الصين.. هل تنجح دبلوماسية الكمامة في كسب عقول وقلوب العرب؟

الخميس 2 أبريل 2020 04:21 م

عندما دخل فريق من 7 خبراء صينيين في الأمراض المعدية، يرتدون أقنعة الوجه وسترات حمراء، إلى مدرج مطار بغداد في وقت متأخر من مساء يوم 8 مارس/آذار، كانت وسائل الإعلام الصينية التي تديرها الدولة متواجدة هناك بالكاميرات.

مع التقاط صور رسمية  للخبراء مع وزراء الحكومة العراقية، رفع أعضاء "لجنة الصداقة بين العراق والصين" لافتة باللغتين العربية والصينية شاكرين الصين لإرسالها المساعدة في وقت يحتاجها العراق. 

ويعتبر التزام بكين بمساعدة العراق في مكافحة وباء "كورونا" جزءاً من استراتيجية أكبر لـ"دبلوماسية الكمامة" التي تهدف إلى تحويل كارثة اقتصادية إلى انتصار للعلاقات العامة.

قبل شهر واحد فقط، بدا من المرجح أن السمعة الدولية للصين ستتلوث بسبب الانتشار العالمي للمرض الذي نشأ داخل الصين.

لكن قادة الصين اليوم، القادرون على التفاؤل بأنهم احتووا الفيروس في الداخل، ينظرون إلى الوباء على أنه فرصة لكسب الصورة حول العالم.

وفي الشرق الأوسط، حيث اعتمدت دول كثيرة على المساعدات الأمريكية منذ فترة طويلة، فإن مساعدة الصين جديرة بالملاحظة بشكل خاص.

وقد أرسلت الصين بالفعل (أو تخطط لإرسال) طائرات محمّلة بالإمدادات الطبية إلى كل دولة في المنطقة تقريبًا، لقد انتقدت إدارة "ترامب" الصين لأنها تركت الفيروس يخرج عن نطاق السيطرة، ولكن في ظل النقص الحاد في الإمدادات الطبية، فإن الإدارة الأمريكية ليس لديها القدرة على مجاراة كرم الصين.

يعد الاختلاف في النهجين الأمريكي والصيني أكثر وضوحا في إيران، وهي الدولة التي شلت العقوبات الأمريكية بنيتها التحتية الطبية، فمنذ أواخر فبراير/شباط، أرسلت الصين كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى طهران.

في أماكن أخرى من الشرق الأوسط، قارن بعض المسؤولين الحكوميين بين المساعدة التي قدمتها واشنطن وبكين، على سبيل المثال، في بيان رسمي تم نشره لاحقًا على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة العربية، رأى وزير الصحة العراقي "جعفر علاوي" أن "الصين أرسلت إمدادات طبية وأفضل خبرائها إلى العراق، في حين أن أمريكا لم تقدم لنا قنينة واحدة".

لكن هدف المساعدات الإنسانية الصينية أكثر بكثير من مجرد الرغبة في إحراج الولايات المتحدة، فبالرغم أن الفيروس يقدم فرصًا للصين، لكنه تسبب في حرج كبير لها، خاصة أن الفيروس انطلق من سوق لديها، ما يعزز الصور النمطية المنتشرة حول الثقافة الصينية.

ومثل المناطق الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، شهد العالم العربي عددا من الحوادث التي استهدف فيها الأفراد الغاضبون من التراث الصيني عددا من الصينيين، وقد امتد ذلك ليشمل جميع الآسيويين بشكل عام.

ألقت الشرطة المغربية في مدينة فاس القبض على امرأة في أوائل فبراير/شباط لتصويرها فيديو يتهم مطعما صينيا محليا بنشر الفيروس.

بعد 4 أيام، ألقت الشرطة في مكناس القريبة القبض على رجل مغربي آخر يصور مقطع فيديو يحمّل فيه السياح الصينيين مسؤولية نقل الفيروس إلى تلك المدينة.

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي المغربي، تم تداول مقطع فيديو آخر يظهر المتسوقين في سوق الرباط وهم يهتفون "كورونا" في وجه مجموعة من السياح الآسيويين.

وتتصاعد التوترات أيضًا في مصر، التي تضررت بشكل خاص من الفيروس، في مطلع مارس/آذار، أجبر سائق تاكسي في القاهرة رجلاً صينياً على الخروج من سيارته بعد أن سعل، وبينما حاول الرجل بلا حيلة أخذ سيارة أخرى على الطريق الدائري المزدحم بالقاهرة، طارده مصريان آخران قائلين للناس "اهربوا من الفيروس".

مع انتشار الفيروس في الأسبوع الماضي، أصبحت العبارات المعادية للصين أكثر شيوعًا، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي المصرية يوم الخميس الماضي، بتكهنات بعد أن ظهرت تقارير تفيد بأن أحد سكان القاهرة الجديدة اتصل بالشرطة لإبلاغ أن عائلة صينية تقوم بشواء الثعابين، وحولت التغطية الإخبارية الحادث إلى ضجة كبيرة، مستفيدة من مخاوف واسعة النطاق من الأذواق الغريبة للشعب الصيني.

وسعت صحيفة "الدستور" اليومية إلى إجراء مقابلات مع التجار المصريين الذين يبيعون الكلاب والزواحف للمشترين الصينيين، محليًا وخارجيًا، حرصت الصحيفة على الإشارة إلى عدد من الأمراض المختلفة التي يمكن أن تنتقل عن طريق تناول حيوانات غير عادية، خاصة الخفافيش والثعابين، ليس فقط  "كورونا"، ولكن أيضًا فيروس "لاسا" و"إيبولا" و"هانتا" و"هندرا".

وأعطت الأسرة الصينية التي تأكل الثعابين في القاهرة الجديدة قوة دفع جديدة للشائعات التي تدور حول وسائل التواصل الاجتماعي باللغة العربية منذ شهور، وفي بعض الحالات كانت الأخبار مصحوبة بمقاطع فيديو مروعة تهدف إلى إظهار استهلاك الحيوانات الحية.

ويرتبط تسليط الضوء على عادات الطعام الصينية بتعبير الأفراد العرب عن تخوفاتهم بشأن وجود الصين في مجتمعاتهم حتى مع محاولة مساعدة الصين للحكومات العربية.

هذا الانقسام يشير إلى أن جهود بكين لتشجيع العرب على تبني الثقافة الصينية قد تخلفت كثيرا عن المكاسب السياسية التي حققها قادة الصين في الشرق الأوسط.

مرت 13 سنة منذ أن أعلن الرئيس الصيني آنذاك "هو جينتاو" عن حاجة الصين إلى تعزيز قوتها الناعمة، وافتتح سلسلة من الصفقات رفيعة المستوى لجلب البرامج التليفزيونية الصينية، والخدمات الإخبارية، والمنشورات، والأحداث الثقافية إلى الشرق الأوسط.

وبعد أكثر من عقد، يدور تساؤل حول ما إذا كانت هذه الحملات قد نجحت في تبديد الشكوك حول الصين بين العرب العاديين.

هناك قضية أخرى استمرت في الإضرار بمكانة الصين في الشرق الأوسط وهي المعاملة القمعية للمسلمين الصينيين، خاصة أقلية "الإيجور" في منطقة شينجيانج شمال غرب الصين.

منذ عام 2015، كانت بكين فعالة للغاية في منع حكومات الدول الإسلامية من انتقاد محنة المسلمين الصينيين، بالنسبة للعديد من القادة العرب، فإن التكاليف الاقتصادية المحتملة للتحدث بصراحة ستكون عالية للغاية.

ولكن عندما تكون الحكومات العلمانية غير قادرة على التعبير عن مخاوف المواطنين على نطاق واسع، تجد هذه المخاوف طرقا أخرى للتعبير، وبناء على ذلك، فإن الإسلاميين أو جماعات المعارضة أو الثورة هم الأكثر استعدادًا لاستعداء الصين.

فاقم الفيروس الغضب المكبوت من السياسات الدينية الصينية، منذ أوائل فبراير/شباط، تحتفل المنشورات الصادرة عن "الدولة الإسلامية" بالفيروس باعتباره انتقامًا إلهيًا للقمع الذي تمارسه الحكومة الصينية ضد سكانها من المسلمين "الإيجور"، وأعلن رجل دين تونسي بارز يعيش في فرنسا أن "الفيروس جندي في جيش الله أرسل لمعاقبة الصين".

وإلى حد ما، امتدت هذه الفكرة بين السنة والشيعة، وفي فبراير/شباط زعم رجل الدين الشيعي العراقي المقيم في إيران "هادي المدرسي" أن "الله استخدم الفيروس لمعاقبة الصينيين، وأكد أنه منذ أن منعت السلطات الصينية المسلمين من حجب وجوههم، فإن الله يجبر الصينيين الآن على تغطية وجوههم بالأقنعة".

بالرغم من أن قادة الصين لا يعتبرون هذه الانتقادات مشروعة، لكنهم يدركون المشاعر الكامنة المعادية التي تعكسها.

ليس من المستغرب إذن أن خطاب الصين حول المساعدة في مكافحة الفيروس قد أكد على فكرة أن الفيروسات يمكن أن تصيب أي شخص ولا تحترم الحدود الدولية.

ولكن مع تأثر الناس في جميع أنحاء العالم من الدمار الذي تسبب فيه "كورونا"، فقد يكتشف المسؤولون الصينيون أن المساعدات الإنسانية ليست كافية في حد ذاتها للحفاظ على سمعة بلادهم.

المصدر | كايل فوندا | ريسبونسبال ستيتكرافتت- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

القوة الناعمة الصينية كورونا تداعيات كورونا الشرق الأوسط

تويتر: تصاعد حدة خطاب الكراهية تجاه الصين بعد انتشار كورونا