استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

معرفيًا.. ما الذي يُحدث الفارق؟

الثلاثاء 25 فبراير 2020 11:26 ص

تقدّم روز ماري هيكس مقاربةً مهمةً وعميقة عن دور حلقة من العلماء والباحثين الأميركيين في إعادة إنتاج النظرة إلى التصوف، ونقله من سردية الخزعبلات والخرافات ومعاداة الحداثة إلى وصفه الصورة المثلى للدين المتصالح مع الليبرالية والحداثة وحوار الحضارات، بخاصة في نسخته (التصوّف) الهندية - الفارسية.

تسرد هيكس، في مقالتها "الدين المقارن وتأثير الحرب الباردة في تحوّل التصوّف الهندي- الفارسي إلى حداثة إسلامية ليبرالية" (نشرت ضمن كتاب "العلمانية وصناعة الدين"، ترجمة حسن احجيج، الشبكة العربية للأبحاث والنشر).

تطوّر هذه المقاربة من خلال رؤية وجهود العالم الكندي ولفريد كانتويل سميث (ت 2000)، والذي أسس مركز الدراسات الإسلامية في جامعة ماكغيل في كندا، وكان محاضراً بجامعة هارفارد، والحلقة التي قامت معه بإنتاج هذه المعرفة، بخاصة السيد حسين نصر (أستاذ الأديان بجامعة جورج واشنطن حالياً)، والعالم والمفكر الباكستاني، فضل الرحمن (ت 1988)، وكان صديق سميث أيضاً الزعيم جواهر آل نهرو، ودرسوا فلسفة الشاعر الباكستاني محمد إقبال وأفكاره، واستقطبوا الباحثة الألمانية آنا ماري شميل (ت 2003، متخصصة بالتصوف ولها كتاب في هذا المجال) للعمل في "هارفارد".

ما لفت انتباهي (بالإضافة إلى المعلومات القيّمة عن هذه المجموعة، وعما قامت به ومحاولاتها التأثير على السياسات الأميركية والغربية) تلك الحلقة المفقودة تماماً في عالمنا العربي، بين الأساتذة أصحاب الأفكار والرؤى المتخصصين والمتبحرين في مجالاتهم (العلوم الاجتماعية، السياسية، الأديان.. إلخ)، والقطاع الخاص (الشركات الكبرى هي التي دعمت دراسات تلك المجموعة البحثية وأعمالها) والسياسات والحكومات التي تستفيد من هذه المعرفة، وتبني عليها.

دعونا من الحكومات العربية، فمعروفٌ أنّها لم تؤمن، عموماً، بأهمية البحث العلمي وإنتاج المعرفة، بخاصة في العلوم الاجتماعية. دعونا أيضاً من القطاع الخاص الذي نجد بوناً شاسعاً ومهماً وكبيراً بينه وبين البحث العلمي في أغلب الدول العربية.

دعونا نتحدث عن مجتمع الباحثين والعلماء وأساتذة الجامعات في العالم العربي، فما هي مساهماته في هذا المجال؟ ما يزال مصطلح "مجتمع المعرفة" في العالم العربي محدوداً، وغير مؤثر، على الرغم من أنّ هذا المجتمع هو المدخل الرئيس لإنتاج المعرفة ولتراكمها، ولبناء الجهود البحثية على أسس ومسارات وأجندات منظمة، تشبكه بالقضايا والمشكلات العامة التي تعاني منها المجتمعات العربية والمسلمة.

ربما قليلة هي المؤسسات والجمعيات والكليات في الجامعات العربية التي تنبّهت إلى أهمية تشكيل الحلقات والجماعات العلمية، وإلى دراسة مجتمع المعرفة وتطوير قدراته وإمكاناته، فما يزال أغلب البحث العلمي (في علم الاجتماع) ذا طابع فردي ومحدود، ما حدّ وحجّم، بدرجة كبيرة جداً، من قدراته وإمكاناته في التأثير والتغيير، ولو على صعيد تقديم المعرفة العلمية التي تفرض نفسها على المجتمعات والإعلام والسياسيين.

في عقود سابقة، بدأت بعض المؤسسات هذا الدور، لكنّها لم تصل إلى مرحلة إنتاج معرفة علمية مؤثرة، لأسباب عديدة، فنجد أبرز من اهتمّ بذلك مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، فاستقطب مجموعات من الباحثين، وعمل على إيجاد نقاشات وحوارات، وتشكيل مجموعات عمل لتقديم نتائج مفيدة.

ومنها المعهد العالمي للفكر الإسلامي، وبعض المجلات المعروفة، مثل مجلة الاجتهاد (حاول فيها رضوان السيد والفضل شلق تقديم فهم معاصر للإسلام)، وهكذا بقي الأمر ظواهر معزولة عن السياق العام للجامعات والكليات والمؤسسات التعليمية فضلاً عن الاجتماعية والسياسية.

حالياً يقوم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدور متصاعد في هذا المجال، عبر المؤتمرات السنوية والدورية والمتنوعة والمجلات العلمية التي يصدرها والإصدارات والمؤلفات، وحلقات النقاش عن القضايا المهمة المحيطة. والقيمة المضافة أنّه (المركز العربي) مرتبط بمعهد الدوحة للدراسات العليا، ووسائل إعلام قوية، ما يؤهّله للقيام بدور مفيد على صعيد إنتاج المعرفة وتطويرها.

ما يعنينا حالياً أن يحدث تحول حقيقي في رؤية الجامعات والكليات والمعاهد والباحثين أنفسهم لدورهم ولمجتمع المعرفة، والعمل على ربط البحث العلمي والإنتاج المعرفي برسائل مفيدة، تساعد في حل المشكلات الاجتماعية والثقافية والسياسية، أو على الأقل تقديم آراء علمية وفكرية مفيدة نافعة.

بالضرورة، هنالك مجموعة مميزة ومهمة من المفكرين والباحثين العرب الذين آثروا، مثلاً، الدراسات المرتبطة بالتصوف اليوم، في ميادين وجامعات وكليات عديدة، لكنّ جهودهم وآراءهم بقيت بعيدة عن التشكّل والتراكم والتأطير والارتباط بإنتاج معرفةٍ تغير من منظور السياسات أو الإعلام أو المجتمعات، وهذا فرق كبير بين جهود بحثية ضائعة مهدرة أو بلا بوصلة وحلقات بحثية وفكرية منتجة مؤثرة ومغيرة.

- د. محمد أبورمان باحث في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية