استبداد السيسي الهش.. لماذا سيكون سقوط النظام في مصر فوضويا للغاية؟

الأحد 22 ديسمبر 2019 09:03 م

تراهن العديد من الدول التي تحافظ على علاقات وثيقة مع الحكومة المصرية ورئيسها "عبدالفتاح السيسي" على قوة واستقرار نظامه.

وفي الوقت الذي تعاني فيه المنطقة من الاضطرابات، تشعر العديد من القوى الأجنبية بالراحة تجاه الهدوء الظاهري الذي استطاع "السيسي" فرضه على مصر، وإن كان ذلك عبر وسائل وحشية.

وقد جرى هذا التركيز الواسع للسلطة في مصر من خلال استراتيجية تعتمد على حفنة من الأفراد المقربين من "السيسي" شخصيا، بما في ذلك أفراد عائلته، وفي حين أن هذا يساعد على ضمان ولاء أصحاب النفوذ، لكنه يأتي على حساب وجود نظام مؤسسي أكثر انتشارا واستقرارا.

وقد تكون قبضة "السيسي" على السلطة السياسية في هذا الوقت قوية، لكن الطريقة التي عزز بها هذه السلطة تجعلها أيضا هشة للغاية، وحساسة للصدمات غير المتوقعة.

ونرى هذا المزيج الفريد بين القوة والهشاشة في مواد مثل شفرات السكين، ويمكن الحفاظ على حدة حواف الفولاذ الصلب لفترة أطول بكثير إذا ما تم استخدامه بعناية، ومع ذلك، إذا أصاب هذا الفولاذ الصلب أثناء الاستخدام مواد صلبة أخرى، فسوف تفقد السكين حدتها أو تنكسر، فمع زيادة الصلابة، يصبح الصلب أكثر هشاشة.

وتتراوح الدول، مثل السكاكين، في المرونة والصلابة، وتكون الدول المرنة أكثر استعدادا للتعامل مع الصدمات غير المتوقعة، ويتمتع النظام المتصلب بميزة القدرة على التحرك بسرعة وحسم، لكنه يكون عرضة للصدمات غير المتوقعة.

على سبيل المثال، يعتبر العديد من الدبلوماسيين أن قبضة "السيسي" الاستبدادية على السلطة هي السبب في قدرته على اتخاذ إجراءات فشل في اتخاذها كل من سبقوه، مثل رفع الدعم على عدد من السلع، خاصة الطاقة.

وكانت مثل هذه الإصلاحات بعيدة المنال للأنظمة السابقة التي كانت أكثر استجابة للجمهور، علاوة على ذلك، فإن السلطة التي يعتمد عليها النظام تتركز شيئا فشيئا في دائرة صغيرة نسبيا، ويزيد كل هذا من صلابة النظام، وبالتالي هشاشته في نفس الوقت.

تفكيك مؤسسات الدولة

وساهم جهد "السيسي" النشط في تفكيك مؤسسات الدولة وتقويض استقلاليتها في زيادة هشاشة الدولة بشكل عام، وفي حين أن القضاء المصري كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه الأكثر استقلالية بين المؤسسات المدنية في مصر، حتى أنه اتخذ في بعض الأحيان مواقف مستقلة تماما، مثل اتهام نظام "مبارك" بالتزوير الانتخابي، فإن القضاء نفسه الآن يدعم "السيسي" بحماس، وشارك بنشاط في جولة هائلة المواقف الخاضعة للسلطة، مثل إطلاق الأحكام القضائية المسيسة على المعارضين السياسيين، والإشراف على سلسلة من الانتخابات الوهمية، ما تسبب في فقدان المؤسسات القضائية لمصداقيتها لدى الجمهور.

ونظرا لتراجع مصداقية القضاء وشعبيته، فقد عمل "السيسي" أيضا على وضعه تحت سلطته المباشرة، ما قوض استقلاله القانوني أيضا، في البداية، استخدم حلفاء "السيسي" التشريعات لزيادة سلطاته في تعيين قضاة المحكمة العليا، قبل أن يتم تكريس هذه الصلاحيات في الدستور، ويجلس "السيسي" الآن على رأس هيئة جديدة تشرف على القضاء بأكمله، يتمتع فيها الرئيس بحق النقض "الفيتو".

وفي أعقاب الانقلاب، كان "السيسي" قادرا على الحكم دون هيئة تشريعية حتى نهاية عام 2015، عندما تم تشكيل برلمان صوري من أحزاب مؤيدة للنظام تحت قيادة قائمة "من أجل حب مصر" التي نظمها ضابط المخابرات السابق "سامح سيف اليزل".

وفازت هذه الكتلة بكل مقعد مخصص لمرشحي القوائم، وكان الغرض من تدخل المخابرات هو تقديم هيئة تشريعية سهلة الانقياد، وقد حدث ذلك بالفعل رغم تمكن حفنة من النواب المستقلين من الفوز، وتعرض هؤلاء البرلمانيون المستقلون للهجوم والضغط مرارا وتكرارا من قبل الأغلبية الموالية للنظام.

واقترح البرلمان نفسه تعديلا دستوريا أضعف سلطاته، على الرغم من أنه يعمل بالفعل كمنصة للموافقة على جميع قرارات وتشريعات الرئيس، وأنشأ التعديل الجديد مجلسا جديدا يستطيع الرئيس تعيين ثلث أعضائه، ما يضعف سلطة النواب المنتخبين ويزيد من سلطة الرئيس.

ومهد تعديل آخر لتمديد ولاية "السيسي" في منصبه، ما يسمح له بمواصلة الحكم لولاية ثالثة حتى عام 2030، بالإضافة إلى ذلك، يذكر موقع "مدى مصر" أن الرئيس كلف الأجهزة الأمنية التابعة له بضمان برلمان أكثر طواعية في العام المقبل عن طريق استبعاد على حفنة النواب المستقلين في البرلمان الحالي.

تفكيك المراكز المدنية للسلطة

ومن خلال التشريعات والقضاء ووزارة الداخلية، قيد "السيسي" المجتمع المدني المصري بشكل خطير، حيث أصدر قانون المنظمات غير الحكومية المروع، الذي يقيد بشدة أنشطة المنظمات غير الحكومية ومصادر تمويلها المحتملة، ما يسمح للدولة بخنق المنظمات التي تنتقد الحكومة.

وفي حين تم تخفيف بعض العناصر الأكثر إثارة للجدل في القانون في العام الماضي، لكن القيود لا تزال قائمة إلى حد كبير، وقد تم القبض على مجموعة متنوعة من المدافعين عن حقوق الإنسان وجرى سجنهم ومنعهم السفر، مع تجميد ممتلكاتهم.

وحتى القطاع الخاص لم يسلم من بطش "السيسي" الذي رأى فيه مصدرا لسلطة مدنية مستقلة يجب القضاء عليها، وفي عهد "مبارك"، كان لنخبة رجال الأعمال المدنيين قدر لا بأس به من النفوذ السياسي، وغالبا ما استخدموا هذا النفوذ لخدمة مصالحهم المالية الشخصية.

أما اليوم، فقد تم تهميش هذه المجموعة إلى حد كبير سياسيا، وبالتزامن مع تهميش مجتمع الأعمال سياسيا، وسع الجيش بقوة إمبراطوريته الاقتصادية، وفي الوقت ذاته عرقل الاستثمار من جانب المستثمرين المحليين والأجانب.

ومنذ حزمة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي التي تلقتها مصر عام 2016، تقلص الاقتصاد غير القائم على النفط والغاز كل شهر تقريبا، وفقا لمؤشر مديري المشتريات، وظل الاستثمار الأجنبي المباشر في حالة ركود وأقل بكثير من المستهدف، وتم توجيه معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاعي النفط والغاز، اللذين يرتبطان مباشرة بالحكومة، وبشكل خاص، أصبح مجتمع الأعمال غارقا في الروايات حول الشركات العسكرية التي تزاحم الشركات الخاصة.

تفكيك الصحافة

وأخيرا، قامت الأجهزة العسكرية وغيرها من الأجهزة الأمنية بشراء نصيب الأسد في صناعة الإعلام في مصر، حتى أنها ذهبت إلى حد شراء شركات إنتاج الأفلام والتليفزيون، وفي حين أن هذا قد سمح للدولة للسيطرة على الكثير، ما يتم بثه في منازل المصريين من داخل مصر، لكنه زاد من رغبة الجمهور في اللجوء إلى منافذ بديلة خارج البلاد بعيدا سيطرة الحكومة.

ويُشتبه في أن هذا هو السبب في إرسال نجل الرئيس "محمود السيسي"، الذي كان قد تم تكليفه أثناء وجوده في جهاز المخابرات العامة بالتحكم في وسائل الإعلام، إلى موسكو لشغل منصب في السفارة المصرية هناك، حيث فشل نجل "السيسي" فيما يبدو في إدارة الملف الإعلامي.

وقد تعرض آخر معقل للصحافة المستقلة في مصر، وهو مؤسسة "مدى مصر"، لمداهمة مكتبها واحتجاز عدد من الصحفيين بها لفترة وجيزة، بعد نشر تقرير تحقيق حول إعادة انتداب "السيسي الابن".

تكلفة تركيز السلطة

وأدى تركيز القوة السياسية والاقتصادية والإعلامية في أيدي مجموعة صغيرة من مؤيدي الرئيس إلى زيادة هشاشة النظام بشكل كبير، وسمح عدم وجود هيئة تشريعية حقيقية باتخاذ قرارات غير مدروسة وغير خاضعة للمشورة وليس لها أساس سوى تفضيلات الرئيس الشخصية، مع عدم وجود نقاش فعال حول حكمة تلك القرارات.

وكانت مشاريع "السيسي" الضخمة، وما زالت، مكلفة للغاية؛ وذات حسابات غامضة، واستهلكت توسعة قناة السويس المتسرعة مبلغا كبيرا من العملة الصعبة في وقت كانت البلاد تعاني من نقص حاد فيها، ولم يكن الكثير من المراقبين المستقلين مقتنعين بحكمة مشروع العاصمة الإدارية الضخمة، الذي من المتوقع أن يكلف ما لا يقل عن 45 مليار دولار، وتشرف عليه شركة مملوكة للجيش.

وأدى القمع الواسع للنقد في البرلمان والصحافة والأماكن العامة إلى إزالة جميع طرق التواصل بين النظام والجمهور، وأسفرت هذه الديناميكية عن دخول النظام في وضع الأزمة حين استجاب الجمهور لسلسلة من مقاطع الفيديو التي نشرها المقاول "محمد علي".

وكانت نتيجة ذلك أيضا أن النظام نظر إلى بضعة آلاف من المحتجين في جميع أنحاء البلاد على أنهم تحدٍ وجودي للنظام، بينما كانت أي بيئة أكثر تسامحا لتسمح لهذه الاحتجاجات بالمرور كتعبير طبيعي عن السخط ردا على تدابير التقشف.

ورغم أن النظام تمكن من قمع الاحتجاجات من خلال حملة قمع واسعة النطاق، فإن الأمر مسألة وقت فقط حتى تطلق شرارة أخرى جولة أكبر من الاحتجاجات التي قد لا يتم إخمادها بهذه السهولة.

وفي عام 2011، سمحت المسافة المتصورة بين الجيش والرئيس بتنحية "مبارك" جانبا، وسجن عدد قليل من الوزراء وقادة الأعمال الذين كانوا مقربين منه، وفي النهاية، كان النظام قادرا على الحفاظ على سلطته الخاصة.

ولكن اليوم، يرتبط "السيسي" بعمق أكبر مع القيادة العسكرية، مما يعني أن مصائرهم من المرجح أن تكون مرتبطة بمصيره، علاوة على ذلك، فإن تآكل استقلالية المؤسسات يقوض فعالية إلقاء اللوم عليها لإخماد السخط. ولم تكن الجهود المبذولة بعد الأحداث الأخيرة لتوبيخ الحكومة والوزراء من قبل البرلمان فعالة في إقناع الناس.

بالإضافة إلى ذلك، مع عدم السماح بوجود أحزاب سياسية مستقلة، وتعرض معظم منظمات المجتمع المدني في البلاد للقمع الشديد، لا توجد أماكن يمكن فيها بناء الخبرة السياسية وتعزيز القيادة البديلة، وبذلك، عندما تنتهي رئاسة "السيسي"، فإن مصر لا تمتلك أي آلية للانتقال السلمي للسلطة كما شوهد في تونس، ولا توجد مساحة لإعداد البدائل الموثوقة، وقد تسبب الخوف من الانتقال، رغم حتميته، في إجبار "السيسي" على اتخاذ إجراءات من شأنها أن تجعل أي عملية انتقال للسلطة في مصر فوضوية للغاية.

وربما يكون نصل "السيسي" الحاد الصلب قد أطاح بخصومه وركز السلطة في يديه، لكن عندما يواجه تحديا أكثر صعوبة، فقد لا يتراجع فقط، ولكنه ربما ينهار تماما، ويجب تخفيف تصلب النظام حتى تتمكن الحكومة المصرية من الصمود في وجه التحولات التي تتطلبها مصر، وإلى أن يحدث ذلك، فإن المخاطر المرتبطة بهشاشة النظام المصري كبيرة للغاية ولا يمكن التنبؤ بها على حد سواء.

المصدر | تيموثي كالداس | معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط - ترجمة الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية