هل يمنح كورونا الفرصة لبرنامج إيران النووي أم يمهد لضربها عسكريا؟

الاثنين 23 مارس 2020 04:00 م

يعتقد وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" أن فيروس "كورونا" المستجد يمنح الفرصة لتنفيذ إجراءات عسكرية ضد إيران، وبحسب ما ورد، قال "بومبيو" للرئيس "دونالد ترامب" إن الظروف مواتية لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، التي أضعفتها العقوبات والوباء.

لكن المفارقة أن الوباء ربما أعطى طهران فرصة لم تكن تحلم بها، كانت عقوبات "ترامب" بالفعل قد بدأت في تغيير حسابات طهران النووية، لكن الآن، قد تكون الفوضى العالمية التي أثارها الوباء فرصة لإيران للاندفاع نحو الحصول على القنبلة النووية.

ورغم ترويج الإدارة الأمريكية لفكرة انتصارها على إيران، فإن الإدارة قد انهزمت تماما في هذا الملف، كما يتضح من الفشل التام في خروجها من الاتفاق النووي لعام 2015، وحربها الاقتصادية ضد إيران.

وفي حين دمرت العقوبات الاقتصاد الإيراني، لم تستسلم طهران لمطلب واحد من مطالب واشنطن. على العكس من ذلك، قامت طهران بتصعيد مضاد لجعل سياسة "ترامب" المتمثلة في "أقصى ضغط" مكلفة إلى أقصى حد ممكن لكل من الولايات المتحدة وحلفائها.

وحتى اغتيال الجنرال "قاسم سليماني"، القائد العسكري الأكثر نفوذا في إيران، فقد فشل في ردع إيران، وفقا لمعلومات الاستخبارات الأمريكية.

ومع كل أزمة، ينصح "بومبيو" رئيسه "ترامب" باتخاذ إجراءات عسكرية ضد إيران منذ أن تم تعيينه وزيرا للخارجية، وقد فعل ذلك بعد أن أسقطت إيران طائرة تجسس أمريكية قالت إنها دخلت مجالها الجوي، وفعل ذلك بعد أن اقتحمت الميليشيات العراقية السفارة الأمريكية في بغداد، وفعل ذلك الأسبوع الماضي بعد مقتل جنديين أمريكيين بعد تعرض قاعدة أمريكية لهجوم من قبل ميليشيا عراقية.

وألقى "بومبيو" باللوم على إيران مباشرة في هذه الهجمات، في تناقض مع البنتاجون ووكالات الاستخبارات التي أشارت إلى أنه ليس لديهم دليل على أن الهجمات جاءت في الواقع بأوامر من قبل إيران.

وبالنظر إلى شهية "بومبيو" الواضحة للحرب، ليس من المستغرب أن يحث على شن ضربات عسكرية في خضم الوباء.

وتعد إيران واحدة من الدول الأكثر تضررا من "كوفيد-19"، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن قطاع الرعاية الصحية كان بالفعل في حالة هشة، بسبب سوء إدارة الحكومة والتأثير الكارثي للعقوبات الأمريكية.

ويجادل "بومبيو" بأن ضرب إيران الآن سيجبرها على الاستسلام والتوسل لإجراء محادثات.

وفي جميع الحالات السابقة، عرض "بومبيو"، والصقور مثل "جون بولتون" و"ريتشارد جرينيل"، نفس المنطق باعتبار أن إيران ضعيفة لدرجة أن المزيد من الضغط، عبر المزيد من العقوبات أو الضربات العسكرية، سيجبرها على الاستسلام.

وفي كل حالة، حدث العكس؛ حيث واجهت طهران حملة "أقصى ضغط" بـ "أقصى مقاومة"، أي أنها صعدت أكثر فأكثر وقربت الولايات المتحدة من الحرب بدلا من جعل إيران أقرب إلى الاستسلام.

لكن هذه المرة، قد يكون سوء تقدير "بومبيو" أكثر خطورة، فصحيح أن إيران في موقف ضعيف؛ حيث ينهار اقتصادها، وفشلت في احتواء الوباء، وفقد سكانها الثقة في قدرة الحكومة على التعامل مع هذه الأزمات.

لكن بينما تضعف إيران، لا تخلو جعبتها من الخيارات، كما أن الولايات المتحدة ليست بالضرورة في موقف قوي، وفي الواقع، في غضون أسابيع، قد تحصل إيران على فرص لم تكن تمتلكها ولم تحلم بها من قبل، بما في ذلك مسار خالٍ من المقاومة نسبيا للسلاح النووي.

ولنأخذ بعين الاعتبار ما يلي، كانت استجابة إدارة "ترامب" لوباء "كوفيد-19" كارثيا، وفي غضون أسابيع، من المرجح أن تواجه الولايات المتحدة وضعا مشابها لوضع إيطاليا، التي تجاوزت إيران في عدد الوفيات.

لكن تداعيات الوباء قد تكون أسوأ في الولايات المتحدة على المدى القصير من أي مكان آخر بسبب شبكة الأمان الاجتماعي الضعيفة في الولايات المتحدة.

وتخصص الولايات المتحدة 0.19% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العام على البطالة، وتنفق بلجيكا 15 ضعف مخصصات الولايات المتحدة على دعم العاطلين عن العمل، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وسواء كانت البطالة في الولايات المتحدة تصل إلى 20%، كما حذر وزير الخزانة "ستيف منوشين"، أو أن الناتج المحلي الإجمالي ينكمش بنسبة 24% في الربع الثاني كما تنبأ "جولدمان ساكس"، فإن ذلك يأتي في ظل انشغال إدارة "ترامب" بالوباء وآثاره الاقتصادية والاجتماعية الهائلة، وكذلك مع اقتراب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وهي أمور جميعها قد تجعل "ترامب" يحجم عن المخاطرة بالحرب مع إيران.

وربما يرى المتشددون في إيران (الذين استفادوا بشكل كبير من إذلال "ترامب" للمعتدلين الإيرانيين الذين فضلوا المصالحة مع الغرب) فرصة غير مسبوقة لفعل ما رفضته النخبة الإيرانية في الماضي، وهو الخروج من الاتفاق النووي الإيراني، والخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي، والاندفاع بسرعة نحو إنتاج القنبلة النووية.

وقد يحسبون أن قدرة العالم على الرد عسكريا ستكون محدودة، وقد تهاجم (إسرائيل)، ولكن من غير المحتمل أن تكون قادرة على تدمير جميع المنشآت النووية الإيرانية بمفردها، ولا يمكنها تحمل حرب شاملة مع إيران دون دعم واشنطن.

وقد لا يردع طهران أيضا العقوبات الاقتصادية والسياسية من قبل المجتمع الدولي. فبعد كل شيء، تخضع إيران لعقوبات أكثر بكثير الآن مما كانت عليه عندما تم اتهامها بانتهاك معاهدة حظر الانتشار النووي.

وتوقفت طهران عن الالتزام ببعض القيود التي فرضتها خطة العمل الشاملة المشتركة وذلك ردا على العقوبات الأمريكية، ولكن كما أوضح المسؤولون الإيرانيون مرارا وتكرارا، يمكن التراجع عن هذه الخطوات بسهولة بسهولة إذا تم تخفيف العقوبات أو رفعها.

وحتى خلال هذا الوباء، فرض "ترامب" مزيدا من العقوبات على إيران، بل قام بوقف قرض لصندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات دولار لمساعدتها على محاربة الفيروس، ببساطة، ليس هناك الكثير مما يمكن أن يفعله المجتمع الدولي لمعاقبة إيران.

وبطبيعة الحال، بمجرد انتهاء الوباء، من المرجح أن تواجه إيران ردة فعل شديدة إذا انسحبت من معاهدة عدم الانتشار النووي واتخذت خطوات أخرى تمكنها من صنع قنبلة، ولكن بحلول ذلك الوقت، قد يكون لدى طهران نفوذ أكبر بكثير مقارنة باليوم بينما تظل ضمن الاتفاق النووي.

ونأمل ألا تختار طهران هذا المسار، لكن لو لم يخرج "ترامب" من الاتفاق النووي ويشن حربا اقتصادية على إيران، لما كان المتشددون في طهران سيعززون مواقفهم.

وربما يستمع "ترامب" إلى "بومبيو" ويختار ضرب إيران بشكل استباقي، لكن ذلك لن يؤدي إلا إلى تحفيز إيران على التحول إلى السلاح النووي بشكل أسرع.

وبهذا فإن أفضل طريقة لمنع المتشددين في إيران من الاندفاع نحو القنبلة هو التراجع عن سبب هذه الأزمة في المقام الأول، أي حرب "ترامب" الاقتصادية وانسحابه من الاتفاق النووي.

المصدر | تريتا بارسي | ريسبونسيبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العقوبات الاقتصادية على إيران فيروس كورونا البرنامج النووي الإيراني الاتفاق النووي الإيراني مايك بومبيو

مسؤول إيراني يحذر من خسائر فادحة لو لم تتم السيطرة على كورونا

ماكرون يدعو إيران إلى احترام تعهداتها النووية