استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الفوضى الدولية.. بوتين على حق هذه المرة؟!

الثلاثاء 17 مارس 2020 08:03 ص

بوتين على حق هذه المرة

سجل روسيا في التدخل في شؤون أوروبا وأميركا كاشف لدورها فى إثارة عدم الاستقرار!

السلوك السياسى الأمريكى يُنذر بمرحلة فوضى ستمتد وتتفاقم آثارها باستمرار النظام الدولى أحادى القطبية.

حقق بوتين حقق لروسيا استقرارا وأنقذها من كارثة ربما دموية لا عهد للروس بمثلها ولا حتى أثناء الثورة البلشفية.

قضايا فى الشرق الأوسط تهدد بالفعل بقاء، دول المنطقة وبعضها نابع من أزمة شديدة التعقيد تلف النظام الدولى منذ عقود.

*     *     *

ترن فى أذنى مرارا منذ أن سمعت الرئيس فلاديمير بوتين ينطق بها فى أحد لقاءاته العامة. يومها ألقى بلائمة الكوارث التى تعصف بالعالم على ما أسماه بالفوضى الدولية.

وجدت نفسى على الفور متفقا معه ومعجبا بصراحته رغم اعتراضاتى العديدة على أساليب يستخدمها لتذليل صعوبات الانتقال من مرحلتين فى التاريخ السياسى لروسيا شديدتى التعقيد، إحداهما سوفييتية صارمة الانضباط والأخرى متخبطة وعارمة الفوضى.

لا شك أن الرئيس بوتين حقق للروس فى نهاية الأمر استقرارا وأنقذهم من كارثة كان يمكن أن تكون دموية لا عهد للروس بمثلها ولا حتى أثناء الثورة البلشفية. يُهمنى على كل حال ما أسهم به خيرا أو شرا على الوضع الدولى وليس ما فعله على الصعيد الداخلى فى بلده.

عندما يلقى الرئيس بوتين باللائمة على الفوضى الدولية فهو فى الحقيقة يعترف بنصيب له بين الأطراف المتسببة فى هذه الفوضى باعتباره قضى عشرين عاما رئيسا أو شبه رئيس لإحدى الدول الكبرى المسئولة عن توفير النظام والسلام فى النظام الدولى.

هنا إن شئنا المحاسبة ففى الغالب سنجد روسيا البوتينية شريكة فى مسئولية الفشل فى وقف الفوضى، فسجلها فى التدخل فى الشئون الداخلية لدول أوروبا وفى الولايات المتحدة ــ كما اتضح مؤخرا ــ كاشف لدورها فى إثارة عدم الاستقرار.

أظن أننا سوف نجد الصين بريئة إلى حد كبير إذ أنها تعمدت أن يكون صعودها إلى القمة الدولية متدرجا. تعمدت في معظم هذه المرحلة إعفاء نفسها من أي مسؤولية دولية، وبالفعل لم تبدأ إلا مؤخرا المساهمة فى أعمال مؤسسات حفظ السلام وشغل مناصب كبرى فى الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

شهدت مرحلة الفوضى الدولية كما يتصورها الرئيس بوتين ونتصورها تطورات لمست جوهر الدور الغربي فى تسيير النظام الدولى وتوجيهه. ففى هذه المرحلة حاولت الولايات المتحدة فرض نفسها قطبا أوحَد فى النظام الدولى فورا فى أعقاب الانفراط السوفييتى وسقوط روسيا الشيوعية.

غير خافٍ على أحد وقتها ولا بعدها أن السلوك السياسي الأمريكي كان يُنذر بمرحلة من الفوضى سوف تمتد وتتفاقم آثارها مع استمرار النظام الدولى أحادى القطبية. أنا شخصيا أحد المقتنعين بأن الشرق الأوسط كان أول وأهم ضحايا هذه المرحلة.

ابتداء من غزو أفغانستان بقوى إرهابية أعقبه الغزو بتحالف قوى غربية، وانتهاء بظهور أحد أهم رموز الفوضى الدولية وأنشط صانعيها، وأقصد ظهور دونالد ترامب مرشحا لرئاسة الجمهورية الأمريكية وقائدا لحركة قومية شعبوية هدفها تفكيك المؤسسات الديمقراطية القائمة.

كنا ولا نزال شهودا على أكبر عملية تفكيك للحلف الغربى، يقوم بهذه العملية طرفان، أمريكا الترامبية أحدهما وروسيا البوتينية ثانيهما. تلاقت أهدافهما بغير تعمد أو تخطيط مسبق.

النتيجة كما نراها الآن تجاوزت أهداف القوميين الجدد لتصيب بالدمار المحتمل الغرب بمعناه الأيديولوجى والحضارى الذى تعرفنا عليه من خلال حروب صليبية طويلة الأجل واستعمار «أوروبى» أطول أجلا وتبعية لأمريكا متواصلة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

*     *     *

من وجهة نظر موسكو البوتينية وبكين الممثلة للحزب الشيوعى الصينى يبدو الغرب فى وضع انحدار ولا أقول وضع انهيار أو استعداد للرحيل. إنه الوضع غير المثالي لقوتين كبريين مثل الصين وروسيا تسعيان لاحتلال مكاني القطبين الثانى والثالث فى نظام دولى جديد متعدد الأقطاب.

صحيح أن هدفا تحقق وهو إضعاف الغرب الذى تقوده أمريكا وبالفعل ضعفت أمريكا كقوة أعظم ونموذجها الديمقراطى ولكن لم تحسب جميع الأطراف أن الضعف الأمريكى سوف يتفاقم ويصل إلى هذا الحد، حتى أصبح فى حكم المستحيل تقريبا إقامة نظام دولى جديد مستقر ومتوازن ومستند إلى دعائم قوة حقيقية.

بمعنى آخر ظهرت صعوبة لم تكن فى الحسبان، وهى أن القطب الأمريكى هو الآن أضعف من أن يستطيع وحده أو مع الصين وروسيا وقف الفوضى الدولية الضاربة أطنابها فى كل أنحاء المعمورة.

*     *     *

هنا تكمن شكوى الرئيس فلاديمير بوتين من خطورة وأهمية الفوضى الدولية الراهنة. روسيا وحدها لم تتمكن خلال حوالى عشرين عاما من ترتيب كل بيوت جوارها كما كان يحلم الرئيس بوتين أثناء تنفيذ عملية القوقاز التى استعادت إلى موسكو ولاء مسلمى الإقليم.

الصين وحدها لم تتمكن خلال سبعين عاما من تهدئة شعب الإيغور وغيره من شعوب الأقليات الإثنية والدينية العاصية. وهى الآن تئن، وربما استمر أنينها لمدة طويلة، نتيجة الضربات الموجعة التى تلقتها أثناء حملة فيروس الكورونا. وقد ثبت قطعيا أنه ناشئ فى داخل الصين.

*     *     *

أخشى أن أحدا لن يجد فى الوقت متسعا للأخذ بنصيحة عالم السياسة المتميز روبرت كروغر. ينصح هذا المؤرخ المتزن بأنه لا حل لمشكلة الفوضى الدولية إلا بالعودة إلى نظام القطبين. أنّى لنا الآن من قطبين متعادلى القوة ومتشعبي النفوذ وحائزين على هيمنة واسعة على مصادر وآفاق علوم وأساليب الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا الأحدث، ليتسنى لزعمائهما إقامة نظام دولى قادر على وقف الفوضى وإشاعة الأمن.

* جميل مطر كاتب ومفكر مصري مهتم بالشؤون الدولية والعولمة والإصلاح.

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية