سوريا.. الحرب في زمن كورونا

الأحد 29 مارس 2020 04:10 م

دعا مبعوث الأمم المتحدة الخاص بسوريا "جير بيدرسن" إلى وقف إطلاق نار كامل وفوري لتمكين جهود دحر فيروس كوفيد-19"، محذراً من أن السوريين عرضة بشدة للوباء العالمي.

جاءت دعوة "بيدرسن"، الثلاثاء الماضي، بعد إعلان النظام السوري عن أول حالة إصابة بفيروس "كورونا" المستجد، وهي امرأة تبلغ من العمر 20 عامًا، وصلت من المملكة المتحدة وتخضع حاليًا للعلاج.

التهديد الأكبر

لكن أكبر خطر يهدد سوريا يأتي من إيران، التي تعد -إلى جانب إيطاليا والصين وأمريكا وإسبانيا- من بين الأكثر تضررا من المرض حيث بلغ عدد الوفيات 2077 حتى الأربعاء الماضي، وفقا لمسؤولين إيرانيين.

وفي حين أدخل النظام السوري مجموعة من الإجراءات الوقائية، بما في ذلك إغلاق معظم مؤسسات الدولة والمدارس والحدائق والمطاعم -إلى جانب تجميد التجنيد الإجباري- إلا أن هذه الإجراءات تفتقر إلى الإرادة والقدرة على صرف التهديد القادم من إيران.

يقول المحللون إن هذا بسبب اعتماد النظام الكبير على إيران في حربه المستمرة ضد المعارضة، لا سيما في إدلب.

وقالت منظمة الصحة العالمية إن "الأنظمة الصحية الهشة في سوريا قد لا يكون لديها القدرة على اكتشاف الفاشية والاستجابة لها".

وقالت ممثلة هيئة الأمم المتحدة في سوريا "نعمة سعيد" لمركز معلومات "روجافا"، وهي مجموعة بحثية في منطقة يسيطر عليها الأكراد شمال شرق سوريا: "تدهورت قدرة النظام الصحي على الاستجابة -وأنا أقصد سوريا ككل هنا، سواء في الجنوب أو الشمال أو الشمال الشرقي- خلال هذه السنوات التسع، نحن نقيم قدرة النظام الصحي على الاستجابة بنسبة 40%".

الاعتماد على إيران

لعبت إيران، منذ بداية الصراع السوري الذي استمر قرابة عقد من الزمان، دوراً حاسماً في المساعدة على إبقاء رئيس النظام السوري "بشار الأسد" في السلطة، من خلال الآلاف من رجالها في فيلق "الحرس الثوري" والعديد من الوكلاء الشيعة، بما في ذلك الميليشيات الأفغانية والباكستانية.

وقال "فابريس بلانش"، وهو عالم الجغرافيا في جامعة "ليون الثانية" الفرنسية، الذي يراقب عن كثب الصراع السوري من الأرض، لـ"المونيتور" في تعليقات عبر البريد الإلكتروني: "إيران هي أحد الركائز الأساسية لدعم النظام السوري. لا يمكنه اتهام إيران بنشر الفيروس في سوريا. أي قرار بوقف الاتصال بإيران (بسبب الفيروس) سيكون سياسياً للغاية ومحفوفًا بالخطر استراتيجياً".

وقال دبلوماسي غربي مقيم في طهران تم الاتصال به عبر برنامج "سيجنال" لـ"المونيتور" إن الرحلات التي تشغلها شركة "ماهان إير"، وهي شركة طيران خاصة يعتقد أنها مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، ما زالت مستمرة بين طهران ودمشق.

كما قال "فيليب سميث"، وهو زميل في معهد واشنطن، مختص بسياسة الشرق الأدنى ومؤلف كتاب "الجهاد الشيعي في سوريا وآثاره الإقليمية": "إن رحلات الطيران القادمة من طهران وقم هي التي تمد النظام السوري بالأموال، والمقاتلين والكثير من الأشياء الأخرى التي تساعد على إبقاء النظام في السلطة".

وقال "سميث" لـ"المونيتور" في مقابلة هاتفية: "بدون هؤلاء الرجال، لن تكون هناك عمليات هجومية حقيقية للنظام، كما أن أى جهد عسكري على الأرض، ستحتاج إلى تزويد هؤلاء الرجال بالطعام والذخيرة والعتاد الأساسي".

مخطط ديموجرافي للنفوذ

وتعتبر إعادة بناء الأحياء التي يسيطر عليها الشيعة في دمشق وحمص وحلب واللاذقية وطرطوس هي عنصر أساسي في استراتيجية إيران لتعزيز نفوذها في سوريا.

هذا لا يشمل فقط الشيعة العائدين الذين فروا من منازلهم خلال الصراع، ولكن يتضمن أيضًا جلب آخرين من لبنان والعراق، وكل ذلك جزء مما يقال إنه مخطط هندسي ديموجرافي لترسيخ نفوذ الجمهورية الإسلامية.

وأضاف "سميث" أن هناك جهودا مماثلة جارية في دير الزور، حيث تتحول أعداد متزايدة في قبيلة "البقارة" إلى التشيع بعد أن شجعهم المبشرون الإيرانيون على ذلك.

ومع كون العقود الاستثمارية نوع من رد المعروف من قبل النظام إلى إيران مقابل مساعدتها العسكرية، تتطلب حملة إعادة الإعمار رحلات الطيران القادمة بالعتاد والرجال، وكذلك تتطلب إصلاح قاعدة الإمام علي؛ المجمع العسكري الكبير الذي يديره الحرس الثوري في الصحراء السورية المتاخمة للعراق، والذي يتم قصفه بشكل دوري من قبل (إسرائيل) والولايات المتحدة.

حتى لو كانت سوريا ستحظر الرحلات الجوية من إيران، فليس من المحتمل أن تهتم إيران بذلك، حيث حظر لبنان رحلاته الجوية من طهران لكنها استمرت في الوصول بأوامر من "حزب الله".

يؤكد "سميث" أن "لسان حال إيران يقول أنت جزء من دائرتنا الآن، ولهذا إذا أردنا إرسال المقاتلين، فلا يهمنا ما تقوله قوانينك الوطنية، نحن لا نهتم بالقيود التي تضعها، سنفعل ذلك بأي شكل من الأشكال، حاول إيقافنا إذن، وكما رأينا في لبنان، فإن سوريا لن تقدر على ذلك".

وقال "راز زيميت"، الخبير في الشأن الإيراني في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إن شركة "ماهان إير" تقوم حاليا بإرسال طائرات أصغر إلى سوريا.

وأضاف قائلا لـ"المونيتور" في اتصال هاتفي: "انخفض حجم الحركة الجوية، لكن لا يمكننا القول أنها توقفت بالكامل".

يبدو أن هذا لا يعود للقلق من إصابة سوريا بالعدوى، بل بالأحرى لأن شركة "ماهان إير" تقوم بنقل الإمدادات الطبية إلى إيران من الصين لمكافحة الفيروس.

نقل العدوى إلى سوريا

تزايدت الشكوك حول إصابة سوريا بالعدوى بالفعل بعد تقارير تفيد بأن باكستان قد اكتشفت الفيروس إثر فحص العديد من الأفراد القادمين من سوريا.

تقول المعارضة السورية إن الميليشيات الشيعية نقلت الفيروس إلى سوريا، بينما ألقى آخرون باللوم على الحجاج الشيعة الذين يزورون الأضرحة الشيعية "المقدسة".

وذكر موقع "سوريا إن كونتكست" أن المقابلات مع طبيبين في مستشفى تشرين العسكري في دمشق أكدت هذه المزاعم، وبينما أعلن الممثل المحلي للمرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي" إغلاق المزارات "المقدسة"، أدت هذه الخطوات بالعائلات إلى اصطحاب أطفالها إلى الحدائق والأماكن العامة لمحاولة الهروب من أماكن المعيشة الضيقة.

وفي حين يقول النظام السوري إنه أغلق المعابر الحدودية البرية مع الأردن ولبنان وتركيا لاحتواء خطر العدوى، إلا أنه لم يذكر معبر "البوكمال" مع العراق والذي يُعتقد أن الميليشيات الشيعية تتدفق من خلاله، وهم يرتدون ملابس الحجاج، وفقًا للمزاعم.

ويعتقد "زيميت" أن القوات الروسية والتركية معرضة أيضًا لخطر العدوى، خاصة في إدلب، حيث يعيش أكثر من مليون نازح سوري في ظروف بائسة بالقرب من الحدود التركية، مع تدمير المستشفيات هناك بواسطة الطائرات الحربية الروسية وطائرات النظام.

وأضاف "زيميت": "تخفي روسيا إحصاءاتها في الداخل". (اتُهمت روسيا بتصنيف وفيات كوفيد-19 على أنها حالات رئوية عادية، مع ادعاءات أخرى)، ثم أردف: "كل هؤلاء الكاذبين يمكنهم أن يفعلوا نفس الشيء في سوريا بلا شك".

المصدر | أمبيرين زمان - المونيتور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا الحرب في سوريا النظام السوري

الصحة العالمية تتوقع انفجارا بأعداد مصابي كورونا في سوريا واليمن