في الإمارات: العمال الأجانب كوقود لآلة بناء الأبراج الفارهة

الجمعة 30 مايو 2014 06:05 ص

الخليج الجديد

تُزين ناطحات السحاب العالمية والأبراج الفارهة الملامح الناعمة لدولة الإمارات، لكنّها لا تبدو قادرة على إخفاء المعاناة والاضطهاد المهيمنين على الجانب الآخر، حيث تنتظر في إهمال مساكن العمال الأجانب الخاوية من أي شيء إلا رائحة العرق ومشاعر الاغتراب.

العمال الأجانب، محرومون من حقوقهم الأولية، كحرية التصرف في رواتبهم أو الحصول على جوازات السفر. بالإضافة إلى الأوضاع الغير آدمية للسكن العُمالي. بحسب العديد من التقارير الدولية.

البحث عن السراب

يسعى الآلاف من الرجال والنساء من جنوب أسيا وأفريقيا، إلى السفر للإمارات، مدفوعين بوعود مراوغة من وكالات "استقدام العمال" في بلدانهم. توفر الوكالات التأشيرات للعمال وتجلبهم للامارات مقابل ما قد يعادل عشرات أضعاف الدخل المتفق عليه للعامل شهريا. وفي أحيان أخرى يتم تسوية الأمر مقابل العمل لما يعادل عاما كاملا دون أجر.

يأتي العمال إلى الإمارات وھم مدينون بالفعل، والكثير منهم لا حيلة له في التفاوض على شروطٍ أفضل في عقود العمل، التي يوقعونها لدى وصولهم الدولة. إضافة إلى أن الكثير من هؤلاء العمال لا يفهمون شروط تلك العقود لأنهم أميون لا يعرفون القراءة ناهيك عن إجادة لغة أجنبية.

يغيب دور الدولة عن هذا المشهد تماما، حيث يترك نظام "الكفالة"، ملايين العمال الأجانب مرتبطين بالشركات التي دعمت تأشيراتهم؛ كما أن الإمارات تحظر تأسيس نقابات للعمال، رغم أن العمال الأجانب يمثلون 95% من العمالة في الامارات (يتجاوز الرقم 3 ملايين عامل)، كما تقاعست الحكومة عن تنفيذ قانون صدر عام 1980، تلتزم بمقتضاه بالحد الأدني للأجور.

يتضح إذا أن الحكومة تؤثر مصالح شركات البناء، عن حماية أبسط حقوق العاملين المهاجرين. فالعامل يتلقى أجرا شهريا لا يزيد عن 175 دولار مقابل عمله في مواقع بناء خطرة على ارتفاعات شاهقة أو تحت وطأة ظروف مناخية صعبة. في حين يبلغ متوسط دخل الفرد الإماراتي ما يزيد عن 2000 دولار شهريا، بحسب تقرير لهيومن رايتس ووتش.

إدانات حقوقية دولية

شهدت الإمارات إضرابات عُمّالية اعتراضا على أوضاعهم المتردية. وبحسب وكالة رويترز، فقد أضرب الآلاف من موظفي شركة «أرابتك انشاءات دبي» في مايو/آيار 2013، مطالبين بزيادة الرواتب، ومعبرين عن استيائهم بسبب عدم حصولهم على أجر مقابل العمل الإضافي.

وفي نفس السياق، واستنادا إلى تقارير صحفية تفيد بوقوع 880 حادثة وفاة في مواقع البناء عام 2004، دعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» حكومة الإمارات للقيام «بخطوات عاجلة لإنهاء الممارسات التعسفية بحق العمال، والتي أدت لإطلاق شرارة الاضطرابات في صفوف العمال الوافدين في دبي».

وبحسب «سارة لي ويتسون»، وهي مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، فإن طفرة البناء التي شهدتها دبي عام 2006، والتي تعد الأكبر في العالم، قامت على جهود عمال «يعاملون وكأنهم ليسوا بشرا».  وأضافت، في بيان للمنظمة الدولية، أنه «ليس من الغريب أن يتمرد بعض هؤلاء العمال. أما المفاجئ حقا فهو أن حكومة الإمارات لا تحرك ساكنا لحل هذه المشكلة».

تجدد الاحتجاجات

تحركت حكومة الإمارات بفعل الضغوط الدولية، واتخذت اجراءات لتحسين الرواتب وأوضاع السكن العمالي. لكنّ آلة البناء مازالت في حاجة إلى مزيد من الوقود كي لا تتوقف!

منذ العام 2007، بدأ مشروع «جزيرة السعديات»، الذي يضم مخططا لبناء مركز ثقافي عالمي، به فروعا لمتاحف كبرى، مثل متحف اللوفر ومتحف جوجنهايم بنيويورك، بالإضافة إلى متحف زايد. من المتوقع أن ينتهي المشروع بحلول عام 2015، وكالعادة لا تمر المشروعات الكبيرة إلا بمزيد من الانتهاكات ضد العمال.

فبعد حوالي عامين من انطلاق المشروع، أكدت هيومن رايتس ووتش أن «الكثير من الإساءات بحق العمال ما زالت شائعة»، وطالبت المؤسسات الدولية التي تعتزم فتح فروع لها ضمن المشروع «أن تعمل على وجه السرعة على إعداد ضمانات تعاقدية قابلة للتنفيذ بأن شركات الإنشاءات سوف تحمي حقوق العمال الأساسية في مشروعاتها».

في العام 2012، أكدت أبحاث لمنظمة حقوق الإنسان أنه في وسط غياب المراقبة وعدم تطبيق العقوبات على غير الملتزم بالقواعد، فهناك خطر ألا تتغير ظروف العمال بالقدر الكافي، وأن يستمر المقاولون في استغلال العمال.

ومع تجاهل التحذيرات الدولية وتفاقم مشكلات العمال، تجددت الإحتجاجات العمالية، وبلغت ذروتها باعتداء الشرطة الإماراتية في 20 مايو/أيار 2014، على عمال مشروع بناء جامعة نيويورك في أبوظبي، ما جعل صحيفة نيويورك تايمز تصف أوضاع العمال في الإمارات بأنها «مزرية»، فقامت الحكومة الإماراتية بحظر نشر الصحيفة في الدولة.

الصحيفة أكدت أن العمال يدفعون راتب سنة للحصول على عمل ويجبرون على العمل لنحو 14 ساعة يوميا، فيما يشبه «عمل السُخرة». كما أشارت إلى أن عمال شركة «سيتي فالكون» يعيشون بمخيم "بائس"، حيث يتكدس أكثر من 10 رجال في مساحة 200 متر مربع، ويعلقون مناشفهم على أسرتهم بحثا عن بعض الخصوصية! ونقلت عن عامل طلاء قوله إنه تلقى وعود بالحصول على 1500 درهم إماراتي في الشهر، لكنّه فقط حصل على 700 درهم.

خاتمة

تمثل أزمة العمال الأجانب واحدة من أسوأ التناقضات في الإمارات؛ فالدولة التي تحتل المركز الثاني عالميا من حيث حجم صناديق الاستثمارات السيادية (ما قيمته 677 مليار دولار) وتشهد حركة بناء هي الأنشط عالميا، لا تكترث بالحقوق الأساسية لملايين العمال، ولا يبدو أنها بصدد تغيير سياساتها المجحفة تجاههم.

إن مظاهر البذخ والترف التي تغلّف المشروعات والاحتفالات التي تروج للامارات كحالة استثناء في المنطقة، لا تخفي حقيقة أن ثمة إهدار لكرامة الإنسان وغياب مخجل لأبسط معايير العدالة، وهو ما لا يمكن استمراره دون ردود أفعال لايمكن التنبؤ بها.

  كلمات مفتاحية

الأوبزرفر: ظروف العمالة المهاجرة في الإمارات «فضيحة دولية»

الإمارات: طائرات بدون طيار لضبط مخالفات سكن العمال ومواقع العمل

للمرة الرابعة: «برج خليفة» يدخل موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية

الدية الشرعية حيلة قانونية يستخدمها المحامون لإهدار دماء الخادمات بالإمارات

الإمارات ترفض تقرير «هيومن رايتس» بشأن انتهاكات بحق العمالة المنزلية الأجنبية

المحكمة المتنقلة في أبوظبي تضع العمالة بين مطرقة الكفيل وسندان الوزير

دبي: النموذج الذي لن نحتذي به!

تحقيقات أُممية في إساءة الإمارات للعمال المهاجرين

هيومن رايتس تطالب الإمارات بتصحيح الانتهاكات ضد عمال جزيرة السعديات

مقتل 10 أشخاص في حريق هائل بثاني أطول برج سكني في دبي

«الجارديان»: العمال الأجانب يبنون مركزا ثقافيا في الإمارات «في ظروف أشبه بالاعتقال»

تقرير يكشف سوء معاملة العاملين في مشروع جامعة نيويورك بأبوظبي

«ميدل إيست مونيتور»: الإمارات تصنع من الفنانين والأكاديميين إرهابيين

الدفاع المدني السعودي يوقف تشييد 8 أبراج في الرياض مؤقتا

حريق هائل في برج أبوظبي بلازا في كازاخستان

لماذا لا تستطيع دول الخليج الاستغناء عن العمال الأجانب؟