استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عزلة الواقع وواقع العزلة

السبت 18 أبريل 2020 09:18 ص

عزلة الواقع وواقع العزلة

العزلة ليست ترفا يحاول الأدباء توصيفه وهم قابعون فيه اضطراريا.

هل العزلة ضرورة لأشياء كثيرة، تتولد من بعضها بعضا في ردهة العزلة الأبدية؟ ربما..

العزلة في معانيها النبيلة لا تؤدي إلا إلى حريةٍ في النهاية حتى لو كانت حرية الموت عندما يعز الدواء.

ننعزل عن بعضنا أفرادا وأسرا وجماعات ودولا وقارّات عزلة عالمية شاملة تنطلق من الفرد إلى العالم ومن يدري؟

*     *     *

نعم .. الواقع أكثر قسوة بكثير مما نقرأه في الكتب، أو نراه على الشاشة. الواقع هو الحياة، لكن الروايات والأفلام هي انعكاسها وحسب. وإذا كانت المرآة نفسها تخون الواقع في انعكاساتها، فلا بد للصور والكلمات أن تخون أيضا. صحيحٌ أنها تبدو أجمل الخيانات لعشاقها في أوقات الرخاء، لكنها ليست كذلك عندما يصبح العالم كله على حافّة المرض أو الموت.

على هامش أزمة العالم المفصلية هذه الأيام، والمتصاعدة تدريجيا مع صعود سهم فيروس كورونا القاتل، وتمدّده عشوائيا، راقني حديث العزلة وضرورتها للكتّاب والمبدعين، وهو حديث يتداوله هؤلاء وكأنه الترف الذي لا بد منه، لتكتمل الصورة التقليدية لهم، وهم قابعون في عزلاتهم المفردة.

ولكنه بعد أيام قليلة من تكراره صار مملاً، حتى وأنا أكتب عنه الآن في محاولةٍ لتأصيله، أجدني قد شعرت بالملل قبل وضع النقطة في نهاية السطر الأخير.

بعد بضعة أيام، يقضيها أحدنا في عزلته شبه الإجبارية، بعيدا عن أجوائه المعتادة خارج المنزل، تعيده إلى المعنى الحقيقي للكلمات والأشياء والظروف والأزمان والأماكن، ومنها كلمة العزلة.. كمفردة وتصور، وكمعنى غامض لغويا ووجوديا وفلسفيا أيضا.

ربما هي المرّة الأولى التي نعيش فيها عزلتنا الفردية بشكل عام، فنتشارك تلك العزلة، ويا للمفارقة، مع سكان الكرة الأرضية كلها تقريبا، فالمرء في هذه الحالة يعيش منعزلا عن الآخرين، مهما كانت درجة القرب النفسي منهم، والآخرون بأدوارهم يعيشون العزلة ذاتها، كل على حدة أيضا.

ننعزل عن بعضنا بعضا، أفرادا وأسرا وجماعات ودولا وقارّات، فهي عزلة عالمية شاملة، تنطلق من الفرد إلى العالم كله، ومن يدري؟

ربما نصل، في النهاية، إلى أن كرة أرضية كاملة تعزل نفسها عن المجموعة الشمسية كلها لتنجو، أو لتنجو بقية المجموعة منها، ما يعني أن المعنى اكتسب دلالاتٍ متناسلة عن بعضها بعضا، كلها تقود في النهاية إلى أن يكون المرء وحيدا بالضرورة، لكي يسلم من المرض!

العزلة أصبحت، إذن، العلاج المتوفر الوحيد القادر على كبح جماح فيروس كورونا. هكذا أخبرنا العلماء والأطباء العاجزون عن اكتشاف أي دواء حقيقي للفيروس حتى الآن.

صحيحٌ أنهم يسابقون الوقت، ليسبقوا سرعة الفيروس في مختبراتهم، لكنه سباق بلا معايير حقيقية، وبلا حدود، وبالتالي لن نستطيع أن نعرف الفائز الحقيقي فيه حتى لو اكتشف الدواء في أي لحظة.. وبالتالي، ستبقى العزلة في صورة التباعد الاجتماعي العام هي العلاج الذي سبق الفيروس، ولو على سبيل الوقاية والحماية وحسب!

وهذا يعطيها تلك الأفضلية التي تتجاوز بها ترف المعنى الذي يتغزّل به الأدباء هذه الأيام، باعتبارها ضرورة للكتابة، ولتوليد الإبداع، حتى خارج احتمالات انتقال المرض من شخص إلى آخر، ويذهب بها إلى فلسفة الوجود كله، منذ عرفنا خبر الإنسان الأول الهابط من الجنة إلى الأرض في عزلته المبكّرة.

هل العزلة، إذن، ضرورة لاكتمال الخلق؟ لتوليد المعاني؟ لابتكار الكلمات؟ للوقاية من المرض؟ لاكتشاف الدواء؟ لاحتمال الفقد؟ لانتظار البهجة؟ لتوكيد الحضور؟ لتسطيح الغياب؟ لاحتواء الصديق؟ لتحييد العدو؟ لأشياء أخرى كثيرة، تتولد من بعضها بعضا في ردهة العزلة الأبدية؟ ربما..

كل هذا، وربما شيء واحد منه. لكنها، على أية حالة، ليست هي الترف الذي يحاول الأدباء توصيفه وهم قابعون فيه اضطراريا، فالعزلة، في معانيها النبيلة، لا تؤدي إلا إلى حريةٍ في النهاية، حتى لو كانت حرية الموت، عندما يعزّ الدواء.

* سعدية مفرح كاتبة وصحفية وشاعرة كويتية.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية