استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أي نظام يدرك سقوطه بخروج الشعب من استكانته

الثلاثاء 12 نوفمبر 2019 10:02 ص

أي نظام يدرك سقوطه بخروج الشعب من استكانته

لماذا لم يبادر الحكام سابقا طالما أنهم يعرفون ما يجب أن يفعلوه؟

تحوّلت المطالب من الخدمات والقضايا المعيشية إلى «إسقاط النظام» والحكومة والبرلمان وإجراء انتخابات مبكّرة.

المتظاهرون لا يصدّقون أن منظومة الحكم فهمت أخيرا وسريعا لما نزلوا إلى الشارع ولا يثقون بأن استجابتها ستتحقّق.

الاحتجاجات صعّدت لما فوق السقف السياسي تعبيرا عن رؤية مدروسة لما يجب أن يكون أو طلبا للكثير توخّيا للأقلّ المجدي والمقبول.

*     *     *

أكثر ما يلفت في انتفاضتَي العراق ولبنان أن "النظام" الذي طالب المحتجّون بإسقاطه لم يتأخّر في الاعتراف بأنه مَلوم في الحدّ الأدنى، مذنب في الحدّ الأقصى، سواء اعترافاً بالمسؤولية واستعداداً لتحمّلها بمعالجة المطالب وعوامل التقصير، أو انحناءً آنياً أمام العاصفة وتأهباً لصدّها ومواجهتها.

في غضون أيام قليلة أصبحت لدى حكومة عادل عبد المهدي أموال لمساعدة العائلات الأكثر حاجة، ووظائف شاغرة للعاطلين عن العمل، وقرارات لتفعيل مكافحة الفساد، ومشاريع قوانين لسدّ الثغر التي خلّفها سوء الإدارة.

وخلال اثنين وسبعين ساعة حدّدها سعد الحريري صارت الحكومة جاهزة في جلسة واحدة لإقرار الموازنة بعد تلكؤ طويل في الاتفاق على بنودها، كما أنها التقطت من صرخات الشارع ما مكّنها من وضع لائحة إصلاحات كانت أهملتها في أدراجها، ومن بينها آلية لمكافحة الفساد، واستعادة الأموال المنهوبة.

لماذا لم يبادروا سابقا طالما أنهم يعرفون ما يجب أن يفعلوه؟ سأل المتظاهرون، ليس فقط من قبيل الجدل، بل لأنهم لا يصدّقون أن منظومة الحكم فهمت أخيراً وسريعاً لما نزلوا إلى الشارع، ولا يثقون بأن استجابتها اللفظية لمطالبهم ستتحقّق. لذلك تحوّلت المطالب من الخدمات والقضايا المعيشية إلى «إسقاط النظام»، والحكومة، والبرلمان، وإجراء انتخابات مبكّرة.

أي إن الاحتجاجات صعّدت إلى ما فوق السقف السياسي، إمّا تعبيراً عن رؤية مدروسة لما يجب أن يكون أو طلباً للكثير توخّياً للأقلّ المجدي والمقبول.

كبداية. لا أحد يستطيع أن يقدّر الدوافع والأهداف في غياب "قيادة" معروفة للانتفاضتين، اللتين كَمُنَ كثير من قوتهما في "اللاقيادة" هذه، فمن يقود فعلاً هو الغضب والشعور بالظلم والإقصاء بفعل أخطاء راكمتها القيادات والزعامات وتضافرت غطرسة القوّة مع عمى البصيرة على إنكار أنها أخطاء، ولا يمكن الإفلات بها وبمكاسبها من دون محاسبة.

لا يزال النظامان قائمين ولا مؤشّرات إلى أنهما سيسقطان، لكنّ أقطابهما باتوا مسكونين بشعور عميق بأنهم سقطوا فعلاً، حتى لو تمكّنوا من الصبر والانتظار إلى أن يتعب الشارع أو يُصار إلى تهدئته ببعض المسكّنات.

سقطوا لأنهم أدركوا أن الشعب كان عارفاً وساكتاً ومترقّباً وأنه استفاق ولم يعد متاحاً الركون إلى استكانته، وسقطوا لأنهم في محاولاتهم لفهم ما يريده الشارع انكشفت الخلافات الناشبة بينهم، ولم يكن يخمدها سوى تبادلهم السكوت على الغَرف من المال العام.

بل أدّى سقوطهم إلى شيء من نقد ذاتي أو جلد للذات، كأن يدعو زعيم عراقي لتعديل الدستور لجعل النظام رئاسياً، أو يتبنّى آخر انتخابات المبكّرة، وكأن يلحّ زعيم لبناني على حكومة اختصاصيين سياسيين أو يشتكي الرئيس بأن صلاحياته محدودة. ليس أدلّ على السقوط في جدل بيزنطي كهذا.

وجد النظامان نفسيهما أمام وضع يتطلّب تضحيات من قواهما السياسية، وأمام مطالب مستحيلة لا تُعالج بقرارات عاجلة. والأصعب أن أهل الحكم باتوا إزاء مجتمع فاقد الثقة بهم جميعاً.

وإذ التفتوا إلى ارتباطاتهم الخارجية، تحديدا إيران والولايات المتحدة، فقد تلقوا نصيحة واشنطن غير المريحة بالاستماع إلى مطالب الشعب وتلبيتها، أما التوصية غير العملية من طهران فأمرتهم بعدم التغيير أو التنازل.

إذًا فالدولتان تتصارعان بهم وعبرهم ولا تأبهان لتفاقم القمع الدموي في العراق ولا بوشوك الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان. وحده الشارع لم يبدُ معنياً بهذا الصراع الخارجي بالوكالة، ولا بحسابات القوى السياسية، فهو أطلق حراكه/ ثورته موقناً بأن العلّة داخلية أولاً وأخيراً.

* عبد الوهاب بدرخان كاتب صحفي لبناني

المصدر | العرب القطرية

  كلمات مفتاحية