هل تسعى الولايات المتحدة لمواجهة إيران أم التعاون معها؟

الأحد 23 فبراير 2020 09:11 م

منذ اللحظة الأولى لتأسيس الجمهورية الإسلامية قبل 41 عاما، كانت العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران محفوفة بعدم الثقة، وشهدت فترات طويلة من التهديدات والأعمال العدائية النشطة في بعض الأحيان. وتفوق هذه الفترات بكثير الفترات القصيرة التي شهدت تفاوضا ثنائيا وتعاونا ضمنيا خلال العقود الأربعة الماضية.

ومنذ عام 1979، لم يحسم المسؤولون الأمريكيون أبسط مسألة تتعلق بالعلاقات الإيرانية الأمريكية، وهي هل تسعى أمريكا لإجبار النظام على الاستسلام وربما الانهيار، أم ترغب في التعامل مع طهران؟ وسيتطلب أي قرار مزيدا من النقاش حول ما إذا كان يجب التركيز على التوسط في اتفاق شامل يعمل على تسوية جميع المشكلات العالقة، أو العمل انطلاقا من مجموعة ضيقة من القضايا لبناء الثقة، مع توسيع الاتفاقات بمرور الوقت إلى مجالات أخرى.

ومن الواضح أن إدارة "ترامب" اتبعت استراتيجية "الإخضاع"، التي أضعفت الاقتصاد الإيراني لكنها لم تضطر إيران حتى الآن إلى القبول بالمطالب الأمريكية. وكانت إدارة "أوباما" قد عملت على أطروحة بديلة تستند إلى إجراء المزيد من التفاوض حول القيود النووية المنبثقة عن خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، لكن لم ينتج عن ذلك أي تنازلات إيرانية أخرى، أو حتى توسيع نطاق العلاقة الثنائية بين البلدين.

  • تاريخ العلاقة

وتدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران إلى الأسوأ في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، عندما سيطر الشباب الموالي للزعيم الإيراني "الخميني"، على السفارة الأمريكية في طهران وأخذوا الدبلوماسيين رهائن. ودفعت هذه الأزمة، التي استمرت 14 شهرا، بالعلاقات إلى مستوى من العداء لم تخرج منه بعد، وخاصة مع التزام النظام الإيراني بـ "تصدير الثورة" في جميع أنحاء المنطقة.

لذا دعمت الولايات المتحدة بشكل كبير "صدام حسين" خلال الحرب العراقية الإيرانية في الفترة 1980-1988، وقللت من شأن تحالف "صدام" مع موسكو، وعداء حزب البعث تجاه (إسرائيل). وانخرطت الولايات المتحدة وإيران في اشتباكات في الخليج خلال تلك الحرب، وهي اشتباكات تعرضت فيها القوات البحرية الإيرانية للإذلال بشكل كبير.

ويؤكد القادة الإيرانيون بشكل ثابت على أن الولايات المتحدة لم تتخذ أي إجراء لوقف استخدام نظام "صدام حسين" الواسع للأسلحة الكيماوية ضد الإيرانيين، وحتى ضد السكان الأكراد العراقيين، خلال الحرب العراقية الإيرانية، مما شجع "صدام حسين" على غزو ​​الكويت عام 1990.

وعلى الرغم من دعم الولايات المتحدة للعراق ضد إيران، فإن "قضية إيران-كونترا"، التي استمرت من عام 1985 إلى عام 1987، أثبتت أن هناك اتجاها داخل الإدارة الأمريكية ظل واثقا من أن النظام الإسلامي الإيراني يمكن أن ينخرط في المجتمع الدولي بنجاح.

وفي حين أقر الرئيس "رونالد ريجان" أن القضية عبارة عن مقايضة تشمل تصدير الأسلحة الأمريكية مقابل المساعدة الإيرانية في تحرير الرهائن الأمريكيين المحتجزين لدى "حزب الله" في لبنان، كانت هناك مؤشرات على أن الصفقة تمثل محاولة لإشراك عناصر "معتدلة" في إيران لإعادة بناء العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.

وزاد التفاؤل بشأن احتمالية وجود استراتيجية لدمج إيران في المجتمع الدولي في الفترة من 1989 إلى 1991، عندما استجابت إيران لنداء إدارة "جورج بوش الأب" بأن "النوايا الحسنة تولد النوايا الحسنة" بجهود ناجحة لتحرير آخر الرهائن الأمريكيين في لبنان بحلول نهاية عام 1991. ومع ذلك، تسبب تركيز الولايات المتحدة على غزو العراق للكويت وما تلاه، وكذلك بدء مرحلة جديدة من عملية السلام العربية الإسرائيلية التي عارضتها إيران، في إخراج أي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران عن مساره خلال ذلك الوقت.

وخلال التسعينيات، أبرزت الحملة التي قادتها حركة المقاومة الفلسطينية "حماس"، المدعومة من إيران، قدرة طهران على شن هجمات داخل (إسرائيل) نفسها، وساهمت في التحول نحو سياسة أكثر تشددا بشأن إيران من قبل إدارة "كلينتون". وصاغت تلك الإدارة استراتيجية "الاحتواء المزدوج"، لإضعاف نظام إيران ونظام "صدام حسين" في وقت واحد، وسعت إلى تنفيذ تلك السياسة من خلال زيادة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.

وفرض "كلينتون" حظرا على التجارة الأمريكية مع إيران عام 1995، وفي عام 1996 سن الكونجرس قانون العقوبات الإيراني الليبي، الذي سعى لإضعاف إيران استراتيجيا من خلال شل مستقبلها على المدى الطويل كمصدر للطاقة. وبحلول نهاية إدارة "كلينتون"، تأرجح البندول مرة أخرى نحو إشراك إيران بعد انتخابات 1997 التي أسفرت عن فوز المعتدل "محمد خاتمي" في الانتخابات الرئاسية، لكن المتشددين في إيران، الذين سعوا إلى تقييد "خاتمي" على نطاق واسع، منعوا أي ذوبان لجليد العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.

واستمرت إمكانية دمج إيران في السياسة الدولية بشكل واسع خلال إدارة "جورج دبليو بوش"، لأن إيران أثبتت فائدتها للجهود الأمريكية في "الحرب على الإرهاب"، التي بدأت بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة.

لكن يبدو أن إدارة "بوش" لم تحاول إشراك المعتدلين الإيرانيين. وبدلا من ذلك، أشركت تكتيكيا المتشددين من الحرس الثوري وفيلق القدس، وهما الكيانان اللذان سيطرا على السياسة الإيرانية في العراق وأفغانستان، في محاولة لتحقيق الاستقرار في هذين المسرحين مع التدخل العسكري الأمريكي.

وبينما كانت إيران مفيدة للولايات المتحدة في مرحلة ما بعد طالبان في كابول، وما بعد "صدام" في العراق، فقد أدت مخاوف المتشددين الإيرانيين من نوايا الولايات المتحدة إلى دعم إيران للهجمات على القوات الأمريكية، خاصة في العراق. وفي الوقت نفسه، سعت إدارة "بوش" إلى الحد من تقدم البرنامج النووي الإيراني.

وبالرغم أن البرنامج النووي الإيراني أصبح قضية مركزية لكل رئيس أمريكي، فقد اتبعت إدارة "أوباما" وإدارة "ترامب" استراتيجيات متعارضة تماما مع إيران. ومن الواضح أن كلتا الإدارتين قدرا أنهما يمكنهما كسر الجمود مع إيران بطريقة أو بأخرى، وإنهاء التذبذب الأمريكي بين إشراك طهران أو مواجهتها.

واشترك كلا الرئيسين في أنهما، على عكس الحكومات الأمريكية السابقة، لم يعترفا بأي تمييز بين المعتدلين والمتشددين في إيران، وقررا بدلا من ذلك توجيه السياسة الأمريكية مباشرة إلى قلب الهيكل السياسي لإيران. واستخدم كلاهما سياسة العقوبات للضغط على إيران.

وبالرغم من أوجه التشابه هذه، فقد قدمتا الإدارتان أطروحتان متناقضتان عكسا نفس السؤال الذي لم يتم الإجابة عليه في سياسة الولايات المتحدة لعقود، وهو المشاركة أم المواجهة؟ واستخدمت إدارة "أوباما" العقوبات للضغط على إيران للتفاوض حول قضية واحدة حرجة وهي برنامج النووي. وسعت بشكل أساسي إلى حل هذه المشكلة المركزية، على أمل توسيع الحوار لاحقا ليشمل جميع القضايا العالقة بين البلدين.

وفي المقابل، اعتمدت فرضية إدارة "ترامب" إطلاق حملة "أقصى ضغط"، التي يتم تطبيقها من خلال عقوبات أمريكية واسعة النطاق، لإضعاف إيران بشكل كبير إلى الدرجة التي تجعلها تستسلم لجميع مطالب الولايات المتحدة، بما في ذلك، إنهاء دعمها لمجموعة واسعة من الفصائل المسلحة العاملة في منطقة الشرق الأوسط.

وجادل مسؤولون من إدارة "أوباما" بأن استراتيجيتهم تجاه إيران لم يتم اختبارها بشكل كامل قبل التحول في السياسة الذي قامت به إدارة "ترامب" لاحقا، وأنه كان من الممكن توسيع التعاون الإيراني الأمريكي الضمني ضد "الدولة الإسلامية" خلال الفترة 2014-2016. وأكد مسؤولو إدارة "ترامب" أن استراتيجيتهم تجاه إيران "ناجحة"، لأن الاقتصاد الإيراني قد ضعف بشكل كبير.

وفي هذه الأثناء، استأنفت إيران الكثير من الأنشطة النووية التي قلصتها عندما كانت الولايات المتحدة لا تزال مشتركة في خطة العمل الشاملة المشتركة، ولم تظهر أي علامات، حتى الآن، على أن نفوذ إيران في جميع أنحاء المنطقة قد تضاءل. ومع تعاقب الإدارات الأمريكية في المستقبل، قد تستمر سياسة الولايات المتحدة في التأرجح بين إشراك ومواجهة إيران، على الأقل طالما بقي نظام الجمهورية الإسلامية في السلطة.

المصدر | كينيث كيتسمان/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الدولي

  كلمات مفتاحية

خطة العمل المشتركة الشاملة العلاقات الإيرانية الأمريكية الاتفاق النووي الإيراني

كيف تستطيع أمريكا وإيران تجنب الحرب الشاملة؟