استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

بريطانيا ما بعد «بريكست»

الأربعاء 5 فبراير 2020 04:36 م

بريطانيا ما بعد «بريكست»

تعتبر اسكتلندا «بريكست» منعطفاً تاريخياً يجيز لها معاودة المطالبة بالاستقلال.

المملكة المتحدة ليست مقبلة على التصدّع لكن إشكالياتها الداخلية ستستغرق سنوات قبل أن تتوصّل إلى حلول.

نجاح «بريكست» لا بدّ أن يكون داخليا فالأنظار موجّهة إلى ثلاث مناطق: اسكتلندا وإقليم إيرلندا الشمالية ومقاطعة ويلز.

يبدو «بوريس جونسون» مقتنعًا باستنهاض الحلف الأنكلوسكسوني وإنْ حافظ على الحذر حيال بعض سياسات ترامب ومنها حافة الهاوية مع إيران.  

إيرلندا الشمالية بوضع يهدد سلمها الداخلي فاتفاق إنهاء صراعها الأهلي جعلها منفتحة على بريطانيا وجمهورية إيرلندا لكن «بريكست» يفقدها هذه الميزة.

*     *     *

نادراً ما كانت المشاعر غالبة على الشأن السياسي كما كانت يوم الجمعة 31/01/2020 وهو الأخير لبريطانيا في كنف الاتحاد الأوروبي. المؤيدون للانفصال ذهبوا في المبالغة إلى حدّ أن احتفالاتهم رفعت شعار الانعتاق و«استعادة الحرية» كما لو أنهم كانوا في الأسر.

أما المعارضون الذين قبلوا على مضض ما خرجت به صناديق الاقتراع فاحتفلوا أيضاً لتأكيد أنهم لم ولن يبدّلوا رأيهم، وأن هذا الطلاق لا يتم «باسمنا».

كل الإعلام أشار إلى أن الانقسام الاجتماعي باق ومستمر، فالاقتناعات لا تتغيّر إلا بتلمّس النتائج واختبارها، وهذا استحقاق لن يبدأ الآن لأن «بريكست» دخل مرحلة انتقالية يُفترض أن تنتهي مطلع السنة المقبلة. غير أن الحكمة التي تردّدت كثيراً في ذلك اليوم كانت: فلنتطلّع إلى المستقبل.

وقبل أن يلقي بوريس جونسون خطابه مبشّراً بـ «فجر عصر جديد» كان جميع أهل «البزنس» يقولون إنه فجر سنة أخرى من عدم اليقين، فلا أحد بينهم يستطيع التخطيط لأعماله في انتظار الاتفاقات التجارية الجديدة.

طوال السنة الانتقالية لن يتغير شيءٌ في تفاصيل الحياة بالنسبة إلى الأفراد من الجانبين. لاحقاً قد تتعقّد حرية التنقّل بفعل ترتيبات لتنظيم الحركة.

هذا وضع جديد على أكثر من جيلين وعلى شرائح شتّى من البريطانيين، ليس الشباب وحدهم الذين تشرّبت غالبيتهم ثقافة منفتحة وتآلفت مع هوية أوروبية، بل إن محاربين قدامى في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية عبّروا عن حزن وأسف لمغادرة بلادهم الاتحاد الأوروبي.

سبعة وأربعون عاماً من الصراعات والتشنج والمطالبات البريطانية الدائمة بخفض تكاليف العضوية في الاتحاد انتهت الآن في مناخ مختلط بشوفينية البعض وخيبة أمل البعض الآخر، لكن الجميع رضخ في النهاية لقاعدة الديمقراطية، حتى لو أن فارق اثنين في المئة من الناخبين هو الذي حسم وجهة البلاد وهويتها ومصير اقتصادها.

«بريكست» هو أيضاً بداية حقبة صعبة داخلياً وخارجياً. سيعاد النظر في مختلف القوانين تحديثاً وتنقيحاً، وسيكون على الحكومة أن تضاعف الجهود لدى كل القطاعات لإظهار أن بريطانيا ذهبت إلى الخيار الصائب.

مستوى التوقّعات والانتظارات مرتفع جداً كذلك التساؤلات بمقدار ما أن الوعود كانت كريمة جداً ومبنية على أرقام مضخّمة. هناك أموال ستتوفّر بلا شك، ويراد لها أن تُنفق في تحسين الخدمات، وسط سباق بين الأقاليم والمناطق للاستحواذ على حصص منها بهدف تعزيز التنمية المحلية.

ورغم أن رئيس الحكومة كرّر تركيزه على قطاعي الصحة والتعليم والاتصالات، إلا أن المشاريع المتداولة تحمل توقّعات لتغييرات غير شعبية في النظام الصحي الفريد من نوعه في العالم، فيما روّجت توقعات أخرى لمزيد من الخصخصة لما تبقى من خدمات عامة.

في غمرة الحماسة للانفصال التاريخي برزت الدعوات إلى الحفاظ على «أوروبا صديقة» في مقابل مخاوف من الانكفاء عنها وإحياء عداوات قديمة، ذاك أن دوافع «بريكست» لم تكن اقتصادية فحسب، بل إن ثمة مؤشّرات إلى تباعد سياسي متزايد.

فالانفصال يضطر بريطانيا للعودة إلى تقارب أكبر مع الولايات المتحدة. ومع أن الخيار كان دائماً في استراتيجيتها إلا أنه تفرمل بعد اندفاع توني بلير للمشاركة في الغزو الأميركي للعراق.

لكن «بوريس جونسون» يبدو مقتنعاً باستنهاض الحلف الأنكلوسكسوني القديم، وإنْ حافظ على الحذر حيال بعض سياسات دونالد ترامب، ومنها اللعب على حافة الهاوية مع إيران. وتبقى الأولوية عند جونسون لاتفاق تجاري مع أميركا لتعويض أي خسائر ستنجم عن الطلاق مع أوروبا.

رغم أن الخطر ليس داهماً إلا أن نجاح «بريكست» لا بدّ أن يكون داخلياً، لذلك كانت الأنظار موجّهة إلى ثلاث مناطق: اسكتلندا وإقليم إيرلندا الشمالية ومقاطعة ويلز.

الأخيرة لا تفكّر في الاستقلال عن المملكة لكنها كانت مستفيدة من الاتحاد الأوروبي، وذلك على عكس اسكتلندا التي صوّتت في الانتخابات الأخيرة ضد حزب «المحافظين» وفي استفتاء 2016 ضد الانفصال، وبالتالي فهي لا ترى مستقبلها خارج أوروبا وتعتبر «بريكست» معطفاً تاريخياً يجيز لها معاودة المطالبة بالاستقلال.

المشكلة الأكثر صعوبة في الإقليم الإيرلندي الذي كان بدوره مستفيداً من أوروبا ويجد نفسه الآن في وضع يهدد سلمه الداخلي إذ أن اتفاق إنهاء صراعه الأهلي جعله منفتحاً على بريطانيا وجمهورية إيرلندا في آن، لكن «بريكست» سيفقده هذه الميزة ومكاسبها. المملكة المتحدة ليست مقبلة على التصدّع لكن إشكالياتها الداخلية ستستغرق سنوات قبل أن تتوصّل إلى حلول.

* عبد الوهاب بدرخان كاتب صحفي لبناني

المصدر | الاتحاد الظبيانية

  كلمات مفتاحية