المونيتور: الصراع السعودي التركي يمتد إلى الدراما الفنية

الاثنين 2 ديسمبر 2019 06:05 م

شهدت العلاقات بين الرياض وأنقرة توترا متصاعدا خلال الأعوام الأخيرة بسبب عدد من العوامل، بما في ذلك اغتيال الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، لكن من المقرر أن يأخذ هذا التوتر منعطفا آخر نحو الأسوأ مع استمرار بث المسلسل التليفزيوني العربي الذي تم إطلاقه في 17 نوفمبر/تشرين الثاني.

وبدا أن مسلسل "ممالك النار"، المكون من 15 حلقة بتكلفة إنتاج بلغت 40 مليون دولار، والذي بدأ بثه على قناة "إم بي سي" المملوكة للمملكة العربية السعودية، والتي يقع مقرها في الإمارات العربية المتحدة، بدا أنه تم تصميمه ليشوه صورة العثمانيين من خلال وصفهم بأنهم "محتلون طغاة" دمروا العالم العربي لقرون.

ويخرج "بيتر ويبر"، مخرج فيلم "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي"، الدراما التاريخية، بينما تمت كتابة السيناريو بواسطة الكاتب المصري "محمد سليمان عبد الملك"، فيما يضم العديد من الممثلين العرب المعروفين، ويدعي القائمون على هذا المسلسل أنه يقدم عرضا دراميا ولكنه واقعي لوقائع هزيمة المماليك على يد السلطان العثماني "سليم الأول" في عام 1517، وبدايات ظهور الحكم العثماني.

صراع الروايات

ويزعم مؤيدو العمل الفني في الصحافة العربية أنه "يضع الحقائق التاريخية في منظورها الصحيح"، ويكشف الوجه الحقيقي للحكم العثماني على العرب.

وكتبت صحيفة "سعودي جازيت" السعودية الناطفة بالإنجليزية: "تسلط هذه الدراما الضوء على التاريخ الدموي للعثمانيين وعدوانهم على العرب، المتمثل في طغيانهم وإجرامهم وسرقتهم للتاريخ العربي".

وكتب "مصطفى مرعي" في الصحيفة المصرية "المصري اليوم": "يكشف المسلسل حقيقة أن الأتراك يحاولون الآن بجدية إخفاء تاريخهم المليء بالدماء والمؤامرات الشريرة".

وتتناقض هذه الآراء تماما مع الرواية التي تحاول الإدارة الإسلامية للرئيس "رجب طيب أردوغان" الترويج لها منذ وصولها إلى السلطة عام 2002.

وحتى قبل "أردوغان" وحزبه "العدالة والتنمية"، اعتبرت الرواية التركية دوما أن الحكم العثماني قد أفاد العرب والمسلمين في الشرق الأوسط، وأن المنطقة وقعت في حالة اضطراب بعد نهاية حكم العثمانيين.

وعادة ما يتم إلقاء اللوم على زوال الحكم العثماني الإسلامي في المنطقة على "خيانة وغدر العرب الذين وقفوا مع بريطانيا العظمى خلال الحرب العالمية الأولى".

وبعد وصوله إلى السلطة، تواصل "أردوغان" مع العالم العربي باسم التضامن الإسلامي، وحاول تبديد هذه الفكرة، وألقى باللائمة في الاغتراب بين الأتراك والعرب على أخطاء النخبة التركية العلمانية.

وفي عام 2010، استشهد بقصيدة "أنا ألباني" للشاعر الوطني التركي "محمد عاكف آرصوي"، مؤلف النشيد الوطني التركي، حيث قال: "لا يمكن أن يعيش تركي بدون عربي".

وتقول قصيدة "آرصوي": "الأتراك هم العين اليمنى واليد اليمنى للعرب".

وعلى الرغم من أنه قد قلل من أهمية القومية العربية، لكن "أردوغان" بدا كأنه يحرز تقدما في حديثه مع الجماهير العربية.

وأصبح هذا أكثر وضوحا بعد أن دافع عن "حماس"، ووبخ علنيا الرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز" عام 2009 في دافوس، حين اتهم (إسرائيل) بقتل الأطفال الفلسطينيين.

وتحول "أردوغان" إلى محبوب الشوارع العربية بين عشية وضحاها بعد ذلك، لكن الأنظمة العربية، التي كانت دائما حذرة من التدخلات التركية في المنطقة، كانت غير سعيدة لرؤية تركيا غير العربية تحاول الاستيلاء على المشهد.

ومع ذلك، كانت الأنظمة العربية، على عكس معظم دول البلقان، غائبة في معظمها عن تقديم رواية خاصة حول ماضيها العثماني، لكن يبدو أن هذا يتغير الآن.

ويبدو أن "ممالك النار" يمثل ردا على الأعمال الفنية التركية الرئيسية، مثل "قيامة أرطغرل"، أو "القرن العظيم"، وهي أعمال تمجد الإمبراطورية العثمانية ويتابعها الملايين في الشرق الأوسط على شبكة "نتفليكس".

وفي الوقت نفسه، تحظى الدراما التركية الحديثة، التي تصور تركيا المعاصرة، خاصة العلاقات بين الرجال والنساء، بشعبية كبيرة في العالم العربي، ما يزعج المؤسسة الوهابية المحافظة في السعودية.

تشويه التاريخ

وعلى الرغم من أن "ممالك النار" حظي بالكثير من الثناء في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن بعض الأصوات العربية عارضت العمل، متهمة إياه بتشويه التاريخ، وليس من المستغرب أن تكون هذه الأصوات موجودة في قطر، وهي البلد العربي الوحيد الذي تربطه علاقات قوية بتركيا اليوم.

ويحتوي "ممالك النار"، الذي تم تصنيفه كأكبر إنتاج عربي لعام 2019، على جميع أدوات صناعة السينما الحديثة، ويشمل الأزياء الفخمة ومشاهد الحرب المصممة بشكل جيد، وعلى هذا النحو، يبدو أنه جاء ردا على المنتجات الأعمال الفخمة التي تمجد العثمانيين.

ويمكن اعتبار هذا المسلسل أيضا علامة على التهديد السياسي والثقافي والعسكري التركي المتزايد في تصور الأنظمة العربية منذ الربيع العربي.

وكانت شبكة "إم بي سي"، المدرجة ضمن قائمة "أكبر الشركات الخاصة للبث الفضائي المجاني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، قد أعلنت في مارس/آذار 2018 بأنها تلقت تعليمات بوقف بث البرامج والمسلسلات التركية في قنواتها.

وكان دعم تركيا غير المشروط لـ"الإخوان المسلمون"، وغضبها من الانقلاب الذي دعمته السعودية عام 2013 في مصر، الذي أطاح بصديق "أردوغان" المقرب "محمد مرسي"، محفزات أولية للعداء بين أنقرة والعواصم العربية الاستبدادية.

وفي الوقت نفسه، أدى مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" في اسطنبول، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، على أيدي عناصر مقربة من ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، إلى تصعيد التوتر بين تركيا والسعودية.

ولا يزال "أردوغان" يذكّر بمصير "مرسي"، الذي توفي أثناء احتجازه في القاهرة في يونيو/حزيران الماضي، ويطالب بالتحقيق في وفاته، وقد أثار الموضوع بغضب في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي. ويستمر "أردوغان" أيضا في دعم العدالة لـ "خاشقجي" في كل فرصة ممكنة.

وجاءت أحدث علامة على التوترات التركية مع العالم العربي بعد أن أطلقت أنقرة عملية "نبع السلام" في شمال شرقي سوريا، ما دفع مصر إلى عقد جلسة طارئة لجامعة الدول العربية.

وبعد الجلسة، دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية "أحمد أبوالغيط" الأمم المتحدة إلى التحرك ضد "غزو تركيا" و"عدوانها" على دولة عربية.

وبالنظر إلى هذه الخلفية، فإن توقيت إصدار "ممالك النار" ليس "صدفة" بالنسبة إلى المعلقين الأتراك. ويجادل الكثيرون منهم بأن هذا العمل جزء من مؤامرة معادية لتركيا قامت بها السعودية والإمارات ومصر.

وكتب "زكريا كورسون"، في صحيفة "يني شفق" الموالية للحكومة: "كان من الواضح منذ اليوم الأول أن الإنتاج السعودي الإماراتي المشترك، مع السيناريو المصري والإخراج البريطاني، أن العمل بعيد عن كونه عملا فنيا بمجهود فردي".

وكتب "كورسون": "إن الهدف الرئيسي (من العمل) هو تصوير العثمانيين على أنهم غزاة، ما يبعث برسالة خفية حول أن سياسات تركيا الإقليمية الحالية تخدم نفس الهدف".

وجادل قائلا: "يتزامن توقيت إطلاق المسلسل مباشرةً مع عملية نبع السلام، وهو مؤشر واضح على الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه".

ولم يوار "إبراهيم كراغول"، رئيس تحرير مجلة "يني شفق"، كلماته، وفي مقال له وجهه لحكام السعودية والإمارات، كتب "كاراغول" قائلا: "إذا تابعتم أموركم بهذه الطريقة، فسيظهر سليم آخر، وستعيشون مرة أخرى في عام 1517. إن موقفكم اليوم أسوأ من موقف العباسيين".

ووفقا لـ"ميريام بيرج" من جامعة "نورث وسترن" في قطر، لعبت المنتجات الثقافية التركية دورا رئيسيا في تحويل الصور السلبية لتركيا وماضيها العثماني إلى صور أكثر إيجابية بين العرب.

وقالت "بيرج" لقناة "تي آر تي وورلد" التركية الإخبارية الدولية، التي تسيطر عليها الحكومة، حين طُلب منها التعليق على "ممالك النار": "من خلال إنتاج مسلسل يعارض ذلك، فإنهم يحاولون إعادة إنشاء سرد عربي قديم عن فظاعة الأتراك".

وأضافت: "لكن اعتقاد المنتجين أن العمل سيكون له صدى لدى الجمهور لا يعني أنه سيكون كذلك بالفعل".

ومع ذلك، لا يوجد أي سبب يدعو إلى عدم محاولة إبهار جمهور كان مبهورا دائما بالدارما التركية التاريخية المنتجة جيدا وباهظة التكلفة من خلال مشروع باهظ الثمن ومنتج جيدا أيضا مثل "ممالك النار".

وربما تكون حقيقة أن هذا المسلسل يهدف إلى تصوير ماضيهم التاريخي عاملا آخر يزيد من اهتمام الجمهور العربي بهذه الدراما خلال هذه الفترة، بينما يسهم في الوقت نفسه في المشاعر السلبية تجاه تركيا.

المصدر | سميح إيديز | المونيتور - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية