الإمارات واستنساخ السيسي في ليبيا

الخميس 2 أبريل 2020 05:54 م

الإمارات واستنساخ السيسي في ليبيا

تدخلت الإمارات العربية المتحدة لسنوات في ليبيا، التي لا تشترك معها في حدود، انطلاقا من دوافع أيديولوجية وجشع.

رغم موقعها البعيد فالمستقبل السياسي لليبيا الغنية بالنفط شمالي إفريقيا يمثل حالة "تحقيق أو تحطيم" لطموحات أبوظبي.

*     *     *

جوناثان فينتون هارفي،  باحث وصحفي يركز على قضايا الصراع والجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا:

- أبو ظبي عازمة على إقامة إمبراطوريتها الإقليمية الخاصة في الوقت الذي تقمع فيه الحركات الديمقراطية والقوى الإسلامية

- رغم أن الإمارات تبدو كأنها تساعد حفتر للاستيلاء على طرابلس، فإن هدفها الأساسي هو منع ظهور دولة ليبية مستقلة ومستقرة وغنية بالنفط

- إلى جانب مساعدة قوات حفتر تسعى الإمارات إلى جعل الموارد الطبيعية الهائلة لليبيا تحت سيطرة حفتر واستغلالها لمصالحها الخاصة

- إن دعم أبو ظبي وغيرها لحفتر جعله في موضع لن يختفي منه على المدى القصير، لذا يجب الاعتراف بوجوده في المستقبل السياسي الليبي

تدخلت الإمارات العربية المتحدة لسنوات في ليبيا، التي لا تشترك معها في حدود، انطلاقا من دوافع أيديولوجية وجشعة، ولكن على الرغم من موقعها البعيد، فإن المستقبل السياسي للدولة الغنية بالنفط شمالي إفريقيا يمثل حالة "تحقيق أو تحطيم" للطموحات الجيوسياسية الأوسع للإمارات.

في أبريل/ نيسان 2019، حشد اللواء المتقاعد خليفة حفتر قواته المسماة بالجيش الوطني الليبي في طبرق وتقدم إلى العاصمة الليبية طرابلس بعد أن تعهد بالإطاحة بحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة والاستيلاء على البلاد بأكملها، لتهدم هذه الخطوة المدعومة من عدة دول، محادثات السلام الواعدة.

وشرع حفتر بحملة دبلوماسية، بزعم أنه قوة لـ "مكافحة الإرهاب" وتحقيق الاستقرار، أكسبته بعد ذلك دعمًا من جهات دولية.

 

حفتر والحل العسكري

نفى الزعيم الراحل معمر القذافي، حفتر عام 1987، ليعود إلى ليبيا خلال ثورة 2011، ومنذ ذلك الحين فرض نفسه كقوة مهيمنة في الشرق الليبي، تسعى إلى سحق الآمال بحلول دبلوماسية، وإرساء الحكم العسكري في ليبيا.

ورغم دعم روسيا وفرنسا ومصر والسعودية لحفتر على خلفية مخاوفها الاقتصادية والجيوستراتيجية الخاصة، فقد لعبت الإمارات دورًا أكبر في تمكين حفتر وتسهيل سيطرته على شرق ليبيا مع تقديم دعم حاسم لحملته المستمرة على العاصمة.

ومع أن الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق ورغبة روسيا في المشاركة في المحادثات قد أجبر حفتر في البداية على الجلوس على طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار بوساطة في موسكو، يناير/ كانون الثاني الماضي، إلا أن حفتر استأنف هجومه على طرابلس ضاربا عرض الحائط بالاتفاق.

قوات حفتر قصفت طرابلس في الأسابيع الأخيرة، وما زالت مستخدمة في بعض الهجمات قذائف الهاون.

 

تحريض إماراتي

ويمكن القول إن دعم الإمارات المستمر لحفتر أعطاه الثقة المستمرة للانسحاب من اتفاق يناير؛ ما يدل على مدى اعتماد قوات حفتر على الدعم الخارجي، فبدون هذا الدعم لن يتمكن من استئناف هجومه.

ومع ذلك فإن أبو ظبي عازمة على إقامة إمبراطوريتها الإقليمية الخاصة في الوقت الذي تقمع فيه الحركات الديمقراطية والقوى الإسلامية، لاسيما "الإخوان المسلمين".

فمنذ ثورات الربيع العربي 2011 ، حينما دعت الاحتجاجات الشعبية في جميع أنحاء المنطقة إلى إصلاحات ضد الأنظمة الاستبدادية التقليدية، لعبت الإمارات دورًا سريًا ولكن مهمًا في مكافحة مثل هذه الدعوات.

كما وجدت الإمارات أنه من الأسهل التلاعب بالقادة الاستبداديين لضمان نفوذها.

وتشارك الإمارات خطاب حفتر "المؤيد للاستقرار المزعوم" لتبرير تدخلها؛ ما يجعلهما على وفاق.

وتقدم حفتر كشريك مفيد لطموحات الإمارات العربية المتحدة في ليبيا.

 

استنسا خ السيسي

وترى أبو ظبي في حفتر "النسخة الثانية من السيسي"، إذ تسعى لاستنساخ نظام عسكري مناهض للديمقراطية في ليبيا معتمد على الدعم الإماراتي كما هو الحال في مصر بعد تمويلها والرياض الانقلاب العسكري في يوليو/ تموز 2013.

وعلى الرغم من أن الإمارات تدعم عمليات حفتر العسكرية، إلا أنها تصور دورها في ليبيا على أنه إنساني بحت وذي دوافع أمنية، وغالبا ما تتباهى بتقديم تبرعات للدولة غير المستقرة.

ومع ذلك فإن هذه الروايات تهدف إلى منح الإمارات غطاء دبلوماسيًا لإخفاء تدخلها وتطلعاتها الجيوسياسية من المجتمع الدولي، كما فعلت في مناطق أخرى على المستوى الإقليمي وخاصة في الصراع اليمني.

 

انتهاكات مدعومة من أبوظبي

وقدمت أبو ظبي دعمًا عسكريًا لحفتر في انتهاك مباشر لحظر توريد الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي اعترف به حفتر نفسه والسياسيون المتحالفون مع الجيش الوطني الليبي.

ولعب سلاح الجو الإماراتي دورًا حاسمًا في السماح لقوات حفتر بتوطيد سيطرتها على شرق ليبيا، إلى جانب الهجمات الأخيرة على طرابلس.

كما أنشأت الإمارات قواعد عسكرية في الشرق الليبي،؛ ما يكشف محاولاتها تأمين موطئ قدم لها في البلاد.

كما استخدمت الإمارات المرتزقة للقتال إلى جانب قوات حفتر، التي توفر غطاءً دبلوماسيًا أكثر من الدعم العسكري العلني.

وأفادت وسائل إعلام سودانية في يناير الماضي بتجنيد الإمارات سودانيين، بإغرائهم بوظائف أمنية مربحة في الإمارات ثم إرسالهم للقتال في ليبيا.

وإلى جانب مساعدة قوات حفتر تسعى الإمارات إلى جعل الموارد الطبيعية الهائلة لليبيا تحت سيطرة حفتر واستغلالها لمصالحها الخاصة.

وفي 16 مارس/ آذار المنصرم، اتهمت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية الإمارات بخرق القانون الدولي من خلال تصدير الوقود إلى شرق البلاد، وهو ما يشير إلى رغبة أبو ظبي في جعل ليبيا تعتمد على صادرات الإمارات.

وفي يونيو/ حزيران الماضي، اتفقت الإمارات وحفتر على إعادة توجيه النفط بشكل غير قانوني من خلال شركات النفط الإماراتية؛ ما يعزز محاولاتها لاستئصال المؤسسة الوطنية للنفط وبالتالي منع سيطرة حكومة الوفاق الوطني على موارد ليبيا.

وسابقا، سعت أبو ظبي إلى تحقيق تأثير أكبر داخل الحكومة الليبية؛ حيث دعمت السياسيين الموالين لها مثل عارف النايض، المرشح الرئاسي والسفير الليبي السابق لديها.

ورغم أن هذه المبادرات باءت بالفشل، إلا أنها تُظهر كيف تسعى أبو ظبي لتشكيل حكومة ليبية يمكنها التلاعب بها بسهولة.

ورغم أن الإمارات تبدو كأنها تساعد حفتر للاستيلاء على طرابلس، فإن هدفها الأساسي هو منع ظهور دولة ليبيا مستقلة ومستقرة وغنية بالنفط، فسيناريو مثل هذا يعني أن ليبيا سوف تجذب استثمارات أوروبية ودولية أكبر، وهو ما سيمكنها من التنافس مع الإمارات وسيهدد رغبات أبو ظبي في أن تصبح مهيمنة إقليميًا.

ولهذا ستواصل الإمارات دعم حفتر لإطالة أمد الانقسامات في ليبيا مع دعم سيطرته على شرق ليبيا وحقولها النفطية.

 

سياسة فرق تسد

إن سياسات "فرق تسد" التي تنتهجها الإمارات في اليمن والصومال من خلال دعم الجماعات الانفصالية لإضعاف الحكومات المركزية التي لا يمكن التلاعب بها في كلا البلدين لدعم نفوذها الخاص، تشير إلى التكتيكات الإقليمية الأوسع للإمارات.

ورغم أن حكومة الوفاق شنت هجومًا جديدًا في 25 مارس الماضي لصد قوات حفتر التي حاصرت طرابلس، فإنه لا يوجد الكثير مما يمكنها فعله لهزيمة حفتر.

إن دعم أبو ظبي وغيرها لحفتر جعله في موضع لن يختفي منه على المدى القصير، لذا يجب الاعتراف بوجوده في المستقبل السياسي الليبي، حتى لو لم يستطع حفتر الاستيلاء على طرابلس فإن تطلعاته المتعطشة للسلطة تدفعه إلى تعظيم نفوذه السياسي في أي حكومة قادمة.

من جانب آخر، برزت انتقادات تجاه دور أبو ظبي الضار في ليبيا، حيث انتقد أعضاء في حكومة الوفاق الوطني بينهم رئيس الوزراء فايز السراج تدخل الإمارات في البلاد، وأعمال الإدانة هذه مفيدة لرفع مستوى الوعي بما تفعله الإمارات.

ورغم ذلك فإن الحلفاء الغربيين للإمارات، الذين لديهم تأثير حقيقي على أبو ظبي، إما داعمون لحفتر أو ببساطة غير مبالين- كما هو الحال مع الولايات المتحدة وبريطانيا- ولذا ستستمر الإمارات في التمتع بالإفلات من العقاب لتدخلها في ليبيا.

وفي النهاية، يمكن أن تمنح جائحة فيروس "كورونا" الإمارات ستارًا للتمويه، وستصرف الانتباه العالمي أكثر عن العواقب السياسية والإنسانية لمثل هذا التدخل الإقليمي.

المصدر | وكالة الأناضول

  كلمات مفتاحية