضل حروب مستمرة ومن خلال الغزو الأمريكي في 2003، ومن خلال الفساد وسيطرة إيران، لكن الانتفاضة الجديدة غيرت المناخ وأتت بالجديد.

في حراك العراق الثوري الذي بدأ في أوائل تشرين الأول/اكتوبر الماضي 2019 نهوض مفاجئ وإصرار على ولادة شعب.

أما لبنان فحراكه المندلع في تشرين الأول/أكتوبر 2019 غذى عوالم العرب بالحلم الأكبر وذلك بالرغم من المصاعب والتناقضات. بدأت الانتفاضة اللبنانية عندما لم يتوقعها أحد، ووقعت الحالة العابرة للطوائف في لبنان عندما توقع الجميع أن البلاد لا تقوى على التمرد على الطائفية السياسية.

هذه الهبات المفاجئة والتحررية من لبنان للجزائر للسودان للعراق لم تصل لمداها ولم تحقق أهدافها، بل تنضوي هذه الحراكات الثورية ضمن حالة ستفرز مع الوقت قوى جديدة ستفرض نفسها على الميزان السياسي.

حراكات العرب تؤكد بأن الجسد المجمد أو الميت الذي أصبحنا عليه كعرب لازال بنبض بالحياة، بل تؤكد الحراكات العربية الثورية بأن الناس أصبحت آخر خط دفاع عن الدولة والمستقبل. إن الشعوب هي الموضوع، وهي المسؤولة عن تطوير فكر جديد مفاده «الشعب مصدر السلطات» وذلك لضمان بناء الدولة وتأمين الحياة.

فبعد فشل السياسيين وبعد أن عم القمع وسيطر الخارج على الداخل وتشرذمت الحالة الوطنية إلى أجزاء طائفية وسياسية وقبلية وعقائدية، تتدخل الشعوب بحثا عن مشروع ضيعته طبقات السياسيين المسيطرة. هكذا تؤكد لنا الموجه الجديدة من السخط والاحتجاج إنه لازال لدى العرب وفي أوساط أجيالهم الجديدة حلم متحرك.

في العلم الاجتماعي والسياسي التمرد جزء من الإنسان، وهو يقع عند الحاجة لتغير حال وإنارة طريق، فالحضيض يحرك الناس، بل يتحرك الناس عندما تتساوى قيم الحياة مع قيم الموت، وعندما يصبح الإنسان عاريا بلا حقوق ولكن في الوقت نفسه يشعر بأن لحلمه مكانا يستحق منه تضحية.

وفي هذه الحالة تفقد آلة القمع والموت قيمتها، وهنا تبرز بين الناس أعلى قيم الشجاعة والتضحية كما نشاهد في الحراكات العربية وفي الصدور العارية التي تستقبل الرصاص في العراق.

إن التغلب على الخوف وتحدي المصاعب طبيعة إنسانية، وهي طبيعة جماهيرية تعطي الناس قوة تتجاوز قوة حزب أو جيش أو مؤسسة. في هذه الحالة لا يعود للرصاص من أثر، فالروح الجماعية تتحول لقوة أكبر من كل القوى، وهذا ما أكدته لنا ثورات التاريخ وثورات أوروبا الشرقية وحالة سقوط الاتحاد السوفيتي وحالات أخرى تندلع اليوم من هونغ كونغ لأمريكا الجنوبية.

عندما تفقد الناس الثقة بنظام وبسياساته وأساليبه تسقط شرعيته، وإن اهتزت الشرعية في أعين كتل رئيسية من المجتمع ستهتز لا محالة أركان النظام. أزمات الشرعية تودي بالأنظمة بين يوم وليلة، وإنْ تعنت النظام ينتهي الأمر بتدمير الدولة والنظام معا ثم الشعب والناس كما حصل في سوريا.

كل نظام يفقد ثقة الناس والمواطنين معرض للاهتزاز الشامل. وعندما تخرج الناس للشوارع والميادين نجدها تكتسح المساحة العامة. هكذا تعيد تأكيد مكانتها كونها مصدر الشرعية.

لكن شرط كل هذا سلمية الحراكات وسلمية وسائل التعبير، فمن خلال السلمية، مهما كان شكل القمع، تتفكك قوى النظام القديم وتبرز تيارات بل ونخب من النظام نفسه كما ومن الشارع والشعب لديها الميل لحلول وسط وللإصلاح.

السلمية شرط من شروط تحريك فئات المجتمع وأجزاء هامة من النخب التي إن لم تفسد ولم تتورط بالدموية قد تقتنع بأن الشعب تغير والوضع تجدد وأن التحول الديمقراطي والحلول الإصلاحية هي الوحيدة المتبقية للخروج من المأزق التاريخي.

إن إجماع الشعوب وإيمانها بقوة الحراك السلمي في تفكيك أخطاء السلطات وإيقاف الفساد وبناء الارضية لولادة جديدة تعبير عن قوة جديدة صاعدة في الفضاء العربي.

* د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية