ماذا وراء التصعيد المصري ضد وكالة الأناضول التركية؟

الخميس 16 يناير 2020 03:11 م

بين ليلة وضحاها، صار مكتب الوكالة الرسمية التركية "الأناضول" في القاهرة، والذي يعمل في مصر منذ 8 أعوام، خلية إلكترونية تابعة لجماعة "الإخوان المسلمين"، التي تصنفها السلطات "إرهابية"، ما يبرر - وفق البيانات الرسمية المصرية - قرار مداهمة وكالة الأنباء التركية واعتقال العاملين فيها.

وكانت العلاقات المصرية التركية قد دخلت الأسبوع الماضي في خضم منحى جديد من التوتر والتصعيد، ويبدو أن تداعيات هذا الصراع السياسي طالت مكتب الوكالة في التركية القاهرة، حيث تم اتهام 4 من العاملين في الوكالة، بينهم مواطن تركي، بالتآمر لتشويه صورة البلاد على المستويين المحلي والدولي.

وتغامر مصر بإثارة غضب المؤسسات الحقوقية والدولية إزاء أوضاع حرية الصحافة في البلاد بعد قيامها بغلق وكالة أنباء رسمية مرموقة، لكن الخطوة تحمل خلفها دلالات عديدة حول الصراع المحتدم بين القاهرة وأنقرة في ملفات متعددة على الساحة الإقليمية.

البداية

كانت البداية مع إطلاق الخدمة العربية لوكالة الأناضول وافتتاح مكتبها بالقاهرة عام 2012، وبروزه بشكل قوي تزامنا مع الربيع العربي، والثورة المصرية، بل وتحقيقه انفرادات حصرية في تغطية الشأن المصري.

منذ ذلك الوقت، منحت الهيئة العامة للاستعلامات (تابعة للرئاسة المصرية) الوكالة تصاريح العمل، وهو الأمر الذي استمر بعد وقوع الانقلاب العسكري يوليو/تموز 2013، رغم وجود مماطلة في تجديد تلك التصاريح، وتعرض مكتب الوكالة لعدة مداهمات أمنية محدودة، بحجة التأكد من اتباعه قوانين العمل المصرية ومراجعة حصوله على حقوق الملكية الفكرية للبرامج المستخدمة على أجهزة الكمبيوتر.

لكن، الأمور زادت سوءا في العام 2015 حين تعرض المقر لأكبر حملة أمنية وتم تفتيشه بالكامل، مع تلقي مراسلي الوكالة تحذيرات من مسؤولين حكوميين، ومنعهم من تغطية المؤتمرات الصحفية أو الأحداث الميدانية، بسبب سياسة تركيا المناوئة للنظام المصري الحالي، ودعمها القوي لجماعة الإخوان المسلمين.

وفي مايو/آيار من العام ذاته، وتجنبا لفخ أمني تم إعداده صحفييها للقبض عليهم، وتقديمهم للمحاكمة كما حدث مع صحفيي "الجزيرة" في القضية المعروفة باسم "خلية الماريوت"، أعلنت "الأناضول" غلق مكتبها في القاهرة، وإنهاء عقود جميع العاملين بالمقر الإقليمي وعددهم يزيد عن 120 شخصا من المصريين والعرب والأتراك.

العودة

بعد ذلك بشهور، ووفق تفاهمات دبلوماسية وقانونية جرت بين الجانبين، أعيد استئناف العمل بمكتب القاهرة، مع تقليص عدد العاملين به، وكذلك تقليص ميزانيته، وقد بات أكثر حرصا على إبراز وجهة النظر الرسمية المصرية، عند تناول أي شأن داخلي في البلاد.

وخلال الأعوام الأربع الماضية، لم تتوقف كذلك مداهمات الأجهزة الأمنية لمكتب الوكالة، لكن دون الإقدام على إغلاقه أو اعتقال صحفييه، قبل أن تتخذ السلطات المصرية خطوة تصعيدية الأسبوع الحالي بمداهمة المكتب مجددا، لكن هذه المرة مع مصادرة محتوياته، وتشميعه بالشمع الأحمر، واعتقال من فيه.

وفق مصادر تحدثت لـ"الخليج الجديد"، فإن نقيب الصحفيين المصريين "ضياء رشوان" الذي يشغل كذلك منصب رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، رفض التدخل في الأزمة، معتبرا أن "موضوع وكالة الأناضول شائك وبه مشاكل"، على حد تعبيره.

وترجح المصادر أن يكون سبب مداهمة قوات الأمن لمقر الوكالة، هو تغطية خبر وفاة المعتقل الأمريكي من أصل مصري "مصطفى قاسم"، وإبراز ردود فعل الإعلام الأمريكي إزاء الواقعة، التي سلطت الضوء على معاناة المعتقلين السياسيين داخل السجون المصرية، وحجم الانتهاكات والإهمال الطبي الذي يرتكب بحقهم، ما أدى إلى وفاة العشرات منهم.

صراع سياسي

لكن من زاوية أخرى يصعب اختزال، أسباب مداهمة "الأناضول" واعتقال صحفييها، في تناول وفاة "قاسم" فقط، دون التطرق إلى الصراع المحتدم بين مصر وتركيا على المسرح الليبي، وإرسال تركيا قوات عسكرية لدعم حكومة "الوفاق" المعترف بها شرعيا، في مواجهة حليف القاهرة وأبوظبي "خليفة حفتر"، الذي تشن قواته عملية عسكرية لاقتحام العاصمة طرابلس، منذ أبريل/نيسان الماضي.

وخلال الأيام الأخيرة، أبرزت الوكالة مواقف الجانب التركي في الأزمة، وتهديدات الرئيس التركي "رجب طب أردوغان" بأنه لن يسمح بتكرار الانقلاب في ليبيا على غرار ما حدث في مصر 2013، فضلا عن إصراره المتواصل على فتح تحقيق دولي بفي فاة الرئيس الراحل "محمد مرسي"، في محبسه، يونيو/حزيران الماضي.

يضاف إلى ذلك، تزايد نشاط المعارضة المصرية التي تستضيف تركيا عددا من أبرز قادتها، والتنسيق مع المقاول "محمد علي" الذي كشف وقائع فساد بمليارات الجنيهات داخل مؤسستي الرئاسة والجيش المصري، وإعلان وثيقة العمل الوطني المطالبة برحيل "السيسي" عن سدة الحكم.

إزاء تلك المعطيات، يمكن تفسير اللهجة الحادة التي غلبت على تصريحات المتحدث باسم الخارجية المصرية "أحمد حافظ"، الذي حاول تبرير غلق "الأناضول"، باتهام تركيا بـ"دعم وتمويل جماعات متطرفة وميليشيات إرهابية في عدد من دول المنطقة رغبة في تمكينها من التحكم في مصائر شعوبها بقوة السلاح وباتباع أساليب مارقة للترهيب والترويع، وذلك في مسع يائس من نظام أنقرة لتحقيق تطلعات شخصية ومآرب خاصة بغية استحضار ماضٍ مبني على وهم أمجاد زائفة"، وفق تصريحاته.

ومما زاد الطين بلة، إن صح التعبير، اتهام وزارة "الداخلية" المصرية، في بيان لها مكتب وكالة الأناضول في القاهرة بضم لجنة إلكترونية تابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" تقوم بـ"إعداد تقارير سلبية تتضمن معلومات مغلوطة ومفبركة حول الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والحقوقية، وإرسال تلك التقارير لمقر الوكالة بتركيا بهدف تشويه صورة البلاد على المستويين الداخلي والخارجي".

الرد التركي

من جانبها لم تلتزم تركيا الصمت إزاء التصعيد المصري، حيث قامت وزارة الخارجية التركية باستدعاء القائم بالأعمال المصري لدى أنقرة، وإبلاغه تنديد الرئاسة التركية بــ"التصرف العدائي للنظام الانقلابي ضد موظفي وكالة الأناضول"، معتبرا ذلك "مؤشرا على وضعية النظام العاجزة".

بخلاف ذلك، تم تصعيد الموقف دوليا وأمميا بمطالبة الخارجية الأمريكية الإفراج عن الصحفيين الموقوفين، وتنديد الأمم المتحدة بالقرار المصري، وسط انتقادات حقوقية دولية لخطورة المساس بحرية الصحافة والصحفيين في البلاد.

واتهم رئيس تحرير الوكالة "موطان أوغلو"، السلطات المصرية بمحاولة إسكات جميع وسائل الإعلام، وعدم الاستجابة لمطالبهم بمنح الترخيصات، رغم تقدمهم بطلباتهم بشكل منتظم مرفقة بكامل الأوراق كل عام، ودفع الضرائب المقررة دون أي انقطاع أو تأخير.

يمكن القول إذن إن غلق مكتب "الأناضول" بالقاهرة يعد واجهة فقط لصراع سياسي واقتصادي وعسكري بين مصر وتركيا، وهو صراع اشتد خلال الأيام الأخيرة بسبب التنافس بين البلدين في ليبيا والصراع المحتدم بينهما حول الغاز في شرق المتوسط، وخلف ذلك كله تكمن تداعيات الانقلاب العسكري في مصر الذي يبدو أن تركيا ترفض تجاوزه حتى الآن رغم مرور قرابة ستة أعوام.
 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

وكالة الأناضول حرية الصحافة الأمن المصري قوات الأمن المصري

الأناضول: وصلتنا أخبار بتحقيق النيابة المصرية مع موظفينا الموقوفين